الإدارة الذاتية تعتدي على ذاكرة الرقة: الريل وحمد الرقاوي.. وصمت "الفركونة"
أسامة الخلف | العربي القديم: الرقة
لطالما اقترنت خبايا وذاكرة المدينة ‘الجمعية ‘على وقع هدير القطار، بين غادٍ وبادْ، فهو المكلل بزغاريد الأمهات ودموع الشيب، للإياب من من الغائبين، وهو المودع المرّ للراحلين المسفرين، سابقاً من مدينة الرقة ،نحو “الخدمة الإلزامية “.
بعد الثانية عشر ‘منتصف ليل ‘مدينة الرقة، يشق صمت أحياءها صوت صفير القطار السريع وهو يتاخم أحياءها الشمالية، ومناديل الأمهات والأخوات والآباء في تلويح للعبور السريع بين السكة، للمعروف منهم والمجهول، فهاتيك الحقبة لم يكن للتكنولوجيا وسائل الاتصال ،سوى هاتف الصدور وأنات القلوب.
ذاكرة الأعاني العراقية
تكتنز ذاكرة سكان الرقة بالأغاني العراقية التي غناها “ياس خضر، سعدون جابر” وكان الراديو آنذاك يحمل مع كل كلمة ولحن “قصة وذكرى وحكاية”، فالطيور الطايرة تمر ملوحة بسماء هلي، والشمس الدايرة ‘ أما المساجين والمفقودين منهم فكانت “ملحمة الريل وحمد” التي كتبها الشاعر العراقي الراحل “مظفر النواب ” في خمسينات القرن الماضي، وغناها “ياس خضر، وحسين نعمة في سبعينياتها.
تقول السيدة ” أم خالد ” وهي والدة لإبن مفقود منذ العام ٢٠١٢ في أحد سجون النظام ، دون قيد:
أن أطلق العنان لروحي حين أسمع “الريل وحمد ” تفيض من مسام قلبي الدموع ،ف حمد لم أسمع خبرا أو موجزا أو ذكرا له منذ ١٢ عاما ، بالرغم من الوساطات والجهات التي اتصلنا بها لمعرفة حاله ،إلا أنه دون جدوى.
وعن “الريل وحمد ” تردف :
مرينا بيكم حمد وآحنا بقطار الليل،
وسمعنا دك كهوة وشمينا ريحة هيل”
هذا المقطع هو ذاك السجن المخفي في أحد أقبية السجون، وحمد يتلوى ب دك الكهوة “عظامه “، وريحة الهيل “دماءه .
الإدارة الذاتية تزيل الفركونة!
ومؤخراً… أزالت بلدية الرقة التابعة للإدارة الذاتية ” مقطورة معطلة مركونة ” لأكثر من ثلاثين عاما بمكانها، أطلق عليها السكان المحليون “الفركونة الخربانة’ لتتحول لاحقاً لإسم أحد أحياء المدينة، توارثت أجيال بعد أجيال همهمات وأحاديث وذاكرة مكان، وهي تنسجم مع “الريل وحمد “،
بالرغم من مناشدة نشطاء وإعلاميين لترك هذه “الفركونة ” إلا أنها لم تلق آذاناً صاغية… فيما صور مجموعة من النشطاء سابقاً فيلماً قصيراً حمل اسم “قيد مكتوم ” وهو قصة تتحدث عن حديثي الولادة من زوجات تنظيم الدولة الإسلامية، الذين لم يتقبلهم المجتمع، فكان أن قامت الأم بوضعه في “الفركونة ” ليكون “حمد” بانتظار الريل الغائب.
وهذه “الفركونة” كما سواها حينما تم اقتلاع سكة الحديد، وتفجير محطة القطار ٢٠١٤، لتختفي مع “الريل ” خبايا الدموع
والتلويحات ،ويبقى “حمد الرقاوي ” حافي القدمين، وسكته مقطوعة للعودة إليه.