نكبة حزب الله: إيران تبيع من يتسول عند بابها طويلاً
محمد زاهر حمودة – العربي القديم
منذ البداية كان هنالك اختلاف عميق بين مفهومين لا يلتقيان، مفهوم الدول وأمنها من جهة والحركات وشعاراتها من جهة أخرى، ودائماً ما كانت الغلبة تؤول للدول في نهاية المطاف وتخسر الأحزاب وإيديولوجياتها، سواءً في الديمقراطيات الليبرالية أو في الديموقراطيات الشعبية.
نتذكر مثلاً الصين التي غيرت أهم قانون شيوعي كان لديها وهو تحريم الملكية الخاصة بعيد سقوط الإتحاد السوفيتي، خوفاً على نفسها ولأنها كانت تعرف حينها أين يكمن بيت الداء وأين ينبغي أن يحصل التغيير، أما في الديمقراطية الليبرالية فهي أصلاً ليست إلا تخلي عن وجود حزب معين على رأس السلطة والإتيان بغيره من خلال انتخابات جديدة تكون نتائجها متوقعة، أي أنه حتى الأحزاب التي تؤمن بالدولة وتطيع الدولة العميقة لا يجري التمسك بها في تلك الدول لمدة طويلة ويجري إزاحتها بالكلية أو إزاحة أبرز قادتها، أو ربما اغتيالهم، كما حصل مع اغتيال جون كينيدي أو إسحق رابين.
نعلم أن قرار التخلص من الحزب الشيوعي الروسي جاء من الداخل، لله درك يا غورباتشوف، وهاهم الآن يروجون لرؤية بديلة أوراسية هي أكثر فاشية وتعصباً عن طريق مفكرين هم أرادوهم ونفخوهم في جامعاتهم مثل ألكسندر دوغين، هؤلاء هم الروس أنفسهم الذين كانوا أمميين يساريين بالأمس القريب، وربما ينتهي حال الأوراسية لاحقاً بذات طريقة نهاية الشيوعية سابقاً! ذاك عن الإيديولوجية، لكن حتى في موضوع الجيوش ما دون الدولة فأمامنا قصة فاغنر القريبة زمنياً وكيف انتهى بريغوجين، كيف ظن الطباخ المرتزق أنه سيصبح سياسي رئيسي في روسيا؟!، هكذا هو الحال في العالم، فلماذا حزب الله لا؟!، هل توقع أحد بقاء حزب الله في هذا اللبنان الصغير والمنهوب والمسلوب السيادة إلى الأبد؟!، خاصة مع وجود مشروع توريث حكم في إيران ووجود ملف نووي عالق، ووجود ملف آخر عالق بتداعياته هو وجودهم في سورية، فضلاً عن القضية الفلسطينية التي لا حل قانوني لها سوى حل الدولتين، إنه لسؤال جوهري من المفيد أن نسأله جميعاً، هو بماذا كان يحلم الحزب بعد عام ألفين؟!، ماذا كان سيستطيع أن ينجز لو أيده كل خصومه في المنطقة؟!..
في الحقيقة، منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وانقلاب حماس في غزة بعد الاغتيال بسنة، منذ أن صوروا حرب تموز عام ألفين وستة انتصاراً وشكروا قطر بأغنية، منذ ذلك التاريخ ونحن يجري بيعنا أوهام لا يصدقها حتى الأطفال عن تفوق وهمي مستقبلي على إسرائيل، في حين أنه ليس لذلك التفوق أي أسس علمية أو موضوعية، مجرد شعارات ووعود عبارة عن تخرصات أصحاب عمائم ورخص شعراء… فهل لذلك التفوق أسس تقنية مثلاً؟! لا يوجد، فالكل يعلم التعليم التقني ووجوده الذي كعدمه في منطقتنا، حيث لم يصنع كل خريجوا كليات اللتصال راديو واحدة منذ استحداث تلك التخصصات منذ أكثر من نصف قرن، أو في واقعية الجغرافيا العسكرية، فغزة صغيرة ومحاصرة، وجنوبي لبنان عبارة عن تلال وجبال وليس أرض منبسطة، وديموغرافياً ليس كله شيعة، ناهيك عن حقيقة تفوق سلاح الجو الاسرائيلي الحاضر دائماً في كل هزائمنا مع إسرائيل، فمن ذا الذي سيستطيع من الحزب اجتياح بقعة من شمال إسرائيل ويحرر قرية واحدة، حتى لو كانت هي مزارع شبعا، وحتى لو اعترف له الأسد بلبنانيتها وهو لم يفعل؟!
كان كل ما يفعله تنظيمي المقاومة شمال وجنوب إسرائيل، وأقصد حماس وحزب الله، هو خلق احتمالية تهديد خطير للداخل الإسرائيلي، بوجود ذلك التهديد ينكفئ دعاة السلام ويخبو صوتهم، ويستفيد من ذلك التهديد أحزاب اليمين الإسرائيلي في لعبتهم الانتخابية، وعلى رأسهم الليكود، نعم، إذ يصعب تخيل وجود نيتينياهو وبن غفير وسموتريتش في المشهد اليوم لولا حماس وحزب الله، لولا التهديد الذي يشد العصب اليهودي اليميني إلى أقصاه، فضلاً عن أن هاتين المجموعتين أفسدتا حاضر الديموقراطية في فلسطين ولبنان، نهايكم عن المستقبل، فضلاً عن الانخراط المذهبي في محاربة التغيير الديموقراطي للشعب السوري واليمني، فضلاً عن إفساد المشهد العراقي، وهذه الموبقات لوحدها ليست قليلة بالنسبة لأصحاب العقول..
قالوا أن التطبيع خيانة، تفننوا على منابرهم في احتقار مفاوضات السلام، بل وسخروا من مسيرة أوسلو وعرفات، علماً أن كل دول العالم الثالث تفاوضت مع المستعمر لتحصل على استقلالها، ببساطة لأنها ضعيفة ولأن أولئك قوى كبرى، لكن كلتا الجماعتان اللتان لا تتحكم إحداهما بأكثر من مليون ونصف شخصية بالغة، ترغيباً وترهيباً وخداعاً، كانتا تتكلمان بمنطق العارف بالغيب فضلاً عن العارف بما لم يعرفه الأولون، وكأن كل الجيوش في العالم لا تمتلك مخازن ممتلئة ولا تعرف ماذا يستطيع السلاح أن يفعل وماذا لا يستطيع أن يفعله، فقط حماس وحزب الله هم من أعادوا اكتشاف العجلة ويستطيعون بالقليل الذي لديهم فعل المعجزات الباهرات وتحقيق الإنتصارات الإلهية، طبعاً لا ننسى دور الحشيش وصنوف المخدرات والكبتاغون هنا أبداً..
المشكلة لدى هذا المحور الذي سمى نفسه محور مقاومة، وكأن المقاومة تكفي لوحدها، كانت في تجاهله لحقيقة مفادها، أن كل عناصر وضباط الجيوش في دول الطوق الذين جربوا الحرب مع إسرائيل قبل هؤلاء يعرفون النتيجة، هؤلاء في دول لديهم خدمة عسكرية إجبارية، يتم فرزهم حسب اختصاصاتهم، يستعيذ من شر الخدمة في الجيش معظم الشباب فيما يهنئ القلّة منهم بحظه وذلك حسب مكان فرزه، وطائفته، وواسطته، خدمنا في قطعات الجيش ومن قبلنا جيل آبائنا لسنوات لم يكونوا يعلمون متى ستنتهي، فضلاً عن عدد كبير من الأقرباء والمعارف الذين هم موظفون رسميون في البحوث العلمية ومعامل الدفاع، نحن نعرف كيف تسير الأمور عسكرياً يا محور المقاومة، وكيف يتم بناء القوة والقدرات بالتفصيل، ونحن لا نمزح ونحن نتحدث عن اختلال موازين القوى، كان ذلك منذ الحرب العالمية الأولى فضلاً عن الثانية، نحن خضنا حربي تحرير لأوطاننا ضد الأتراك والفرنسيين، وذهب عز الدين القسام في الستة وثلاثين مع مقاتلين سوريين إلى فلسطين، فضلاً عن ثلاثة حروب نظامية مع إسرائيل حتى الثلاثة وسبعين، وعدنا وخضنا حرب استقلال ثانية بعد الألفين وأحد وعشر ضد الإستبداد، وليس أنا رايح بكرى عالجيش.. التي ما لبثت أن ألغيت ولم تستمر لعقد واحد من الزمن، وليس كما في فلسطين حيث الخدمة هي في قوات الأمن إن لطرف السلطة، أو انخراط في عقيدة إستشهادية لدى حماس والجهاد الإسلامي، فضلاً عن جيش التحرير الفلسطيني الذي لا ندري ماذا يعمل في سورية إلى الآن!.. ينقسم الفلسطينيون في تعريف أنفسهم ويختلفون على ماذا يريدون من قادتهم ابتداءً قبل أن نتحدث عن أي اختلاف مع آخر غير فلسطيني، لم يتفقوا حتى الآن حول ما هو شكل نظامهم السياسي؟!، هل سيكون هنالك خدمة عسكرية إجبارية للذكور والإناث كما لدى العدو في إسرائيل؟!، أو فلتكن فقط للذكور حتى لو لمدة ستة أشهر كما في تركيا مثلاً؟!، هل تلك الدولة تدعم الجنيه الفلسطيني من طرف البنك المركزي؟!، أم شيكيل ودينار أردني وجنيه مصري؟!، هل سيكون لديها صناعة؟!، أم فقط زيتون وشغيلة إنشاءات لدى الإسرائيلي؟!..
تخيلوا أنه حتى الآن لم يجري التوافق بعد على أسس بسيطة للدولة برغم أن مناقشات فتح وحماس وصلت إلى بكين، بعد أن فشلت في موسكو، وقبلها فشل في الجزائر أوله كان في السعودية، هذه التي أحدها يخوض حزب الله لأجله حرب إسناد فيما الإسناد ينبغي أن يكون مصدره التوافق بين الأخوة الفلسطينيين حول المشروع الوطني الجامع!..
حتى في إيران، التي حاربت العراق ثماني سنوات الذي كان برئاسة نظام صدام حسين آن ذاك، تعرف ما هو المأمول والمتاح من كل تلك الأسلحة التي تمتلكها، والتي لم تغنِ صدام حسين نفسه شيئاً، عندما أتى وقت غزو أمريكا للعراق!
تلك إيران التي كانت تحاول جلب أسلحة من أمريكا وهو ما عرفه الجميع من خلال فضيحة إيران كونترا أو إيران جيت الشهيرة في الثمانينات، تقول وكيبيديا.. (عقدت بموجبها الحكومة الأمريكية تحت إدارة الرئيس الأمريكي ريغان اتفاقاً مع إيران لتزويدها بالأسلحة بسبب حاجة إيران لأنواع متطورة منها أثناء حربها مع العراق وذلك لقاء إطلاق سراح بعض الأمريكان الذين كانوا محتجزين في لبنان، حيث كان الاتفاق يقضي ببيع إيران عن طريق الملياردير السعودي عدنان خاشقجي ما يقارب 3,000 صاروخ «تاو» مضادة للدروع وصواريخ هوك أرض جو مضادة للطائرات مقابل إخلاء سبيل خمسة من الأمريكان المحتجزين في لبنان، وقد عقد جورج بوش الأب عندما كان نائباً للرئيس رونالد ريغان في ذلك الوقت، هذا الاتفاق عند اجتماعه برئيس الوزراء الإيراني أبو الحسن بني صدر في باريس، اللقاء الذي حضره أيضاً المندوب عن المخابرات الإسرائيلي الخارجية «الموساد» «آري بن ميناش»، الذي كان له دور رئيسي في نقل تلك الأسلحة من إسرائيل إلى إيران. وفي آب/أغسطس من عام 1985، تم إرسال 96 صاروخاً من نوع «تاو» من إسرائيل إلى إيران على متن طائرة DC-8 انطلقت من إسرائيل، إضافة لدفع مبلغ مقداره 1,217,410 دولار أمريكي إلى الإيرانيين لحساب في مصرف سويسرا يعود إلى تاجر سلاح إيراني يدعى «قرباني فر». وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1985، تم إرسال 18 صاروخاً تم شحنها من البرتغال وإسرائيل، تبعها 62 صاروخاً آخر أرسلت من إسرائيل).
أي أن إيران كانت قد وصلت لخلاصة القول حول حدود إمكانياتها مالم تقم بتلك الصفقة منذ ذلك الزمن، ولكن الأكاذيب بقيت تعمل، بيع الوهومات والهلاوس الدينية المستقبلية بقي سارياً لدى تجار البازار الإيراني حتى أتاه من يشتريه، المشتري كان نيتنياهو وائتلافه الحكومي الأكثر تطرفاً، سيسجل التاريخ أن شعبية نيتينياهو بقيت تتناقص باضطراد حتى جاءت العمليات الأخيرة ضد حزب الله وزعيمه، الآن هي في ازدياد وتعاظم، ولا ندري ما القادم..
كان حدس الكثيرين وأنا منهم يقول منذ أمد أن منظمات المقاومة هذه لم توجد إلا لخدمة الواقع الإنتخابي الداخلي لإسرائيل، من المستحيل أن تكون موجودة ومدعومة لتحقيق خسارة استراتيجية إسرائيل المدعومة من أمريكا نفسها، وخاصة وأنه من يشرف على تهريب السلاح لها عبر حدوده هما نظامان أحدهما مطبع والثاني مهادن ساكت عن أرضه المحتلة، أي النظام المصري والنظام السوري، فكيف لهكذا معادلة أن تستقيم في رأس أحد دون أن يرتاب؟!
لا يفوتنا التذكير بما كان الحزب وزعيمه المقتول يهدد به اللاجئين السوريين في لبنان بالترحيل إلى قبرص عنوة، توعد أنه سيحشوهم في سفن التهجير إلى أوروبا ويرحلّهم، هذا كلام قاله بلسانه ومسجل، يا سلام على هيك مقاومة، يريد إعادة الفلسطينيين إلى بيوتهم وتهجير السوريين من أوطانهم ثم تهجيرهم من مهاجرهم، الآن جموره مهجّر إلى سورية، ولا ندري كيف سيتأقلمون في سورية بواقعها الحالي إن طال الأمر..
على كل حال، ربما سيبقى المتقمص لدور المقاوم ردحاً من الزمن غير مقتنع بما نقوله، سيبقى منتصب القامة يمشي، شفتاه سماء تمطر، ويتغنى مردداً.. وأنا أمشي وأنا أمشي وأنا وأنا وأنا أمشي.. يمشي إلى أين ليس مهماً!