العربي الآن

أزمة التنسيق أم أزمة ثقة؟ درس من حسابات الرئيس الشرع

تخبّط الإخبارية يطرح سؤالاً مشروعاً: هل من المقبول أن تبادر مؤسسات الدولة إلى النفي دون امتلاك دليل قاطع؟

بلال الخلف – العربي القديم

في صباح الأمس، فوجئ السوريون بظهور حسابات رسمية تحمل اسم الرئيس أحمد الشرع على منصات إنستغرام وفيسبوك وX، ومع مرور الساعات بدأت أعداد المتابعين تتزايد بوتيرة لافتة. وفي المساء، انتشر مقطع مصوَّر للرئيس من داخل صالة الألعاب في قصر الشعب، وهو يلعب البلياردو محققاً أكثر من ضربة ناجحة متتالية. الفيديو بحد ذاته حمل رسائل سياسية واجتماعية واضحة، لكن ما استوقفني لم يكن مضمون المقطع، بقدر ما كان المشهد الموازي له على مستوى التعاطي الإعلامي.

فمع تداول الفيديو، سارعت جهات داخل وزارة الإعلام إلى نفي صحة الحسابات، لتتلقف القناة الإخبارية الرسمية المعلومة وتبثها بدورها. غير أن المدهش كان في عودتها لاحقاً إلى حذف الخبر، لتظهر بعد ذلك مؤشرات بأن الحسابات مرتبطة بالمكتب الإعلامي الخاص للرئيس. هذا التخبّط يطرح سؤالاً مشروعاً: هل من المقبول أن تبادر مؤسسات الدولة إلى النفي دون امتلاك دليل قاطع؟

المسألة هنا تتجاوز حادثة تقنية مرتبطة بحسابات على وسائل التواصل، لتلامس عمق العلاقة بين مؤسسة الرئاسة ووزارة الإعلام. فالنفي السريع بلا تحقق يعكس –في الحد الأدنى– غياب التنسيق أو نقص المعلومة لدى الوزارة، بينما يعكس –في الحد الأقصى– أزمة ثقة حقيقية. فإذا كانت وزارة الإعلام آخر من يُخطر أو يُستبعد من دوائر القرار في قضايا اتصالية بهذا الحجم، فهذا يعني أن صورتها أمام الرأي العام مهددة، وأن مصداقيتها على المحك.

الملف أعمق من مجرد حساب على إنستغرام أو فيسبوك؛ إنه اختبار لمستوى الانسجام داخل البنية الرسمية، وتحديداً في قطاع الإعلام. فالمكتب الإعلامي للرئاسة يتحرك بخطوات محسوبة ومواكبة للزمن الرقمي، بينما تبدو الوزارة أسيرة البيروقراطية الكلاسيكية وردود الفعل المرتبكة. هنا يظهر سؤال آخر: هل نحن أمام بداية انتقال مركز الثقل الإعلامي من الوزارة إلى مؤسسة الرئاسة بشكل مباشر؟ وإذا صح ذلك، فما الدور الذي سيبقى للوزارة سوى التلقي والتعقيب بعد وقوع الحدث؟

إن جوهر القصة ليس في فيديو البلياردو ولا في ضربة ناجحة على الطاولة، بل في الضربة الموجّهة إلى صورة الإعلام الرسمي أمام جمهوره. أزمة الثقة –إن لم تُعالَج بشفافية– ستتسع، وسيبقى الانطباع أن الرئاسة تتحرك بخط إعلامي خاص بها، بينما الوزارة تغيب عن المشهد أو تكتفي بالتبرير والنفي.

زر الذهاب إلى الأعلى