فنون وآداب

نصوص أدبية || المرأةُ ذاتُ الستةِ أذرع وقلبين

قصة قصيرة كتبها: محمد المير إبراهيم

منذ أن بدأت في عملي الجديد كبائعٍ في أحدِ المحلات الكبيرة هنا في المدينة التي أعيش بها وأنا في حالةِ ترقبٍ شديد لكل تفصيل يدور حولي ..رُبما هو الخوف من الفراغ الذي يولده انعدام  العمل،  والذي تقتله تفاصيله اليومية المُباشرة ..أوهو التمسك بهدف ما أسعى وراءه والأرجح هو أنني أحببته وأحببتُ تفاصيله .

مازالت الكثير من التفاصيل تُثير دهشتي على مُعظم الأصعدة ..الإنساني منها على وجه الخصوص.

رُبان هذه السفينة بالمعنى الفكري النظري لهذه الكلمة هي امرأةٌ ألمانية ..

مثيرة للدهشةِ حقاً، متوسطةُ الطول، شعرها أسود، تمتلك بشرةً خُلاسية صناعيّة المنشأ،

رأيتُها للمرة الأولى في مقابلة العمل التي أجريتها حين تقدمتُ في طلبِ التوظيف ..

دخلت على عُجالة مع ابتسامة لطيفةٍ جميلة قالت ما عندها وخرجت ..

حين بدأت العمل وكمبتدأ في هذا المجال أمسكتني من يدي كالطفل الذي يسير للمرة الأولى وراحت  تلقنني أسس ومبادىء العمل التقنية والسياسية ..

غريبةٌ طاقتها والتزامها وحرفيتَها واتقانها لما تعمل .

أذكرُ مرةً وأكادُ أُقسم أني رأيتُ أذرعاً تنبتُ لها بأم عيني . أربعُ أذرع على جانبيّ جسدها ،

حتى في إحدى المرات رأيتها تُمسكُ قلباً ..نعم قلباً ينبض يضخُ دماً أمسكتهُ وغرزتهُ في صدرها مستعملةً يدها اليُسرى وفي اليد اليُمنى كان هنالك قلب أيضاً ..

صُعقت وفتحتُ عيناي حتى أتأكدَ مما أراه: أهذا قلب !!!؟

حقاً ؟؟!!

بدلتهُ كمن يُبدل بطارية جهاز إلكتروني  ما، وخرجت

أصبحتُ أراقب أكثر ..إنها امرأةٌ بقلبين

تُبدلهما حسب حاجتها ..طريّ ناعم ودافئ دفاق

والآخر مجبولٌ على القانون ..مشويُّ الصلصال في نارِ الزمن والخبرة والحروب والتّحدي ..

حتى عينيها لم أعرف لهما لوناً صريحاً

تارةً أحمرو تارةً أخضر وتارةً أزرقَ سماوي، وحتى البُني والرمادي والأسود والكُحلي ..رأيتها كُلها

بعد شهرين ونصف الشهر من الاحتكاك معها أصبحتُ أُميّزُ بينهما..

ألتقطُ القلب من اللون ثم من العين يتحكمُ بِهما ..عقلٌ مشحوذ كالسيف، حادٌ كالمقصلة، متحكمٌ ككلمةِ الله .

سُعدتُ عندما رأيتُ الراحةَ على وجهها حين دخلت المكتب ورأيتُ أظافر يديها الطبيعتين مطليين ولامعين وكأنها تقول قلبي اليوم طري مُرتاح وهو لكم ..

حزنت عندما رأيتها ترمي أحد الزملاء بقلبها الآخر وتثخن فيه القول بإصرار، لكن حينها قُلت … لا تحزن ولا تفر، هي امراةٌ خلقتها الحياة والحِرفة بقلبين وستةُ أذرع وعقل  وَقاد.

زر الذهاب إلى الأعلى