دراما تسفّه التاريخ: ابتسامة هوليوود زمن العثمانيين وعدسات ملونة في أربعينات القرن العشرين
كتب محمد منصور:
سجلت الأعمال الدرامية السورية التي تعود إلى حقب تاريخية مختلفة من القرن الماضي أو ما سبقه، فضائح كارثية على صعيد اللغة المستخدمة والديكورات وعمليات التجميل الحديثة التي يقوم بها الممثلون والممثلات السوريات، والتي يتساهل معها مخرجون يفتقرون للمهنية والدقة والصرامة في متابعة تفاصيل عملهم وإدارة ممثليهم من أمثال سيف الدين السبيعي، وتامر مروان إسحق.
وكان لافتاً ظهور أسنان الممثل باسم ياخور ناصعة البياض فيما يعرف بعملية (ابتسامة هوليوود) التجميلية، وهو يؤدي دور البطولة في مسلسل (العربجي) الذي تشير أحداثه إلى أن فترته الزمنية تعود للعهد العثماني، حسب السلطة المجسدة بوضوح – بالإعلام والشعارات – وبالتسميات العثمانية الإدارية في العمل.
فيما ظهرت الممثلة عبير شمس الدين في مسلسل (بيت أهلي) من تأليف فؤاد شربجي وإخراج تامر إسحق، والتي تبدأ أحداثه باغتيال الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر في دمشق عام 1940، ظهرت شمس الدين وهي تضع عدسات ملونة على عينيها، وتظهر أسنانها بابتسامة هوليوود، (مثلها مثل الممثلة صفاء سلطان)، فيما تنهك عمليات التجميل ونفخ الشفاه والخدود وجهها، إلى الدرجة التي يصعب التعرف عليها للوهلة الأولى.
وكان من الطبيعي أن تثير هذه المشاهد سخرية السوريين الذين صبوا سهام نقدهم على ابتسامة باسم ياخور الهوليوودية، كونه الأكثر تبجحا بين الممثلين السوريين بالحديث عن المهنية واهتمامه الشديد بمتطلبات الدور. وأرجع العارفون بالوسط الفني تساهل المخرج سيف الدين السبيعي مع بطل مسلسله إلى الصداقة المصلحية التي تربط بينهما، كون ياخور قد رشح السبيعي لإخراج أكثر من عمل كان لباسم صلة مع جهة إنتاجه.
ولا تقتصر الخروقات الفنية للمراحل التاريخية على اعترى وجوه الممثلين وأشكالهم من تشوهات تجميلية تكشف عقد النقص لدى الكثير منهم، بل تتعداها إلى استخدام اللغة الدارجة، وكان واضحاً المفردات الكيوت التي تستخدمها ديما قندلفت، في أدائها لدور بدور الداية في (العربجي) من قبيل مفردتها الساخرة التي تكررها كلازمة في حالات الاستهجان والتعجب: “يللا” وهي مفردة عامية معاصرة جدا لم تكن تستخدم في تلك العصور.
وكان لافتاً أن تيم حسن في مسلسل (تاج)، في إحدى مشاجراته مع الفرنسيين يقول له: “بلدي وانا حر فيه… بلدي أغسله وأكويه” مستعيرا هذه الصيغة اللغوية المنحطة من أغنية مصرية تقول كلماتها: “جوزي وانا حرة فيه… جوزي أغسله وأكويه” وبالطبع لا يمكن لمخرج مثل سامر برقاوي أن يقول لنجم مثل تيم حسن: “ما هذا الهراء يا تيم… هل هذه لغة الشارع في أربعينيات القرن العشرين” فمثل هذه الملاحظات والاعتراضات بعيدة تماما عن هؤلاء المخرجين الذين يهمهم حركة الكاميرا والآكشن والتقطيع المشهدي وألاعيب وجماليات الإضاءة أكثر مما يهمهم روح المرحلة التاريخية التي يستلهمونا، والتي يريدون أن يبهرونا بديكوراتها وترامها ولا داعي للتدقيق في باقي التفاصيل.
ليست هذه إلا عينات من هذا العبث البصري بالمراحل التاريخية الذي يكشف في الواقع حقائق أسوأ عن غياب الثقافة والحرص لدى مخرجي هذه الأعمال أو سواها، وعن ضعف شخصيتهم الإخراجية إزاء التعامل مع شطط النجوم وتصرفاتهم التي تسيء إلى تلك الأعمال والمراحل التاريخية التي تستلهمها.