المواطنة الحقيقية ليست في الهوية أيها السعوديون: آخر كلمات هاني النقشبندي قبل رحيله
كان آخر ما كتبه قبل رحيله، وعشية احتفال المملكة بالعيد الوطني الثالث والتسعين، تغريدة أثارت عليه انتقادات حادة من السعوديين، فقد كتب يقول:
“أكثر ما جاءتني من تهنئة باليوم الوطني السعودي، كانت من غير سعوديين. هم مقيمون في البلد منذ عقود. ما يعني أن المواطنة الحقيقية هي في الحب والانتماء لا في الهوية فقط”.
وقد كتب أحد المعلقين رداً عليه: “أول مرة أسمع فيه. كيف يبي السعوديين يهنونه وهم لا يعرفونه؟ السعوديون حامين الحدود على جبهات القتال يدافعون عن بلاد الحرمين الشريفين السعودية حرسها الله” وقال عوض العنزي: ” هذي تهنئة مبطنة اختشي يا واد” فيما كتب خالد معتبراً أنه يختصر الطريق عليه: “أختصرها لك. غير السعوديين لا يستحق الجنسية لو يهنئ 1000 مرة”.
لكن خبر وفاته المفاجئ، أنقذه من سيل آخر من الهجوم، فامتلأت صفحته بعبارات الترحم على عليه، بعد انتشار خبر وفاته المفاجئ، فيما أدرك بعض المعلقين المغزى الإنساني العميق لكلمات النقشبندي، وهو يخاطب السعوديين.
إنه الصحفي والروائي السعودي هاني النقشبندي، رئيس التحرير الأسبق لمجلتي (سيدتي) و(المجلة) السعوديتين، وكاتب الروايات المثيرة للجدل، والمثقف الذي عاش في منطقة وسطى من الانتشار والتأثير الجماهيريين، فأَهَّلَهُ تَرَؤُّسُهُ لتحرير مجلات سعودية قوية الدعم والانتشار، أَهَّلَهُ إلى تأسيس شبكة علاقات وفي تقديم برامج تلفزيونية، لم تجعل منه نجماً جماهيرياً بالضرورة.
هاني النقشبندي الروائي
مسيرة هاني النقشبندي كروائي تتقاطع إلى حد كبير مع مسيرته كصحفي، فقد شكل حضوره في الرواية في مطلع الألفية الثالثة، عنواناً من عناوين الرواية السعودية قبل أن تنزلق في فخ الاستسهال وتفريخ الأسماء الشابة التي تكتب تجاربها المكبوتة، وتتهافت دور النشر لتطبع لها، أملاً في المردود المالي والبيع بالتهريب!
كان هاني النقشبندي مختلفاً عن ذلك الفقس الأدبي وخصوصاً في روايته (اختلاس) التي صدرت عام 2007 عن دار الساقي في لندن، وكانت أولى رواياته، وتحدثت عن معاناة المرأة وأشكال العنف التي تُمَارَسُ ضدها، حيث تدور أحداثها بين لندن والسعودية. بطلاها: (هشام) رئيس التحرير الذي يقيم في لندن، وسارة القارئة السعودية التي تكتب الرسائل وترسلها من السعودية إلى هشام لتتحدث فيها عن حياتها وزوجها صديقاتها وعلاقاتها حتى بسائق لها.
اعْتُبِرَتْ هذه الرواية التي مُنِعَتْ في السعودية لسنوات، تجسيداً حياً لامرأة سعودية تبحث عن شخصيتها. أو هي محاولة نسائية للهرب من مجتمع منغلق، فتستعين بالقلم تارة وبالأحلام تارة أخرى، لكنه هروب في الاتجاه الخاطئ، ربما في اتجاه هشام الغارق هو ذاته في البحث عن هويته وملذاته.
تابع هاني النقشبندي مسيرته مع الرواية فكتب (سلام) التي صدرت عام 2009 و(ليلة واحدة) التي صدرت في دبي صدرت عام 2011 و(نصف مواطن محترم) 2013 و(طبطاب الجنة) 2015. وأخيراً رواية (الخطيب) التي صدرت عام 2017م.
اعتبر بعض النقاد، أن هاني النقشبندي بميوله الميلودرامية، واهتمامه بالحديث عن المرأة مازجاً بين الرومانسية والنزوع للتحرر، يمكن أن يلعب دوراً في المجتمع السعودي، مماثلاً للدور الذي لعبه إحسان عبد القدوس في مصر، لكن بالطبع بقيت هذه الأفكار، مجرد أفكار نظرية، لم تأخذ بعين الاعتبار تباين بنية المجتمعين، واختلاف شرائح القراء ومستويات القراءة.
صحافة الترفيه والمجتمع الفارغ
رحل هاني النقشبندي المولود في المدينة المنورة عام 1963 مساءَ يوم السبت الثالث والعشرين من أيلول/ سبتمبر الجاري، وقد حفلت سيرته الصحفية المرفهة في الصحافة السعودية، بإنجازات في مجال صحافة الترفيه والمجتمع الفارغ من الهموم، فقد ترأس مجلة (سيدتي) لخمس سنوات، حين كانت هذه المجلة عنوان الصحافة النسائية البعيدة في جوهرها عن المعاناة الحقيقية للنساء في المجتمع، والغارقة في الترويج لأحدث موضوعات الأزياء والمكياج والعطور والديكورات الباذخة والإتيكيت، كما ساهم في تأسيس مجلة (الرجل) ليقدم نسخة أخرى من مجتمع النخبة الذي يتحدث عن إنجازاته في لقاءات صحافية مطولة، بإخراج باذخ، وصور مبهرجة، أما ترؤسه لمجلة (المجلة) بين عامي 2001- 2004 وقبيل أيام من وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فقد كان جزءاً من سيرة صحافية أثبتت حضورها وظيفياً، بعدما أصبح فيها من الأسماء السعودية الواثقة لِتسَلِّم إدارة مجلات الشركة السعودية للأبحاث والتسويق التي كانت تصدر من لندن.
في كل الأحوال يمثل هاني النقشبندي جيلاً من الصحافيين السعوديين الذين نشؤوا في ظل الطفرة النفطية، والوفرة الإعلامية، فهو خريج جامعة الملك عبد العزيز في جدة، في تخصص “العلاقات الدولية”، ومارس العمل الصحفي منذ عام 1984 حين كان في مطلع العشرينات من العمر، وقد عمل في صحف السعودية، قبل أن ينتقل للعيش في لندن، ثم في دبي، ليقدم برنامج (حوار هاني) لتلفزيون دبي، ويختتم حياته الصحفية ببرنامج (هنواتي) على تلفزيون المشهد الإماراتي، وفيه يبدو هاني النقشبندي مثقفاً واسع الاطلاع، محاولاً أن يغرّد خارج السرب بحذر، أو معه باطمئنان.