الكوتا النسائية… سقف وهمي لتمكين المرأة
معظم التيارات النسوية التي تنادي اليوم بالمساواة تفشل في فهم هذا المعنى!

عدي شيخ صالح * العربي القديم
في خضم النقاشات المتكررة حول تمثيل المرأة في الحياة السياسية والعامة، برزت “الكوتا النسائية” كإحدى الأدوات التي تُقدَّم على أنها مكسب تقدمي وخطوة نحو الإنصاف. غير أن هذه الفكرة التي تبدو في ظاهرها دعماً للمرأة، قد تحمل في باطنها ظلماً صامتًا، وتكريسًا لسقف منخفض لا يتجاوز عتبة التجميل السياسي.
أولأ: من المساواة إلى التقسيم
تكمن خطورة الكوتا النسائية في أنها تنقل المرأة من كونها مواطنة كاملة الأهلية تنافس على أساس الكفاءة، إلى فئة تحتاج استثناءً لبلوغ موقعها. تُعامل المرأة هنا كجنسٍ لا كقدرة، وكحالة يجب تصحيحها لا كعنصر فاعل يتنافس طبيعيًا ضمن فضاء مفتوح.
الكوتا لا تنصف المرأة، بل تُقزّمها داخل حصة محددة، وكأنها لا تستطيع أن تصل إلا بدفع من قانون لا من جدارة. إننا حين نخصص للنساء 30% من المقاعد مثلاً، فإننا -عن وعي أو دون وعي- نقول: هذا أقصى ما يحق لكنّ، والباقي ليس من نصيبكنّ.
ثانيا: التجميل السياسي ومشكلة الشرعية
كم من النساء جرى اختيارهن ضمن كوتا لا لكونهن الأكفأ، بل لارتباطهن بحزب أو سلطة أو محاصصة سياسية؟ وكم من امرأة حُجبت فرصتها في الترشح أو التقدّم فقط لأنها لم تندرج تحت الكوتا؟
وهكذا، تصبح الكوتا أداة لتجميل الاستبداد أو الفساد، لا لتحرير المرأة من التهميش.
ثالثا: العدالة لا المساواة: فهمٌ أصيل لطبيعة المرأة وحقوقها
كثير من المنادين بـ”المساواة المطلقة” بين الرجل والمرأة يخلطون بين العدالة والمساواة، ويقعون في خطأ فادح يتجاهل الاختلاف الفطري والبدني بين الجنسين.
فلا يمكن لعاقل أن يطالب الرجل بالحمل والولادة، كما لا يُطلب من امرأة أن تعمل في أعمال شاقة كالتي تتطلب قوة عضلية استثنائية. هذه ليست تفرقة، بل فطرةٌ أودعها الله في خلقه.
ولهذا، فإن العدالة أسمى من المساواة.
فالعدالة تعني أن تُمنح المرأة الحق في التعلم والعمل ضمن ما يناسب قدراتها، دون أن يُفرض عليها نمط حياة ذكوري لا يلائم طبيعتها، أو يُحجب عنها حقها بذريعة الضعف.
هي إنسان كامل الحقوق، تستحق الفرص كما يستحقها الرجل، ولكن وفق ما تقتضيه العدالة لا المحاكاة السطحية.
ومعظم التيارات النسوية التي تنادي اليوم بالمساواة تفشل في فهم هذا المعنى. بل إنها – من حيث لا تدري – تقلل من قيمة المرأة بتحويلها إلى نسخة عن الرجل، بدل أن تحتفي بتكامل الاختلاف بين الجنسين.
وإن كانت هناك مرجعية عليا للعدالة، فهي شرع الله، الذي أعطى للمرأة حقوقها كاملة – أمًا، وبنتًا، وزوجة – في التشريع الرباني المحكم، دون أن يجعلها تابعًا أو كائنًا ناقصًا.
ومن باب الإنصاف أيضًا، علينا أن نرفض ما يُسمّى بـ”جرائم الشرف”، فالشرف لا يُسترد بالدم، بل يُبنى بالتربية والقدوة. وإن كانت هناك فتاة انحرفت، فقد يكون الأب أول من يُسأل: هل قام بواجبه التربوي كما أمر الله؟
فالشرف يبدأ من السلوك الواعي لا من الغضب الأهوج، والتقصير في التربية مسؤولية لا يمكن تغطيتها بجرائم باسم الشرف.
رابعا: تمكين المرأة لا يأتي من المقعد، بل من المسار
التمكين الحقيقي لا يُقاس بعدد المقاعد، بل بنوعية المشاركة. لا نريد نساءً يتم تعيينهنّ بمرسوم، بل نساءً يُنتخبن بحرية، يُدافعن عن قضايا المجتمع، ويصعدن لأنهن قادرات، لا لأنهن ممثلات للنوع أو الطائفة أو الحزب.
نحن لا نعارض تمثيل المرأة، بل نرفض أن يتم ذلك عبر طرق ملتوية تفصلها عن عمقها السياسي والاجتماعي… وتمكين المرأة يمرّ عبر:
- إزالة العوائق الثقافية والتعليمية والقانونية التي تعيقها.
- خلق بيئة سياسية وأمنية تحترم مشاركتها.
- دعمها في المؤسسات، لا عبر الحصص، بل عبر المنافسة العادلة.
خامسا: ضد الكوتا… ومع المرأة
موقفنا مبدئي: نرفض الكوتا النسائية كما نرفض الكوتا الطائفية أو القومية، لأننا نرفض أن يتحول الإنسان إلى رقم في حصة. ونؤمن أن النساء قادرات على تمثيل أنفسهن ومجتمعاتهن، لا بحاجة إلى سقف منخفض نُقنعهن أنه إنصاف.
إن الثورة على التمييز لا تعني خلق امتياز مضاد، بل خلق عدالة تكافؤ الفرص. لا نريد امرأة تُمنح المقعد، بل امرأة تكسر الباب وتأخذ مكانها بجدارة.
_____________________________________
- كاتب و باحث سوري مستقل في الفكر السياسي والاجتماعي، يهتم بقضايا الهوية السورية ، وتحولات الدولة، و إشكالات الانتقال السياسي بعد النزاعات.”