الرأي العام

ماذا بعد الانتخابات البرلمانيَّة في سوريا

توجَّه بعض المرشَّحين في برامجهم الانتخابيَّة إلى الشَّعب السُّوريِّ لكنَّهم نسوا أنَّ الشَّعب السُّوريِّ لا يملك قرار دعم هذا المرشَّح أو انتخاب ذاك، وإنَّما الَّذي يملك هذا القرار هم أعضاء الهيئة النَّاخبة

د. مهنا بلال الرشيد- العربي القديم

تتَّجه عيون السُّوريِّين وعيون جيرانهم الإقليميِّين من الأشقَّاء العرب والمراقبين الدُّوليِين إلى إقفال صناديق الاقتراع وانتهاء انتخابات مجلس الشَّعب الأولى بعد سقوط نظام المجرم المخلوع بشَّار الأسد مع مجلس تصفيقه القديم، ويترقَّب السُّوريُّون والمتابعون الإقليميُّون والعالميُّون صدور النَّتائج الأوَّليَّة لهذه الانتخابات قبل التَّصديق عليها واعتمادها رسميًّا في الأيَّام القادمة، وتحظى هذه الانتخابات بأهمِّيَّة بالغة في مرحلة حسَّاسة جدًّا من تاريخ الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة الحديث والمعاصر؛ لأنَّها تصوغ مرحلته الرَّاهنة، وتؤسِّس للمستقبل القريب أيضًا، وقد خُصِّص هذا المقال للنَّظر في إيجابيَّات هذه الانتخابات وسلبيَّاتها ونتائجها المتوقَّعة أيضًا.

أهمِّيَّة هذه الانتخابات وإيجابيَّاتها

تمثِّل هذه الانتخابات في أوَّل بند من بنود فوائدها وإيجابيَّاتها نقطة البداية للانتقال من الشَّرعيَّة الثَّوريَّة إلى الشَّرعيَّة الدِّيمقراطيَّة أو شرعيَّة صناديق الاقتراع لأنَّه هناك من يتوجَّس من استعمال كلمة ديمقراطيَّة مع أنَّ سوريا رائدة في هذا المجال قبل وصول حزب البعث إلى حكمها، وهناك مَن كلمة الدِّيمقراطيَّة ذاتها خشية من فتح المجال أمام نقاشات نحن بغنى عنها في هذه المرحلة الانتقاليَّة. وسينتج عن هذه الانتخابات في النُّقطة الثَّانية برلمان ثوريٌّ خالص بخلاف مجالس التَّصفيق والتَّهريج الَّتي هيمن عليها حافظ وبشَّار الأسد من خلال قيادة حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنيَّة التَّقدُّميَّة المنضوية تحت جناح حزب البعث بوصفه قائد للدَّولة والمجتمع وكلِّ شيء، فمن المؤكَّد أنَّ الغالبيَّة العظمى من أعضاء هذا البرلمان هم الوجوه الثَّوريَّة؛ لأنَّ اللَّجنة العليا للانتخابات تشدَّدت في اختيار أعضاء الهيئات النَّاخبة وسائر المرشَّحين من الثُّوَّار، كما تشدَّدت في إبعاد أعضاء مجلس التَّصفيق ومرشَّحيه السَّابقين، وفي البند الثَّالث أفسحت لجنة الانتخابات للرَّقابة الشَّعبيَّة أو الرَّقابة الثَّوريَّة أن تمارس سلطتها بنقد ترشيح كلِّ من يثبت تأييده السَّابق للمجرم بشَّار الأسد وزبانيه، وفي البند الرَّابع صارت وجوه المرشَّحين لعضويَّة البرلمان وجوهًا مألوفة يعيش أصحابها بين أهليهم، ويعانون معاناتهم أيضًا، وهم ليسوا مثل أصحاب الثَّروات الرَّاشين المرتشين والمنتفعين المصفِّقين من أعضاء الجبهة التَّقدُّميَّة في الانتخابات السَّابقة؛ أولئك الَّين لم يكن النَّاس يرونهم أو يعرفونهم إلَّا أيَّام الانتخابات، ويرى بعض المتابعين أنَّ انتخابات البرلمان السُّوريِّ لو لم يكن لها إلَّا هذه الحسنات لكانت كافية، ولكن مع ذلك يتحدَّث العارفون في هذا المجال من أبناء الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة الحريصين عليها أكثر من المطبِّلين لقاء بعض المكاسب الشَّخصيَّة، وقد أوردت هذه الفئة من نبلاء سوريا تلك السَّلبيَّات، وتحدَّثوا عنها.

سلبيَّات الانتخابات الرَّاهنة

عزف كثير من السُّوريِّين عن التَّرشُّح لانتخابات البرلمان الرَّاهن لأسباب متعدِّدة؛ ويأتي في مقدِّمتها أنَّ المأمول المرتقب من انتصار الثَّورة كان تنظيم انتخابات أفضل من هذه أو أفضل منها بكثير، حيث يرى نفر من المهتميِّين بالحياة البرلمانيَّة أنَّه كان بالإمكان الإتيان بهيئات ناخبة بطريقة أفضل من طريقة اختيار أعضائها عن طريق اللَّجنة العليا المشرفة على الانتخابات، وهي لجنة معيَّنة تعيينًا أيضًا. ورأى المتابعون أنَّ فائدة الانتخابات تكون بمشاركة أكبر عدد ممكن من الجماهير واشتعال المنافسة الشَّريفة بين المرشَّحين تحت بند تكافؤ الفرص من أجل تحصين الحكومة القادمة برأي شعبيٍّ كبير، تمثِّله نتائج انتخابات غير مطعون بمصداقيَّتها، وتعكس مشاركة جماهيريَّة واسعة، ويعتقد المتابعون أنَّ أكثر من شائبة تشوب مبدأ المشاركة الواسعة وتكفاؤ الفرص، ويستشهدون بطريقة اختيار أعضاء الهيئات النَّاخبة، ويرون أنَّ أعضاء الهيئات النَّاخبة في كلِّ دائرة انتخابيَّة لا يعكسون رأيًا عامًّا حتَّى وإن كانوا ألفًأ أو ألفين أو ثلاثة؛ لأنَّهم مختارون وفقًا لهوى أعضاء الهيئة العليا للانتخابات، وقد انعكس تأثير هذا الاختيار على نتيجة الانتخابات ذاتها، وأدَّى إلى غياب تكافؤ الفرص فيها؛ وههنا استشهد المتابعون بأنَّ حسن الدُّغيم عضو اللَّجنة العليا للانتخابات مع نفر من المقرَّبين منه ومن أخوته في الائتلاف قبل حلِّه، أسهموا في تشكيل معظم أعضاء الهيئات النَّاخبة في المحافظات، وقد ساعده في ذلك شقيقه محمَّد الدّغيم المختصُّ بالجيولوجيا وعلوم البحار وعضو الائتلاف السَّابق، ولا سيَّما أنَّ محمَّد قد عُيِّن منذ مدَّة عضوًا في هيئة العدالة الانتقاليَّة، وعلاوة على ذلك استطاع حسن الدّغيم أن يوصل شقيقه أنس الدّغيم ليصير مديرًا لمديريَّات الثَّقافة في سوريا مع أنَّ صيدلانيٌّ يمكنه العمل بشهادته أو تأجيرها، وهذا يكفيه للعيش بكرامة، ويساعد الحكومة على توفير شاغر وظيفيٍّ لشخص آخر يحتاج العمل في هذا المكان، ثمَّ وصل الدُّكتور عبد العزيز الدّغيم شقيق حسن الدُّغيم الحائز على شهادته من أوروبَّا الشَّرقيَّة في تسعينات القرن الماضي إلى عمادة كلِّيَّة الاقتصاد في جامعة حلب قبيل هذه الانتخابات بعد أن كان مديرًا للمعهد التِّجاريِّ في إدلب سنة 2013؛ وكان ترشُّح الدُّكتور عبد العزيز الدّغيم مفاجئًا للمرشَّحين عن محافظة إدلب ودائرة معرَّة النُّعمان الانتخابيَّة بعد تعيينه عميدًا لكلِّيَّة الاقتصاد في جامعة حلب، وقد دعم ترشُّح عبد العزيز الدُّغيم وجاهة رأي من فضَّلوا عدم التَّرشُّح كيلا يكون أمام خصم وحكم اسمه حسن الدُّغيم، وتوقُّع بعضهم  نتائج هذه الانتخابات قبل صدورها، وأكَّد نفر من العازفين عن المشاركة أنَّ عبد العزيز الدّغيم سينجح ليس عن إدلب فقط، بل ربَّما يكون رئيس البرلمان أو العضو الأكثر فاعليَّة فيه؛ لأنَّ أعضاء الهيئات النَّاخبة في سوريا كلِّها هم من اختيار حسن الدّغيم وأخيه محمَّد عضو الائتلاف السَّابق وباقي زملاء أخيه محمَّد من أعضاء الائتلاف في اللَّجنة العليا للانتخابات أو في هيئاتها النَّاخبة، ويؤكِّد المتابعون أنَّ الغالبيَّة العظمى من أعضاء الهيئات النَّاخبة في المدن السُّوريَّة كلِّها هم من معارف الأخوة دغيم ومن مقرَّبيهم، ويرى المتابعون أنَّ الخطر الأكبر لانتشار أعضاء هذه الخريطة البرلمانيَّة على مساحة سوريا سيكون تمهيدًا إلى العودة إلى النِّظام الإقطاعيِّ أو ما يشبه الإقطاع العائليِّ الَّذي كان سائدًا في دمشق وحلب وغيرهما يوم كانت المدن السُّوريَّة ولايات عثمانيَّة.

ويقترح بعض مرشَّحي منطقة معرَّة النُّعمان وإدلب تعيين كوتا خاصَّة للأخوة دغيم في البرلمان ووظائف الدَّولة الكبرى؛ كلُّهم بمن فيهم المكتوبون على قائمة انتظار أخيهم حسن؛ كي يضمن باق يا[ناء معرَّة النُّعمان وباقي أبناء إدلب وسائر سوريا مبدأ المنافسة الشَّريفة في ظلِّ نهم الأخوة دغيم على المناصب. ويرى آخرون أنَّ المشكلة ذاتها ستظهر بعد إعلان نتائج الانتخابات لأنَّ الفائزين فيها حكمًا هم من أصدقاء حسن الدّغيم ومحمَّد الدّغيم وأنس الدّغيم وعبد العزيز الدّغيم، وستنعكس الآثار السَّلبيَّة لهذه الانتخابات على شكل تزكيات ووظائف في المديريَّات الثَّقافيَّة والمديريَّات العامَّة، وقد لمس بعضهم تقديم مثل هذه الوعود الشَّفويَّة أو ما يشبه الوعود في برنامج الدُّكتور عبد العزيز الدّغيم الانتخابيِّ، الَّذي نشره له شقيقه محمَّد الدّغيم عضو هيئة العدالة الانتقاليَّة.

البرامج الانتخابيَّة

تفاوتت وعود المرشَّحين وبرامجهم الانتخابيَّة من برامج متشابهة إلى حدِّ الاعتقاد بأنَّ برامج الذَّكاء الصِّناعيِّ كتبتها أو ولَّدتها، وبرامج أخرى بدت أكثر واقعيَّة، وهناك برامج فضفاضة وكبيرة وغير قابلة للتَّحقيق لأنَّ الحياة البرلمانيَّة أو الحياة الدِّيمقراطيَّة في سوريا كلِّها ما زالت تحبو على رُكبها بعد شهور قليلة من استلام تركة البعث ونظام المجرمين من آل الأسد، وكثير من أحرار سوريا ما كانوا ليقبلوا بهذه الانتخابات وبهذه اللِّجان لولا حرصهم على سوريا ورغيتهم بمزيد من التَّضحية وإعطاء الفرصة الكافية لحكومات التَّحرير الأولى والثَّانية والثَّالثة وتفويضها لتشكيل البرلمان، حتَّى وإن اضطرَّت إلى تكشيل برلمان محدود الشَّعبيَّة؛ لتحتمي خلفه، وليس هذا المهمُّ أبدًا بل المهمّ أن تنهض سوريا، وتنهض حياتها الدِّيمقراطيَّة، ولكن من المهمِّ أيضًا ألَّا تستغلّ بعض العوائل الجشعة حبُّ السُّوريِّين لوطنهم ولحكومات التَّحرير فتتغلغل لبناء ما يشبه الإقطاع العائليِّ من خلال مدِّ النُّفوذ والجسور وإيجاد المطبِّلين لهم في المحافظات السُّوريَّة كلِّها؛ حيث بدا للبعض أنَّ من لا يرتبط بحسن الدّغيم وأخوته ستكون فرصه للنَّجاح ضئيلة وستكون فاعليَّته في البرلمان محدودة أيضًا، ويبدو أنَّ منتقدي هذه النَّاحية لديهم كثير من المعطيات الَّتي تبرِّر آراءهم هذه.

وقد انتقد آخرون فكرة الطُّعون الانتخابيَّة وإبعاد بعض الوجوه (الثَّوريَّة) في أكثر من محافظة لا سيَّما محافظة القنيطرة، وقد وجدوا في هذا الإبعاد ظلمًا يشبه مساواتهم بمن أُبعد بسبب تشبيحه للنِّظام المجرم السَّابق، ووجدوا في تبرير لجنة الطُّعون المشرفة على القبول والإبعاد تماديًا في الظُّلم أو تبريرًا غير موفَّقًا على أقلِّ تقدير، وقال بعضهم: فطنوا للتَّمثيل العادل بين المدن والتَّوزيع العادل بين الاختصاصات والجنسين والاعتبارات الاجتماعيَّة كلَّها الآن مع أنَّنا مجرَّد مرشَّحون قد نفوز وقد لا نفوز، ولم ينتبهوا أنَّ حسن الدّغيم وأخاه محمَّد وأصدقاءهم اختاروا عددًا كبيرًا جدًّا من أعضاء الهيئات النَّاخبة وأن شقيقهم أنس صار مديرًا للمديريَّات الثَّقافيَّة وأنَّ أخاهم عبد العزيز صار عميدًا لكلِّيَّة الاقتصاد في جامعة حلب، ورُشِّح لعضويَّة البرلمان أيضًا. 

الخصم والحكم في نقد البرامج الانتخابيَّة

توجَّه بعض المرشَّحين في برامجهم الانتخابيَّة إلى الشَّعب السُّوريِّ وبعض خطاباتهم أو برامجهم كانت جيِّدة أو مقنعة؛ لكنَّهم نسوا أنَّهم يرتكبون مغالطة كبيرة حين يتوجَّهون بخطابهم للشَّعب السُّوريِّ الَّذي لا يملك قرار دعم هذا المرشَّح أو انتخاب ذاك، وإنَّما الَّذي يملك هذا القرار هم أعضاء الهئية النَّاخبة، الِّتي عيَّنتها الهيئة العليا للانتخابات، والَّتي تمتَّع بها حسن الدَّغيم وبعض أعضاء الائتلاف السَّابقين بنفوذ كبير، وأهداف أعضاء الهيئات النَّاخية بتثبيت نفوذهم في المستقبل تختلف حكمًا عن أهداف الشَّعب السُّوريِّ الرَّاغبة بأن يكون البرلمان هذا بوَّابة للعبور بسوريا إلى الدِّيمقراطيَّة المنشود بعد هذه المرحلة الانتقاليَّة؛ لأنَّ معظم أعضاء الهيئات النَّاخبة خصم وحكم في آن واحد؛ خصم لأنَّه يحقُّ له انتخاب الأعضاء، وحكم لأنَّه سيحكم لمن يقتنع ببرنامجه أو لمن سيقدِّم له الوعود مقابل انتخابه؛ لأنَّ صوته بحدِّ ذاته صار ذا قيمة، وواللَّجنة الَّتي منحته شرف العضويَّة هي من أعطته هذه القيمة، وليست الانتخابات الشَّعبيَّة، وهذا طعن كبير في مبدأ المساواة والتَّنافس الانتخابيِّ الشِّريف؛ وههنا تكمن طامَّة كبرى أيضًا؛ لأنَّ بعض مَن عزف عن التَّرشُّح مقابل يدعم بصوته مرشَّحًا آخر تلقَّى وعودًا شفويَّة بمكاسب مستقبليَّة مقابل صوته الانتخابيِّ، وصار صوت عضو الهييئة النَّاخبة ذا قيمة بذاته، وصار قابلًا للبيع والشِّراء والتَّفاوض، وصار صاحبه خصمًا وحكمًا في آن واحد على نحو ما شاهدناه في حلقة من حلقات أحد البرامج الشِّعريَّة الَّتي تستهدف المجتمع السُّوريِّ بتمويل أجنبيٍّ من عزمي بشارة، وقد أتى مقدِّم البرنامج بشاعر سوريٍّ، وصار يعرض عليه شعرًا لامرئ القيس وشعرًا للمتنبِّي وشعرًا لباقي فحول العرب، ثمَّ راح المقدِّم يقارن شعر الشَّاعر العربيِّ بشعر الشَّاعر الموجود في الحلقة، ويطلب منه الحكم بالأسبقيَّة لنفسه أو للشَّاعر العربيِّ القديم؛ فيحكم الشَّاعر لنفسه بعد تعليله وتحكيم ضميره، ويصرِّح بعض أعضاء مجلس إدارة التِّلفاز بأنَّهم أمام ظاهرة إعلاميَّة فريدة وجريئة في برنامجهم هذا؛ وهي ظاهرة تسحتقّ الاحترام والتَّقدير، ولم يُرَ مثلها في إعلام الوطن العربيِّ الحديث والمعاصر، وراح نفر من المرتبطين بعزمي بشارة يروِّجون لفكرة عودة سوريا إلى النِّظام الملكيِّ من أجل اختلاق مزيد من العبث في بنية المجتمع السُّوريِّ.

ماذا ينتظر البرلمان أو ماذا ينتظر السُّوريُّون من برلمانهم الجديد؟

تبدو معظم الملاحظات المذكورة في هذا المقال ملاحظات واقعيَّة بسلبيَّاتها وإيجابيَّاتها كلِّها، ولكنَّ الأهمَّ من هذه الملاحظات ذاتها هو ما ينتظر هذا البرلمان بعد إعلان نتائجه وتشكيل لجانه وعقد جلسته الأولى سواء كان برئاسة عبد العزيز الدّغيم أو برئاسة غيره، ويأتي العمل على دستور عصريٍّ جديد للدَّولة في مقدِّمة هذه الأولويَّات بالإضافة إلى إعداد قانون جديد لتشكيل الأحزاب السِّياسيَّة في الدَّولة، ويأمل المتابعون عدم ترخيص أيِّ حزب على أساس دينيٍّ أو أساس عرقيٍّ قوميٍّ، ويُنتظر من هذا البرلمان تحديد نوع نظام الحكم وشكل الحكومة في سوريا؛ هل هو حكم رئاسيٌّ أو برلمانيٌّ أو ملكيٌّ دستوريٌّ (كما يطرح تيَّار عزمي بشارة)؟ وما دور الأحزاب في المستقبل؟هل ستقدِّم مرشَّحيها للانتخابات وعلى حسب كتلة كلِّ حزب في البرلمان يأخذ عددًا من الوزارات؟ وكيف ستأتلف الأحزاب أو كيف ستشكِّل ائتلافًا حاكمًا إن لم يفز أحدها بأغلبيَّة كبيرة أو أغلبيَّة مطلقة؟ والحقُّ أنَّ هذه الفقرة من المقال تتحدَّث عن فكرة تحتاج إلى مزيد من العمل في ظلِّ ما يظهر لدينا من رغبة بعض من يصل من العوائل إلى المنصب في تجيير كلِّ مكسب لصالحه والسَّعي لوضع أخوته في مناصب أخرى؛ فما بالك بمن يصل إلى البرلمان أو الحكومة أو إلى المناصب العليا في الدَّولة؛ وهذه نقطة مخيفة يشعر بعض المهتميِّين بالحياة السِّياسيَّة بمخاوف تجاهها، وإن لم يشعر كثير من العامَّة بشيء منها؛ ولكنَّها خطيرة حقًّا لأنَّ الانزلاق من العمل الثَّوريِّ على أساس: (هي لله) إلى تجيير المكاسب والمغانم سينتج شرخًا عظيمًا بين الحكومة وبين البرلمان الموجود ليحميها وليس لإيصال شقيق هذا أو صديق ذاك؛ بسبب عدم حياديَّة أعضاء اللَّجنة العليا لتحديد الهيئات النَّاخبة تجاه المرشَّحين كلِّهم.

وكذلك ينتظر البرلمان اعتماد بعض الاتِّفاقيَّات مع الدُّول االجارة والصَّديقة والشَّقيقة للجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة، ولا يُتوقَّع من البرلمان القادم أيَّ معارضة للحكومة، ولا يريد أحرار سوريا أصلًا هذه المعارضة بشرط أن يكون برلمانًا شعبيًّا مصغَّرًا لا برلمان عوائل وصداقات ومحسوبيَّات وأتابكيَّات، ولو حصل ورفع أحد أعضاء البرلمان سقف صوته في البرلمان سيشكُّ كثير من المتابعين أنَّها تمثيليَّة مصوَّرة لا أكثر؛ لذلك تبدو بعض الوعود في بعض البرامج الانتخابيَّة مجرَّد فقاعات أو سنَّارات لكسب الأصوات لا أكثر. وهناك حديث عن حلِّ مجلس الوزراء أو ترميم مرتقب في بعض الوزارات، وسيكون باستبدال بعض الوزراء؛ لاستقدام آخرين والاستفادة من تجارب أخرى، وستكون العلاقات بين السُّلطات التَّشريعيَّة والقضائيَّة والتَّنفيذيَّة أكثر وضوحًا في المستقبل؛ ويأمل السُّوريُّون الوصول إلى حياة أكثر ديمقراطيَّة وأكثر فصلًا بين السُّلطات السّابقة، وسيكون للإعلام دوره في ممارسة سلطته الرَّابعة أو نقده للسُّلطات الثَّلاث السَّابقة.

هذا عرض موجز لأهمِّ ما رُصد حول التَّجربة الدِّيمقراطيَّة الوليدة في سوريا؛ إنَّها وليدة، وما زالت تحبو، ونحن بحاجتها، ونأمل لها أن تكبر وتنمو؛ لتصبح ديمقراطيَّة تُحتذى كما كانت قبل عبث البعث فيها، ونأمل أن تُحصِّن نتائجها كلَّ حكومة وكلَّ رئيس برأي شعبيٍّ حقيقيٍّ وجماهيريَّة واسعة تنتج عن تنافس شريف بين المرشَّحين؛ ولأنَّ هذا هو الأمل المرجوُّ يذكر بعض المتابعين ملاحظاتهم، ويذكرون تمنيَّاتهم أيضًا، ويسجِّلون بعض نقدهم وبعض عتبهم أيضًا، وهم مستعدُّون للكفِّ عن العتب إذا فُهم هذا العتب كهجوم شخصيٍّ بدون سند؛ ويأمل السُّوريُّون الاستفادة من الملاحظات والتَّمنِّيات في هذا المقال؛ ويتذكَّر صاحبة شاهدًا شعريًّا للشَّاعر عبد الرَّحمن الإبراهيم قال قبل عقدين من الزَّمن على مدرَّج جامعة حلب في أمسية شعريَّة:

أنا إن وضعتُ على الحروف نقاطَها      فلكي يُزاح عن العيون ضبابُ

لا تكرهوا منِّي العتاب لأنَّه                من غير حبٍّ لا يكون عِتابُ

زر الذهاب إلى الأعلى