أرشيف المجلة الشهرية

كلام في الشخصية الإدلبية

بقلم: عماد كركص

الكوميديا واللامبالاة، هما الصفتان اللتان قفزتا إلى بالي، عندما طلب مني الصديق الأستاذ محمد منصور كتابة مقال عن الشخصية الإدلبية للعدد الحالي في “العربي القديم”، والمخصص عن محافظة إدلب.

فمع التنوع الذي تعرفه في إدلب، على الصعد كافة، اجتماعياً، وطبقياً ومذهبياً، تحضر الطرفة العفوية عند الجميع، والجميع هنا تعني الغالبية، فالإدلبي، مهما كان مركزه في الهرم الاجتماعي، لا يروي قصته، كما يرويها غيره من أبناء باقي المحافظات، فقصة الإدلبي مهما كانت سوداوية، فلا بد إلا وأن تحملها عناصر رئيسية للقصة في بنيتها، أي البداية الجذابة، الانعطاف، الصدمة في النهاية، وغالباً مع كوميديا تقوم على الموقف لا الابتذال.

ذات يوم، قلت لخوري مسيحي أرثوذكسي من إدلب: إن “الروس (الأرثوذوكس) قد قصفوا كنيستكم في مركز المحافظة”، أجابني بعاميته اللطيفة: “صحيح.. شي بقطع القلب.. بس هي مو كنيستنا.. هي للعـ…. البروتستانت الإنجليز”، مع أنه كان يهاتف مسؤولي الكنيسة الإنجليكية في إدلب؛ لمواساتهم والاطمئنان عنهم.

هذا مثال عن الكوميديا الحاضرة، عند شخصية أهالي إدلب، بالإضافة لكونه مثالاً عن عدم لامبالاتهم، فرغم أن المحافظة تتسم بطابعها الزراعي القائم على الريفية بكل تفاصيلها، إلا أنها تحمل وجهاً مدنياً ينتمي أبناؤه لطبقتي التجار أو الصناعيين، لكن القاسم المشترك بين المكونَين، أي الريفي والمدني في الشخصية الإدلبية، هو اللامبالاة. على سبيل المثال، فإن ثقافة الادخار ليست حاضرة في المجتمع الإدلبي بقوة، وأقصد هنا “الادخار الإستراتيجي” الهادف لجني أموال أو تكديسها؛ لبناء مشاريع كبيرة، كما هو الحال عند شرائح أخرى في المجتمع السوري.

همّ الإدلبي، ريفياً كان أم مدنياً، مع كل ما يتخلله النسقان من طبقات، أن يخلق مساحة لنفسه من المرح والكوميديا، التي يعبر عنها في سهرات لعب الورق، أو الجلسات الشتوية والصيفية على حد سواء، أو حتى في الحياة العامة بشكل عام.

في بلدة إدلبية، أو هي شيء بين القرية والمدينة الصغيرة، والتي يكثر فيها المتعلمون، أي حملة الشهادات الجامعية، وهي صفة عامة لدى سكان إدلب في الأرياف أو المدن، شهدت شجاراً، علمت في ما بعد أن أساسه مشكلة على “كشّة حمَام”، لكن الملاحظ في ذلك الشجار الذي انتهى في أرضه بالمصافحة والعناق، أن كثيراً من الناس تشاركوا فيه، فسألت صديقي من تلك البلدة: ألا يعمل المثقفون على تهدئة الوضع بين الفريقين؟ أجابني: في مشاجرة الحمَام تجد دكتور الجامعة، مع الحارس الليلي يدا بيد.. الشغلة شغلة مبدأ.

وإن كانت الكوميديا واللامبالاة صفتين للشخصية الإدلبية، فلك أن تعلم أن على جانبيهما الكثير من التسامح والكرم والإيثار، ويعلم مَن زار إدلب من غير أبنائها ذلك جيداً.

__________________________________________

من مواد العدد العاشر من (العربي القديم) الخاص بإدلب، نيسان / أبريل 2024

زر الذهاب إلى الأعلى