بعد تفجير مبناه واستشهاد رئيسه: (العربي القديم) يروي قصة المجلس التشريعي الفلسطيني
العربي القديم- خاص:
نعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في بيان لها، رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الذي استشهد جراء قصف إسرائيلي على قطاع غزة، واصفة إياه: ب”القائد الوطني الكبير”.
وأكدت حركة المقاومة الفلسطينية اليوم السبت 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، استشهاد رئيس المجلس التشريعي بالإنابة في غزة أحمد بحر، متأثراً بإصابته خلال قصف للاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
(العربي القديم) تروي تاريخ المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي يمثل نواة الحركة البرلمانية في فلسطين، والذي تعود نواته الأولى لما قبل مئة عام، حين أضدر المندوب السامي البريطاني عام 1922 قرار إنشائه، ثم كيف مر هذا المجلس بمراحل عديدة، تختصر سيرة النضال الوطني الفلسطيني، وصولا إلى تفجير مبناه والإعلان عن استشهاد رئيسه بالنيابة اليوم.
تفجير المبنى
يوم الاثنين في الثالث عشر من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري تمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي من السيطرة على مبنى المجلس التشريعي في غزة.
صبيحة اليوم التالي نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» في الرابع عشر من نوفمبر الجاري، صورة لعدد من جنود «لواء غولاني» وهم يرفعون الأعلام الإسرائيلية ويلتقطون الصور الانتقامية الكيدية داخل مبنى البرلمان. وبعد 48 ساعة نشرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، مقطع فيديو للحظة تفجير المبنى المكون من طوابق عدة، حيث تظهر الصور عملية التفجير عن بعد قبل أن يتهاوى المبنى ويتصاعد الدخان من المكان.
المبنى ذاته الذي افتتحه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1995 كان قد تعرض للقصف والتدمير عام 2009 من قبل الطيران الإسرائيلي، وقد تمت إعادة بنائه عام 2011 قبل أن تتم تسويته بالأرض مجددا.
من الانتداب البريطاني إلى الإدارة الأردنية والمصرية
الباحث الفلسطيني أمجد الآغا، كان قد روى (1) محطات أساسية من تاريخ المجلس ودوره في الحياة الحياة البرلمانية في فلسطين على النحو التالي:
تعود بداية المشاركة الفلسطينية في الانتخابات إلى العام 1877م، حيث مثل النائب يوسف ضيا الخالدي مدينة القدس في مجلس (المبعوثان) في مدينة الأستانة التركية. وقد كانت المرحلة الثانية مرحلة الانتداب البريطاني والتي انتهت بعد انهيار الحكم العثماني وخضوع فلسطين للاحتلال العسكري البريطاني سنة 1917م.
وقد شكل صك الانتداب البريطاني الدستور الذي صدر في العاشر من آب/ أغسطس 1922م والذي اشتمل على إنشاء مجلس تشريعي لفلسطين. حيث أراد المندوب السامي أن يكون المجلس التشريعي مجردا من أية صلاحيات فعلية وأداة بيده.
أما المرحلة الثالثة للبرلمان في ظل الحكم الأردني والمصري (1948- 1967) فقد جاءت بعد عقد مؤتمر أريحا في الأول من كانون أول/ ديسمبر 1949م حيث أجريت أول انتخابات برلمانية شملت الضفتين الشرقية والغربية في 11 نيسان (أبريل) 1950م، وفي سنة 1952م صدر الدستور الأردني الذي تضمن ضم الضفتين “الغربية والشرقية” وإنشاء برلمان موحد بينهما يتألف من عددٍ متساوٍ من النواب من كلا الضفتين، وقد مارس هذا البرلمان نشاطاً تشريعياً واسعاً حيث شهدت تلك الفترة نشاطا تشريعيا واسعا.
أما في قطاع غزة فقد عمدت الإدارة المصرية إلى عدم ضم القطاع للسيادة المصرية وإبقائه تحت إدارة ورقابة القوات المسلحة المصرية، التي أصدرت في سنة 1955م القانون الأساسي لقطاع غزة رقم 255 لسنة 1955م وقد تضمن تشكيل مجلس تشريعي يرأسه الحاكم الإداري العام، حيث تم تعيين أعضاء المجلس بحكم مواقعهم الوظيفية وقد استمر هذا المجلس والمشكل بطريق التعيين ثلاث سنوات حتى سنة 1962م ولم تسجل له أية إنجازات.
وفي الخامس من آذار/ مارس 1962م، أصدر الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر النظام الدستوري لقطاع غزة، وقد روعي في تشكيل المجلس التشريعي أن يكون مؤلفاً من (41) عضواً بحيث يضم أعضاء المجلس التنفيذي، ومن (22) عضواً ينتخبهم الأعضاء المنتخبون لعضوية اللجان المحلية للاتحاد القومي العربي الفلسطيني طبقاً لنظام الانتخاب. وفي أول جلسة له بتاريخ 23-6-1962 انتخب المجلس التشريعي الدكتور حيدر عبد الشافي رئيساً له حيث ترأس المجلس التشريعي بغزة خلال الفترة (1962- 1965).
وقد انتهت ولاية المجلس التشريعي بتاريخ 22-6-1965م ولم يجدد له ولم يتم انتخاب مجلس آخر، حيث ظلت وزارة الدفاع المصرية تؤجل إجراء الانتخابات لمجلس جديد وظلت القوانين تصدر عن الحاكم العام بإرادة منفردة خلال الفترة (1965- 1967) حتى وقوع احتلال حزيران (يونيو) 1967.
المجلس تحت الإحتلال الإسرائيلي المباشر
وبعد عدوان حزيران (يونيو) واحتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، باتت تلك المناطق تحت الإشراف المباشر للاحتلال الإسرائيلي ولنظام حكم عسكري، حيث لم تلتفت الإدارة العسكرية لقطاع غزة آنذاك لاستكمال النشاط البرلماني والبناء عليه، بل على العكس عمدت إلى وأد التجربة البرلمانية الفلسطينية وإحلال إرادة الحاكم العسكري محلها ممثلة بالأوامر العسكرية”.
وإمعاناً من الاحتلال في طمس معالم التجربة البرلمانية الفلسطينية حوّلت إدارة الاحتلال في قطاع غزة مبنى المجلس التشريعي الرئيس في وسط قطاع غزة الذي شُيّد في عهد الإدارة المصرية إلى مركز اعتقال واحتجاز للفلسطينيين، وبالتالي فقد تحول المبنى من رمز للتعبير عن إرادة الفلسطينيين إلى مقر لسلب الإرادة الفلسطينية ومصادرة الحريات”.
وقد ورد ذكر “المجلس التشريعي” في اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل عام 1993، حيث نصت الاتفاقية على إنشاء مجلس حُكم ليملأ الفراغ الناتج عن انسحاب القوات الإسرائيلية. وهي تمثلت في المرحلة الخامسة حيث تم انتخاب المجلس التشريعي الأول في العشرين من كانون الثاني/ يناير لسنة 1996م.
نتائج الانتخابات التشريعية الأولى في ظل السلطة أفرزت نوابا في المجلس التشريعي عددهم (88) نائباً معظمهم من لون سياسي واحد وهو حركة فتح، والباقون هم مستقلون وبعض المعارضين، حيث ظل هذا المجلس لمدة 20 سنة وتناوب على رئاسته كل من: أحمد قريع، ورفيق النتشة، وروحي فتوح، إلى أن أجريت الانتخابات التشريعية الثانية في كانون الثاني/ يناير عام 2006 والتي فازت بها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وانتخب الدكتور عزيز دويك رئيسا للمجلس، وذلك بعد رفع عدد النواب إلى 132 نائبا.
وقد قصفت طائرات الاحتلال في كانون الثاني/ يناير 2009 مقر المجلس وتم تدمير المبنى التاريخي القديم منه حيث تمت إعادة بنائه مجددا.
عباس يحاول حل المجلس
ولم تنته قصة المجلس هنا، فبعد أن اعتَقل جيش الاحتلال الإسرائيلي رئيس المجلس عزيز الدويك في مدنية الخليل عام 2014 تم انتخاب النائب الأول أحمد بحر رئيسا للمجلس بالإنابة، وفي كانون الأول/ ديسمبر 2018 صدر قرار من المحكمة الدستورية الفلسطينية في رام الله بحل المجلس، ما حدا بأحمد بحر إلى عقد مؤتمر صحفي في مقر البرلمان بمدينة غزة، تعقيبا على إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس القرار، في مستهل اجتماع للقيادة الفلسطينية والدعوة لانتخابات برلمانية خلال 6 أشهر. وقال بحر حينها إن: “المحكمة الدستورية الفلسطينية شكلت بصورة مخالفة للقانون، حيث لم يتم مراعاة الإجراءت القانونية في اختيار قضاتها، إضافة إلى أن هؤلاء القضاة فاعلين في حركة (فتح) والأصل أن يكونوا مستقلين”. وأضاف أنه “لا يجوز لأي من السلطات بما فيها رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، حل المجلس التشريعي، استنادا لمبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون الأساسي”. وشدد على أن الرئيس عباس فقد ولايته الدستورية والقانونية كرئيس للسلطة الفلسطينية منذ تاريخ 9 يناير/ كانون الثاني 2009″ (2).
الفصل الأخير: استشهاد الرئيس وتفجير المبنى
خلال العدوان المستمر على غزة منذ نحو شهر ونصف، كتب الاحتلال الأسرائيلي الفصل الأخير من قصة المجلس التشريعي في غزة، بتفجير المبنى واستشهاد رئيسه بالإنابة أحمد بحر.
وكان أحمد محمد عطية بحر، المولود في مدينة غزة عام 1949، قد اعتقل من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي إدارياً دون تهمة لمدة سنتين عام 1989، وتشير سيرته المنشورة في موقع كتلة الإصلاح والتغيير، إلى أن أحمد بحر يحمل إجازة في القرآن الكريم والإقراء بالسند، وحاصل على درجة الدكتوراه في اللغة العربية من فلسطين. وسبق له أن تولى سابقاً رئيس اللجنة التحضيرية لمؤتمر الإمام الشيخ أحمد ياسين، وهو من مؤسسي دار القرآن الكريم والسنة بقطاع غزة، كان إماماً وخطيباً لمسجد بيت أمر بمحافظة الخليل، ونائب نقيب العاملين بالجامعة الإسلامية.
كما شغل أحمد بحر منصب الأمين العام للجمعية الإسلامية بغزة، ونائباً لعميد كلية الآداب بالجامعة الإسلامية بغزة، وانتخب عام 2011 نائبا عن غزة وحصل على 73988 صوتا. وكان قبل وفاته النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، ومحاضراً بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بالجامعة الإسلامية في غزة، وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن قائمة الإصلاح والتغيير.
هوامش:
(1) مصطفى عبد الرحمن: (“التشريعي الفلسطيني”.. صرح تاريخي شامخ منذ العهد العثماني)، موقع: (عربي 21) 18/2/2021
(2) وكالة الأناضول: (بحر: حل “التشريعي” غير قانوني ويهدف لتفرد عباس بالقرار) 23/12/2018