الرأي العام

نوافذ الإثنين | هل تكون القراءة كفرا؟

يكتبها: ميخائيل سعد

قالت لي زوجتي بنبرة لا تقبل النقاش: اليوم الأحد، وبما أننا لا نذهب، مثل بقية المسيحيين إلى الكنيسة، فلنذهب، على الأقل، إلى المركز التجاري لنشرب قهوتنا الصباحية ونتناول إفطارا خفيفا، أنا سأدفع الحساب.

وصلني بوضوح كامل التأنيب الصباحي ككل أحد، ولما كنت قد اعتدت على ذلك، فقد قررت أن لا أرد على استفزازها، فذلك قد يغيظها أكثر من الرد. قلت لها: طيب سأنهي هذه الصفحة من رواية أرمانوسة المصرية ثم أرتدي ملابسي. قالت بلهجة ساخرة: صرت على حافة قبرك وأنت تقرأ روايات عربية، اقرأ شيئا مفيدا، اقرأ روايات فرنسية، فأنت تكاد تنسي ما تعلمته من اللغة الفرنسية.

جلست على طاولة متطرفة في مقهى تيم هورن اتصفح هاتفي المحمول، بينما ذهبت زوجتي لشراء القهوة والصندويش، وعندما عادت شكرتها على تنفيذ وعدها، وقلت مستفزا: سأفكر بإمكانية الذهاب معك إلى صلاة الأحد إذا قدمتي لي إفطارا مجانيا كل أسبوع، فأصدقائي يذهبون كل أسبوع إلى صلاة الجمعة، فلما لا أقلدهم. احمرت عيناها وعلا صوتها وهي تقول: يا كافر….

شغل الطاولة القريبة من طاولتنا خمسة أشخاص؛ رجل أشيب وامرأتان وطفلتان، كان صوتنا العربي قد وصل إلى آذانهم، فرفع الرجل الأشيب يده بالتحية، فرديت التحية بأحسن منها، قال: تتكلمون العربية؟ أومأت برأسي أن نعم، فتوجه صوبنا وقدم نفسه، فدعوته للجلوس، وعرفت أنه من أصول مصرية. قالت المرأة العجوز الشقراء: لهجتكم تشبه لهجتنا اللبنانية. قلت ضاحكا: اللهجة اللبنانية تشبه السورية، قارني بين لهجة اللاجئين السوريين في لبنان، ولهجة مَن تبقى من اللبنانيين في لبنان، وسوف تعرفين واقع حال اللهجتين! سألت المرأة السمراء الخمسينية: من أين أنتم؟ قلت: أنا من حمص وزوجتي من حلب. قالت: وأنا حمصية، تحديدا من فيروزة.

انتقل الجميع إلى طاولتنا، وكثرت مفردات: المسيح، الله، الكتاب المقدس، التوراة، النار، الجنة، العمل الصالح، الكفر الخ، فسألت: هل أنتم شهود يهوه؟

قال الأشيب: نعم، نحن مبشرون.

قالت زوجتي الأرثوذكسية مقاطعة كلام الرجل: ميخائيل، لقد تأخرنا على موعدنا. اعتذرت من المبشرين وغادرنا. وعاد بي الزمن إلى بداية وصولي إلى مونتريال، عندما تعرفت للمرة الأولى على جماعة شهود يهوه.

ما هذا الكفر؟

عندما وصلت مونتريال عام 1989 كنت وحيدا تقريبا، فقد كنت أعرف شخصا واحدا ونزلت في بيته وفي جيبي 860 دولارا. بعد حوالي ثلاثة أشهر حصلت على معونة شهرية من قبل الحكومة كلاجئ، فاستأجرت بيتا صغيرا بانتظار وصول زوجتي وابني. كتبت إلى زوجتي أن ترسل لي مجموعة من الكتب، فربما أستطيع افتتاح مكتبة عربية في المدينة، وكانت مونتريال تفتقد وجود مكتبة عربية رغم وجود العدد الكبير من المهاجرين العرب فيها.

بعد حوالي ستة أشهر على وصولي إلى كندا كنت قد استلمت آلاف الكتب من سورية، عبر الطرود البريدية، ولكي لا تبقى الكتب في الطرود كنت أخرجها وأضعها لصق جدران الشقة الصغيرة حتى وصلت إلى ارتفاع متر تقريبا، مغطية لون الجدران، وكان يحلو لي أن أتخيل شقتي وكأنها قد بُنيت على أساس من الكتب النافرة.

أحد الأيام قُرع باب شقتي ففتحت الباب لأجد أمامي شابا ثلاثينيا أنيقا، يحمل محفظة بيده، طلب الإذن بالدخول، ولما كنت بحاجة للكلام، سمحت له بالدخول. قال: إن العالم يقترب من نهايته، ومهمته هي محاولة التبشير بالطريق الصحيح المؤدي إلى الجنة، وكان قد أخرج من محفظته بعض الكتيبات التي ترشد الناس إلى الخيار السليم لإنقاذ أرواحهم. قلت له عد بعد أسبوع للنقاش. في الأسبوع التالي عاد الشاب، وكنت قد قرأت الكراسين بعناية، ووضعت مجموعة من الأسئلة مع خطوط تحت الكلمات التي تحمل مدلولات سياسية وتاريخية مغالِطة لما أعرفه عن المسيحية مثل مفهومهم للثالوث المقدس (أب وابن وروح القدس)، وعن اسم يهوه ومعتقداتهم عن المسيح وملكوت الله، ومعنى الحياد السياسي والعسكري الذي ينادون به، رغم انحيازهم الواضح لليهودية وغير ذلك. قرأت للشاب أسئلتي وملاحظاتي، فقال: هذه أسئلة صعبة بالنسبة لي، لا أعرف الإجابة عنها، ولكن يمكن ”لشيخنا“ الكبير، أن يناقشك بها ويرد عليك، إذا رغبت. قلت له: نعم أرغب بذلك. وتواعدنا على اللقاء بعد أسبوع.

في الموعد المحدد قُرع جرس الباب، فتحت الباب لأجد أمامي رجلا ستيني الملامح، قال: أنا الشيخ (ن….) بيننا موعد، قلت له تفضل. دخل الرجل فوقعت عيناه على آلاف الكتب المصفوفة فوق بعضها على جدران الغرفة، فكانت ردت فعله الأولى أن قال: ما هذا الكفر؟؟!!!

قال الرجل: إن هذه الكمية الكبيرة من الكتب في بيتك تدل على الكفر وبعدك عن طريق الله.

أربكني كلام الرجل، لم أعرف كيف أتصرف، أخيرا قلت له: هل تشرب شاي؟ قال لا، قلت قهوة؟ قال لا.

قلت له ما دمت لا تشرب شيئا، فأرجو أن تتفضل بمغادرة بيتي، فأنا لا أناقش رجلا يرى في قراءة الكتب واقتنائها كفرا.

حاول الرجل أن يشذب كلامه ويشرحه، ولكنني كنت في حالة لا تسمح لي بالحوار مع نماذج بشرية من هذا النوع.  وبالمناسبة هذه النماذج موجودة في كل الأديان، هؤلاء الذين يعتقدون أنهم يملكون الحقيقة كلها، وأنها موجودة فقط في كتبهم الدينية.

لمحة عن شهود يهوه كما جاءت في موقع BBC NEWS

شهود يهوه: ماذا نعرف عن هذه الطائفة مارس/ آذار 2023

شهود يهوه هي طائفة دينية تضع نفسها ما بين اليهودية والمسيحية.

تأسست الطائفة في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1874 على يد تشارلز تيز راسل، لذلك عرفت في بداياتها باسم “الراسلية”، كما عرفت أيضاً بمجموعة دارسي الإنجيل الجدد.

أما الاسم الأخير الذي اشتهرت به، “شهود يهوه”، فنسبة إلى “يهوه” إله بني إسرائيل بحسب العهد القديم في سفر الخروج.

يُعرف أعضاء هذه الجماعة بعملهم النشط الذي يعتمد على تنقلهم من بيت إلى بيت إلى ومن شخص إلى آخر، لإقناع الناس بالانتساب إلى الطائفة..

وثمة ما يقرب من 6.9 مليون شخص ينتسبون إلى هذه الطائفة منتشرين في 235 دولة حول العالم، هناك مليون شخص منهم في الولايات المتحدة و130 ألف في المملكة المتحدة حسب إحصاءات عام 2007.

وعلى الرغم من أن الجماعة تستند في تعاليمها إلى المسيحية، إلا أنها تعتقد أن الكنائس المسيحية التقليدية قد انحرفت عن التعاليم الحقيقية للكتاب المقدس ولا تعمل بما يرضي الله.

وبالمقابل، لا تعتبر الكنائس المسيحية التقليدية، هذه الجماعة طائفة مسيحية حقيقية لأنها ترفض عقيدة الثالوث المسيحية، التي تعتبرها هذه الطائفة بأنها غير عقلانية وغير واردة في الإنجيل.

من هو تشارلز راسل؟

تشارلز راسل (1852-1916) كان ابن عائلة مشيخية في مدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا الأمريكية. كان مفتوناً بالدين منذ أيام دراسته، وعندما بلغ من العمر 17 عاماً، اكتشف معتقدات الأدفنتست (يؤيد الأدفنتست السبتيون المذاهب الأساسية للمسيحية البروتستانتية: الثالوث والتجسد وولادة عذراء والكفارة البديلة والتبرير بالإيمان والخلق وقيامة الأموات والدينونة الأخيرة).

في عام 1875 تطورت لدى راسل فكرة أن المسيح قد عاد إلى الأرض بشكل غير مرئي في عام 1874، وسرعان ما قرر تكريس حياته للعبادة والإيمان وأسس مجموعات لدراسة الكتاب المقدس وشركة نشر دينية.

أطلق القس راسل، كما كان يُطلق عليه غالباً، مجلة برج مراقبة صهيون ومبشر حضور المسيح في عام 1879. وواصلت الجماعة عملها التبشيري ونشرت مجلة خاصة بها وتوسعت حتى شملت أعضاء ومنتسبين لها في الولايات المجاورة أيضا.

وبحلول عام 1880 ، كان هناك العشرات من التجمعات في الولايات المتحدة وفي العام التالي تشكلت جمعية برج مراقبة صهيون.

في عام 1884 تم دمج هذه التجمعات وبات راسل رئيساً بعد تغيير الاسم في النهاية إلى جمعية برج مراقبة الكتاب المقدس والمسالك. أطلق أتباع الحركة على أنفسهم اسم تلامذة الكتاب المقدس في ذلك الوقت.

بعد وفاة راسل في عام 1916 ، قاد الحركة جوزيف فرانكلين رذرفورد (1869-1942).

أدخل رذرفورد تغييرات كبيرة في بنية الطائفة وفي بعض عقائدها. أدى هذا إلى انفصال بعض الأتباع عن الحركة وتشكيل مجموعاتهم الخاصة.

في عام 1920، قدم رذرفورد ما أسماه بـ “الحكومة الثيوقراطية” للمنظمة.

وقد أدى هذا إلى التقليل من أهمية الانتخابات الديمقراطية كوسيلة لاختيار كبار الزعماء المحليين، وأدخل هيكلًا شديد المركزية، وباتت طاعته طاعة لله.

عمل رذرفورد على تركيز جهود الطائفة على العمل التبشيري، وسرعان ما اضطر كل عضو أراد الحفاظ على وضعه القيام بالعمل التبشيري وإدخال الناس في مذهبهم.

مونتريال ٩/٩/٢٠٢٤

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى