المسرح في إدلب: فن يقاوم القيود والسلاسل، ويتفوق كلمة ونصاً
مصطفى الشحود – العربي القديم
إنها إدلب الخضراء، وكما هي حاملة للجمال والبهاء بسمائها وسكانها، فهي حاضنة للفن بمبدعيها ومثقفيها، بأدبائها ومسرحييها. حجبت من قبل النظام لسنوات طوال، فسُميت إدلب المنسية، وشاءت الأقدار أن تأتي الثورة؛ لتنزع عنها الحجاب؛ ليعرفها العالم بأكمله. هنا لنا وقفة مع المسرح وروّاده.
عرفت محافظة إدلب المسرح باكراً، فقد كانت البداية في بلدة (كفر تخاريم)، حين انطلقت حركة فنية إبداعية، وذلك بتشكيل النوادي الثقافية والمسرحية، مثل: (نادي الثريا)، و(نادي الطليعة)، ومن المؤسسين الأوائل: الأستاذ فوزي كيالي الأديب والوزير السابق، والفنان التشكيلي جميل كيالي، وعبد الصمد كيالي.
وأول عمل مسرحي من كفر تخاريم عام 1928، بعنوان (السموءل)، وهكذا استمرت الأعمال في مناطق عدة من محافظة إدلب، ومن الأعمال التي قُدمت: (العفو عند المقدرة)، من إخراج عبد الصمد كيالي.
ومن ثمّ عُرضت مسرحية (البخيل) لموليير، وتعاون على إخراجها الأستاذ فوزي الكيالي، والأستاذ جميل كيالي، وشارك فيها: مروان فنري، نظمي عبدالعزيز، نهاد زغل، موفق فنري، صلاح بطل، محمد أبو زيد، وقُدمت في ثانوية المتنبي بإدلب عام 1947.
وممّا شجّع غالب عياشي أحد زعماء إدلب على تأليف مسرحية، تجمعت الفرقة، وأجروا البروفات على سطح أحد الأبنية، ونُفذت المسرحية على مسرح سينما الزهراء. وهنا بدأت مسيرة المسرح في إدلب، وذلك بتشكيل فرقة مسرحية، وقد تبرّع هشام الحكيم بقبو للفرقة، وتشكّل نادٍ مسرحيّ باسم (نادي قبية)؛ نسبة لمدينة فلسطينية دمرها العدو الإسرائيلي.
ومن أسماء أعضاء النادي: أحمد مروان فنري، نظمي عبدالعزيز، صلاح بطل، نجاح قباني، ماجد فنري، سالم بركات، وانضم إلى النادي الأديب الفلسطيني عبدالله المشيتي.
وكان النادي يقدّم كل أسبوعين سلسلة مشاهد مسرحية (سليم وسالم)، وهي من تأليف نظمي عبدالعزيز، وقد كانت ترصد سلبيات المجتمع، وهنا ظهر من بين الفريق مخرجٌ تولّى بداية انطلاق المسرح لينتشر خارج المدينة؛ إنه القامة الفنية الكبيرة، وصاحب البصمة المميزة في تاريخ المسرح في سورية، ومن رواد المسرح في إدلب الأستاذ مروان فنري.
ويُعتبر فنري من أبرز أعمدة الحركة المسرحية في إدلب، أمضى أكثر من نصف قرن مخرجاً وعاشقاً مسرحياً، أنجز خلالها 60 عملاً، بدأت بمسرحية (امرأة الشيطان) التي أخرجها عام 1958 وقدمها في دمشق أيام الوحدة بين مصر وسورية، وانتهت بمسرحية (طفل زائد عن الحاجة) التي قدمها عام 2010؛ وبسبب الحرب هاجر إلى هولندا.
مسيرة الأستاذ مروان فنري تعود إلى خمسينيات القرن العشرين، حين كانت سورية تعيش أزهي عهودها قبل مجيء طوفان البعث، ففي عام 1953 شارك بمسرحية (البخيل)، وفي عام 1954 أسّس فريق الشعلة المسرحي، ومن ثم شارك في تأسيس نادي الفنون، وأسس فرقة مسرحية في إعزاز . وامتد نشاطه إلى الجزائر ففي عام 1968 قام بإخراج مسرحية (كاليجولا) لألبير كامو في مدينة وهران بالجزائر، وقدمها على مسرح الأوبرا، قبل ان يقدمها جهاد سعد بدمشق عام 1988، بعشرين عاماً.
وفي عام 1969 شكّل فرقة الشباب، وقدم مسرحية (أوديب)، ومسرحية (شريان مبتور) في مدينة دير الزور.وفي عام 1971 شارك في مهرجان الهواة الأول بدمشق، وقدم مسرحية (الفصل الأخير) تمثيلاً وإخراجاً، إلى جانب الدكتور رياض نعسان آغا .وأخرج مسرحية (غابة العار) بمهرجان الهواة الرابع، وفي عام 1977 أخرج عملاً من المسرح التجريبي، بعنوان (طفل زائد عن الحاجة)، في مهرجان حلب، وحاز على أفضل إخراج.
وإلى جانب تقديمه لكلاسيكيات المسرح العالمي، اهتم مروان فنري بتقديم النصوص المسرحية لأبناء إدلب على الخشبة، ومن المسرحيات المهمة التي أخرجها مسرحية (تراجيديا أوليس)، من تأليف الدكتور رياض نعسان آغا، وكان من المقترح أن تُعرض في المغرب، ولكن اندلاع حرب تشرين حال دون ذلك، ومسرحية (الحطاب) تأليف رياض سفلو.
إلى جانب كتاباته المسرحية، وإخراجه وتمثيله للمسرح، فهو كاتب تلفزيوني، وقد شارك في العديد من السهرات التلفزيونية، كما شارك كممثل في بطولة فيلم تلفزيوني بعنوان (الهيبة) الذي كتبه تلميذه رياض سفلو وأنتجه التلفزيون السوري عام 1984، ونال جائزة صوفيا للأفلام التلفزيونية، والأستاذ مروان فنري من مؤسسي المسرح القومي بإدلب.
المسرح في إدلب ليس كغيره من المسارح في سوريا، فهو محاط بسلاسل وقيود، ولا يمكن أن يتخطّى مساحته التي قيّد بها، منذ أن نشأ إلى هذه الفترة. فإدلب التي اتهمت بالإرهاب والظلاميين، وتتابعت سلسلة الاتهامات والافتراءات عليها، ثم جاءت الحرب، وجاء الحصار من قبل النظام؛ ليمنع أدنى مقومات الحياة عن هذه المدينة؛ وليجمّد كل حركة فنية أو مسرحية، بعد أن كانت إدلب تنتعش بالفنانين المسرحيين، وكان من روادها كما أسلفنا شيخ المسرحيين الأستاذ مروان فنري.
وبجردة سريعة يمكننا نذكر أهم المسرحيين الذين أغنوا الساحة الفنية كمخرجين، والعديد منهم سافروا خارج البلد، ونذكر منهم:
مصطفى الشحود، إبراهيم سرميني، سامر السيد علي، أحمد الخطيب، محمد علي عفارة، منتصر عبد الغني، عبد الوهاب بطل، نور الدين شاقوقة.
وهناك الكثير من الممثلين الذين رافقوا المسرح منذ بداياته:
الأستاذ إبراهيم جسور فنري، وقد حصل على عدة جوائز كممثل، وشارك في الدراما المصرية، كما رافق مسيرة أخيه مروان فنري .
ومن الممثلين أيضاً: وليد أسود، أحمد نيربي، نضال جبارة، محمد منير نيربي، أمين راجحة، وافي عصفور، وائل حمجو.
ومنهم مازال حاضراً على الساحة الفنية، ومستمراً رغم كل الضغوط والصعوبات والتحديات.
المخرج إبراهيم سرميني الذي أخرج العديد من المسرحيات، وشارك في العديد من المهرجانات على مستوى القطر… وأثناء الحرب أخرج مسرحية (سرداب الموت)، وهي من تأليف مصطفى الشحود، وتتحدث المسرحية عن المعتقلين في سجون النظام. وأخرج أيضاً مسرحية ( تحت الصفر)، وهي عمل مونودراما تتحدث عن المآسي التي واجهها الشعب السوري.
ومن الذين مازالوا حاضرين أيضاً على الساحة الفنية المخرج والممثل مصطفى الشحود.
انضم الشحود إلى رفاقه في المسرح الإدلبي عام 1987، ولم يتوانَ عن المساهمة في العمل المسرحي بكافة مجالاته، فصار يكتب النصوص المسرحية التي تناقش واقع الشباب، فصاغ أعمالاً نالت الإعجاب في المهرجانات العمالية، وغيرها والمسرح القومي، إضافة لكونه محباً للأدب والشعر، اتبع دورة في الإخراج المسرحي، وكان عضواً في المسرح المدرسي، ولم يقف نشاطه في المسرح كممثل، بل عمل مدرباً مسرحياً، وعضواً في لجان التحكيم المسرحية والأدبية، ولكونه معلماً عمل على مسرحة المناهج والمسرح التفاعلي، وكان ملازماً للأستاذ المخرج أحمد مروان فنري، فأخذ عنه الكثير، إضافة لعمله مع عدد من المخرجين، أمثال: أحمد نيربي، عبد الوهاب بطل، أحمد الخطيب، نور الدين شاقوقة، ووائل حمجو.
إضافة لإخراجه للعديد من المسرحيات، وهو عضو في المسرح القومي بإدلب.
من أهم أعماله المسرحية: باب الحارة لعبد الوهاب بطل، السندباد للمرحوم نور الدين شاقوقة، ومسرحيات:
مالكو، (المهرج) تأليف محمد الماغوط، (جثة على الرصيف، الفيل يا ملك الزمان، مغامرة رأس المملوك جابر)، تأليف سعد الله ونوس، (محاكمة الرجل الذي لم يحارب، حكي القرايا) تأليف ممدوح عدوان، درب الأحلام، الزير سالم، ومعظمها من إخراج مروان فنري، (النصف الآخر) لوائل حمجو الذي شارك بها في مهرجان إربد المسرحي في الأردن.
(الصياد، وطن الطائر) لأحمد الخطيب، و(سهرة مع البقرة) لأحمد نيربي، إضافة لإخراجه الملك فانوس، بهلول. ومن إخراجه كانت الأعمال المسرحية: (الشيخ والطريق، البحث عن الذنب، طقوس وحشية، بلد الشمس، المفتاح، الأميرة والفقير)، وأعمال أخرى كثيرة .
العروض المسرحية تراجعت، خلال السنوات السابقة؛ بسبب الحرب وهجرة الممثلين، ورواد المسارح، مع الظروف النفسية الصعبة التي مرت بالمجتمع، إذ إن المواطن لم تعد لديه الرغبة، حتى في مشاهدة التلفاز، أو الاستماع إلى المذياع، وهو بين يديه، فكيف سيحضر، أو يهتم بالعرض المسرحي! مع نقص المستلزمات من إضاءة مسرحية، إلى مكان للبروفات أثّر على تلك العروض، مع استمرار أكثر من فرقة مسرحية بتقديم العروض الجوّالة.
ومازال المسرح وسط الأزمات مستمراً، رغم كل شيء، فهناك رسالة يجب أن تصل إلى العالم، فإدلب ليست بؤرة ظلامية، بل شعاعاً ينير العالم.
__________________________________________
من مواد العدد العاشر من (العربي القديم) الخاص بإدلب، نيسان / أبريل 2024
تعليق واحد