العربي الآن

نعم للفيدرالية في سوريا

قد تحتاج سوريا اليوم إلى فيدرالية ولكن ليس وفق الهوية الطائفية أو القومية كما يخطط دعاة التقسيم

عبد الرحمن الناصر- العربي القديم

في السادس والعشرين من نيسان 2025، عقدت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مؤتمراً جديداً تحت شعار “سوريا لا مركزية”، معلنةً رؤيتها السياسية التي تنادي مجدداً بما تسميه “التوزيع العادل للسلطة والثروة بين المركز والأطراف”. خلف هذا الشعار البرّاق تخفي قسد مشروعاً انفصالياً يسعى إلى تثبيت أمر واقع قائم على تقسيم سوريا على أسس قومية، تنذر بفتح أبواب صراعات لا نهائية.

لكن، لمَ لا نقلب الطاولة على الجميع؟ لماذا لا نذهب أبعد مما تطالب به قسد ونطرح الفدرالية الشاملة، ولكن بشكلها الصحيح، الجغرافي الجامع لا القومي أو الطائفي المفرّق؟ نعم، أقولها بوضوح: نعم للفدرالية في سوريا، ولكن على أساس وحدة الجغرافيا، لا تشرذم الهويات.

في العالم اليوم، تُعد الفدرالية، ليست التي على الطريقة القسدية، تُعد خياراً ناجحاً لضمان وحدة الدول مع احترام تنوعها المحلي، دون الحاجة إلى تقسيمها على أسس عرقية أو مذهبية. الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا الاتحادية وسويسرا، جميعها نماذج ناجحة لدول موحدة بنظام فدرالي جغرافي، حيث تُقسم البلاد إلى ولايات أو كانتونات بناءً على اعتبارات إدارية وتنموية لا على هوية سكان كل إقليم. فلماذا لا نتعلم من هذه التجارب، بدلاً من الوقوع في فخ التجزئة التي تنصبها لنا المشاريع الانفصالية؟

وقد رأينا نتائجه الكارثية واضحة في العراق.

قد تحتاج سوريا اليوم إلى فدرالية تضمن توزيع السلطات والثروات، وتمنع عودة الاستبداد المركزي، ولكن ليس وفق الهوية الطائفية أو القومية كما يخطط دعاة التقسيم، بل عبر إقامة ثلاثة أقاليم رئيسية:

إقليم الشرق: ويضم الرقة، الحسكة، دير الزور وتدمر، ليكون امتداداً اقتصادياً طبيعياً للبادية السورية وثرواتها الزراعية والنفطية.

إقليم الشمال: يشمل حلب، إدلب، حماة واللاذقية، مع ما تحمله هذه المدن من ثقل صناعي وزراعي واستراتيجي.

إقليم الجنوب: يجمع حمص، طرطوس، دمشق، السويداء، درعا والقنيطرة، بوصفه القلب السياسي والتاريخي لسوريا.

بهذا التقسيم الجغرافي، يتم تحقيق العدالة الإدارية بين الأقاليم، مع الحفاظ الكامل على وحدة الأراضي السورية وشعبها. كما يتم سحب البساط من تحت دعاة الفدراليات العرقية والطائفية، سواء أكانوا من “قسد” في الشرق، أو “حكمت الهجري” ومحيطه الطائفي في الجنوب، أو فلول النظام الذين قد يجدون في مشروع قسد فرصة لتقسيم الساحل تحت يافطة الحماية الطائفية.

ليست الفدرالية حلاً سحرياً لكل مشكلاتنا، ولكن بشكلها الصحي والصحيح الذي أشرت له، يمكن أن يقطع الطريق أمام الانفصال والتشظي. عبر فدرالية قائمة على الجغرافيا والمصالح المشتركة.

أما محاولات قسد لترويج “اللامركزية” بوصفها حلاً وسطاً، فما هي إلا قناع شفاف لإضعاف سلطة الدولة، الهشة أصلا، ومقدمة لمشروع انفصال تدريجي يبدأ بالحكم الذاتي وينتهي بالاستقلال. هذه اللعبة يجب أن تُفهم جيداً. اللامركزية كما تطرحها قسد، ليست مجرد توزيع إداري للسلطات، بل شرعنة لكيان قومي خاص، يخالف روح الثورة السورية التي قامت من أجل دولة لجميع أبنائها، بلا تمييز ولا إقصاء.

كذلك لا يمكن تجاهل أن قسد، رغم حديثها عن الديمقراطية والتمثيل، قامت على فرض سلطتها عبر القوة العسكرية، لا عبر انتخابات نزيهة أو تفويض شعبي حقيقي، مما يجعل ادعاءاتها الديمقراطية فاقدة لأي مصداقية سياسية أو أخلاقية.

من هنا تبدو الفدرالية الجغرافية خياراً تنظيمياً مهماً في حال تعذر تطبيق دولة ذات سلطة مركزية قوية، وتصبح الضمانة الوحيدة لمنع تفكك سوريا تحت شعارات براقة تخفى خلفها مشاريع خطيرة.

ختاماً: لا بد من التأكيد أن القبول بفدرالية جغرافية يجب أن يكون جزءاً من حل سياسي شامل يعيد للسوريين جميعاً حقهم في تقرير مصيرهم عبر انتخابات حرة ونزيهة، دون تدخلات عسكرية أو وصاية أجنبية. وفدرالية قائمة على الجغرافيا لا تمنع بناء هوية وطنية سورية موحدة.

كما أن معركة المستقبل ليست معركة حدود داخلية، بل معركة هوية وطنية. وكلما أسرعنا في تبني مشروع سياسي موحد، يقوم على فكرة المواطنة لا على العصبيات، كلما اختصرنا طريق الآلام نحو سوريا الجديدة التي نحلم بها جميعاً.

نعم، نعم للفدرالية الجغرافية في سوريا… لا لفدراليات العرق والطائفة والمليشيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى