الخوذ البيضاء.. عقدٌ من الإنسانية والأمل وسط المستحيل في سوريا
محمد الخلف – العربي القديم
على مدى عقد من الزمن، سطّرت مؤسسة الدفاع المدني السوري المعروفة باسم “الخوذ البيضاء”، ملامح بطولة وصور إنسانية قلّما شهدتها الثورات والنكبات والحروب.
في قلب الثورة السورية، حيث الموت والدمار يتجليان يومياً، تحدّت هذه المجموعة المتطوعة من رجال ونساء المستحيل لزرع الأمل في نفوس المواطنين، من خلال إنقاذ آلاف الأرواح في المناطق الأكثر خطراً.
تأسست “الخوذ البيضاء”، أو الدفاع المدني السوري، في عام 2013، وكان هدفها الرئيسي هو إنقاذ المدنيين من تحت الأنقاض جراء القصف والهجمات المتكررة لطيران نظام الأسد والاحتلال الروسي، التي لم تكن تميز بين هدف عسكري وآخر مدني… لا بل ركزت 99% من هجماتها على كل ما هو مدني من مدارس ومستشفيات وأسواق ارتكبت فيها مجازر لا تنسى، في عملية انتقام من المدنيين الثائرين ضد حكم الأسد وطغيانه.
على الرغم من الإمكانيات المحدودة والتحديات الهائلة التي تواجههم، تمكنت المنظمة من تقديم الإغاثة الطارئة، ونقل الجرحى، وانتشال الناجين من تحت الدمار في مشاهد تعجز عن وصفها الكلمات.
لم يقتصر دور “الخوذ البيضاء” على العمليات الميدانية فحسب، بل أصبحت رمزاً للأمل والإصرار على الحياة في وقت بدا فيه الأمل مفقوداً. مقاطع الفيديو التي توثق جهودهم البطولية في إنقاذ الأطفال والنساء وكبار السن، تجوب وسائل الإعلام العالمية وتلهم الجميع حول العالم.
ومع استمرار الثورة، وتوسع التجربة الإغاثية، وتطور البنية التنظيمية للمؤسسة التي أدارها بنجاح ابن جسر الشغور رائد الصالح، تكافح “الخوذ البيضاء” في سبيل إنقاذ المدنيين بفعالية أكبر، وقد خصصت لذلك عدة اختصاصات داخل المؤسسة.
فمنها الفرق المختصة بالإنقاذ المائي، وفرق مختصة بإخماد الحرائق، وفرق مختصة بالنقل الإسعافي، وفرق مختصة بتفكيك مخلفات الحرب والعديد من الاختصاصات داخل المؤسسة.
وتؤكد التقارير الدولية جهود وسعي المؤسسة في إنقاذ المدنيين ودورها الفعال في ذلك… ولعل ما قامت به من جهود في الشمال السوري خلال زلزال السادس من شباط 2023 كان خير مثال على تطور أدائها ونجاحاتها التي تفوقت على ما قامت به دول.
بعد عشر سنوات من التحديات المستمرة، لم تقتصر إنجازات “الخوذ البيضاء” على الإنقاذ والإغاثة فقط، بل تجاوزت ذلك إلى بناء جسور من الأمل والتضامن. فمن خلال تفانيهم، أصبحوا مرآة لإنسانية تواجه الكوارث ببسالة، وتصر على أن الأمل يمكن أن ينبثق حتى من أكثر الظروف قتامة.
في الذكرى العاشرة لتأسيسهم، يبقى أفراد “الخوذ البيضاء” مثالاً حياً على القوة والشجاعة، وعلى قدرة السوريين الأحرار على بناء مؤسسات ناجحة تقدم بديلا لفساد مؤسسات نظام الأسد، ورسالة قوية للعالم بأسره بأن الإنسانية تظل أقوى من الحروب والقمع.