ظاهرة التكويع في تحقيق للعربي القديم: كيف صار الشبيح ثوريا وماذا يقول أبناء الثورة عن المكوعين؟
مصطلح لطيف جداً ومتسامح جداً ولا يعبر عن حقيقة من يوصفون به
كتب رئيس التحرير:
شبيحة عتاة من كتاب وإعلاميين وفنانين… ظلوا أكثر من 13 سنة يناصبون ثورة الشعب السوري العداء، لم يتركوا افتراء بحقها وحق شهدائها لم يرتكبوه… من وصفها بالمؤامرة الكونية إلى نعتها بالإرهاب ودعشنتها، إلى اختراع أكذوبة جهاد النكاح إلى وصف من يؤمن بها بالمخربين والمحرضين والخونة للوطن ولقائد الوطن، أولئك الذين اختزلوا سوريا الحضارة والتاريخ والشعب به، فصارت “سوريا الأسد” على ألسنتهم وفي كتاباتهم وفي مقابلاتهم، ولا سوريا إلا بالأسد… إذا راح بتروح سوريا.
ودار الزمن دورته وراح الأسد وفر هارباً، لكن سوريا بقيت، وبقي هؤلاء معها إنما بوجوه جديدة وألسنة نفاق جديدة أو بتكويعة جديدة.
وسرعان ما انتشر مصطلح التكويع انتشار النار في الهشيم ليعبر عن هؤلاء، وصار بين الجد والهزل، شغل الثورة وأهلها الشاغل، وهم يخشون على ثورتهم من السفلة، المنافقين، المتملقين بلا خجل ولا حياء.
وفي طليعة المكوعين والمكوعات برزت الصحفية والكاتبة ديانا جبور، التي تبوأت العديد من المناصب في الوسط الإعلامي خلال عهد بشار الأسد رغم تواضع موهبتها وركاكة كتاباتها، بدءاً من رئاسة القسم الثقافي في جريدة الثورة إلى رئاسة تحرير جريدة الثورة، إلى مديرة للتلفزيون السوري، إلى مديرة لمؤسسة الإنتاج التلفزيوني، واستغلت مناصبها لدعم زوجها المخرج باسل الخطيب ثم ابنها الذي أصبح مخرجاً مثل أبيه، وخلال سنوات الثورة لم تنقطع صلة ديانا الحميمة مع النظام حتى رشتحها مخابراته لتكون ضمن مجموعة نساء ديمستورا، ودفاعها عن النظام في تلك المهمة موثق ومسجل بالصوت والصورة.
ديانا جبور الأولى على يسار ديمستورا وقوفا ضمن مجموعة (نساء ديمستورا) بتكليف من مخابرات الأسد
أما قبل الثورة فيعرف العارفون بالوسط الفني أنها كاتب ترتبط بعلاقة دعم قوية باللواء محمد ناصيف (أبو وائل) نائب مدير المخابرات العامة ثم مستشار بشار الأسد للشؤون الأمنية، ناهيك عن استفادتها من علاقاتها الطائفية، ودفاعها المستميت والموثق عن النظام الذي طالما كافأها بالمناصب والأعطيات، ثم تأتي لتكتب عنه الآن واصفة إياه بكل صفاقة بالخصم وتقول:
“بشع ومهين انه يطلع خصمك تافه وجبان.. يعني العمر اللي صودر عبث، وكل الذعر اللي كنت عايشه، ماله مبرر”.
أجل لقد صودر عمر ديانا جبور بالانتقال من منصب إلى منصب، وبالدفاع عن النظام المجرم المستفيدة منه على الشاشات وفي الصحف، وببيع نصوصها التلفزيونية التافهة إلى مؤسسات حكومية وغير حكومية مستفيدة من علاقاتها الوظيفة… وهي تظن أن الناس تنسى تاريخها المعروف والموصوف وليس لديها ذاكرة لترى كم يبدو هذا التكويع فجأ ووقحاً!
أصداء التكويع على وسائل التواصل
الطبيب والسياسي الدمشقي د. ياسر العيتي كتب على صفحته على فيسبوك يقول حول هذا المصطلح الجديد
“لا أعرف كيف انتشر مصطلح (التكويع) بهذه السرعة وأراه مصطلحاً لطيفاً جداً ومتسامحاً جداً ولا يعبر عن حقيقة من يوصفون به، الذين كانوا مع النظام ثم صاروا مع الثورة خلال ساعات هؤلاء كاذبون وقحون منافقون مقرفون أعوان للظلمة شركاء في الجريمة، اختصار كل هذه الأوصاف في كلمة (التكويع) يخفي بشاعتهم التي يجب ألا تُخفى حتى لا يكون فينا أمثالهم مرة أخرى”.
وكتب ابن حمص الثورة الفنان نوار بلبل الذي عبر عن موقفه المناصر لثورة السوريين منذ بداياتها الأولى:
“معلم بدك تكوّع كوّع مافي مشكلة… بس عطي غماز يستر عرضك بلا ما نهور”
أما المخرج ثائر موسى الذي كان له باع طويل مع الثورة، فقد أبدى دهشته من صفاقة شبيح الأسد الممثل أحمد رافع في تكويعته، وكتب يقول على صفحته ساخراً:
“لااااااااااااا..
إذا حتى أحمد رافع صار مع الثورة على الأسد، فأنا بالتأكيد سأبقى في المعارضة”
العربي القديم تابعت هذه الظاهرة، وطرحت أسئلة عنها لمجموعة من الباحثين والكتاب، وطلبت من كل واحد منهم أن يسمي ثلاثة مكوعين يعرفهم، وفيما يلي المساهمات التي وصلتنا:
الباحث والمؤرخ سعد فنصة: شيزوفرينيا سياسية
النسب العالية لحالة الشيزوفرينيا السياسية التي شهدتها من شرائح واسعة بمن يطلق عليهم (نخب مثقفة) أو تعد في أذهان الناس والعامة قيمة مضافة لحياتهم الثقافية، تبدو مذهلة ومخيفة
المثير أكثر أنه في مطلع عام 1980 (كنت في الصف التاسع الإعدادي) شهدت من شرفة منزلي، الشباب المتحمس وهو يهتف: “بالروح بالدم نفديكم يا إخوان” ..”لا شرقية ولا غربية بدنا دولة اسلامية” .
أُنزِلت فورا مليشيا حافظ اسد بأوامر منه ومن شقيقه رفعت الأسد إلى شوارع المدينة، وبدأت بقمع التظاهرات وارتكاب المجازر. بعض هؤلاء اختفى من الوجود تماما، وبعضهم كان رفيق مقعد الدراسة في تلك السن المبكرة، وبعد بضعة أشهر شهدت عددا ممن كان يهتف في سابق الحدث الماض تحية لحركة الإخوان المسلمين، يهتفون لحافظ أسد في ذات الشارع، وكان بينهم ذات الشخوص التي ظهرت في التظاهرات الاولى ونجت من قبضة القمع وكانوا يرددون “وينك إخونجي وينك انا بعثي بقلع عينك”.
كانت تلك أولى تجاربي في (تكويع) الناس تحت سلطة الرعب والموت والقبضة الوحشية التي لاتحترم أي قانون.. واعتقد أن لها ما يبررها.
ولكن بالعودة الى شريحة المشاهير وطبقة الكتاب والصحفيين اليوم، أعتقد ان الرعب الذي شهده الناس في مطلع العام 2011 كان أشد بأساُ، ومع ذلك وقف قلة من المبدعين إلى جانب صوت الناس وتورط آخرون بانضمامهم الى الثورة علنا بحسب ظنهم ان النظام سوف يسقط خلال مدة وجيزة كما حصل في تونس ومصر، وكنت انا بالذات واحدا ممن أشاعوا ذلك الاحساس بإعلاني أنني أقف الى جانب انتفاضة الناس بين الأصدقاء وزملاء العمل، وأن الأسد قد يتأخر سقوطه ولكنه ساقط لا محالة. وبدأت بالنشر متأخرا في صيف العام 2012 متوخيا الحذر.
وعن معرفتي الشخصية بالمكوعين اعتقد أن نصف الشعب السوري كان يتحضر للتكويع خلال الأيام الماضية، وشاهدي في ذلك أن التظاهرة الاحتفالية الاخيرة في مكان اقامتي بالعاصمة واشنطن كانت تعج بالمتظاهرين الذين لم أشاهد أحداً منهم فيما سبق، طوال سنوات تنوف عن العشر من أعمال التنظيم ودعوات التظاهر أمام بيت السفير الروسي أو أمام البيت الأبيض، لأفاجأ بوجوه جديدة لم أعتد رؤيتها من قبل، مما دعا رئيس المجلس السوري الأمريكي الذي كان واقفا بجانبي لأن يهمس في أذني قائلا :”آخر تظاهرة دعينا إليها كان الوافدون إليها ثلاثة أشخاص فقط”.
أغلب المكوعين الذين عرفتهم كانوا لحفظ مكاسبهم المالية ولحفظ أملاكهم، وهم أكثر بكثير ممن كان يكوع خوفاً وحفاظاً على روحه وأوراح أولاده. هؤلاء وصفهم والدي المرحوم بشير فنصة في كتابه (النكبات والمغامرات) أن الآتي نقدم له رقصة.. والرايح أو المخلوع نعطيه بعصة!
الباحث مصعب الجندي: طمنوني على بسام كوسا
باعتقادي وكعادتي دائما مخطئ، أن نحدد ظاهرة التكويع بمن كان لغاية يوم السقوط مع النظام .. أما من كوع مبكرا أن نغض الطرف بعض الشيء. أنا أعذر الفقراء والعامة كجيراني مثلا الذين كتبوا على باب بيتي في سلمية منذ الأيام الأولى (ارحل يا معارض) وفي هذه الأيام يباركون لي! فعلا حزين عليهم لدرجة هربت لدمشق قبل دخول الشباب لها بساعات… لكن المشكلة أن المكوعين بدمشق الذين أعرفهم أغلبهم يعتبروا مثقفين (وأصحاب ذوات) أشكر الله أني ما شفت ولا واحد فيهم………. المهم طمنوني على بسام كوسا!
علاء طرقجي: سرعة قد تفوق سرعة الضوء
في نظام خطوط الأنابيب، الكوع عبارة عن أنبوب مناسب يغير اتجاه خط الأنابيب. وفقًا للزاوية
وفقاً للاحتياجات الهندسية هنالك ثلاث أنواع للكوع هي الأكثر شيوعاً:
كوع 45 درجة
كوع 90 درجة
وكوع 180 درجة
إذا اعتمدنا على هذه القاعدة في تصنيف بعض الشخصيات السورية المؤيدة لنظام الأسد والتي قامت بالتكويع بسرعة قد تفوق سرعة الضوء عقب سقوط الأسد فيمكننا القول على سبيل المثال لا الحصر:
– الإعلامي الحربي شادي حلوة: المرافق الرومنسي لسهيل الحسن عاشق التقاط صور السيلفي مع جثث وأسرى الثوار والذي نال مؤخراً مكافئته عن سنوات التشبيح الطويلة وهي رئاسة نادي أهلي حلب ولكنه لم يهنىء بهذا المنصب كثيراً وعندما سقط الأسد قام بالتكويع 45 درجة وقام بوضع علم الثورة على صفحته وعن قناعة بحسب ما أعلن هو بنفسه ومن غيره الكوع.
– صهر عائلة الأسد جهاد بركات: قائد ميليشيات مغاوير البعث وعضو مجلس الشعب الذي طالب السيد الرئيس بحرق درعا كما سبق وأعترف بأنه لعب دوراً في خطف مؤسس الجيش الحر من تركيا المقدم حسين هرموش يعشق النساء وشتم المعارضين، قام بالتكويع 90 درجة في اليوم التالي لسقوط الأسد وقام بوضع شعار الجيش الحر على صفحته في الفيس بوك ومطالبة شبيحة مدينته اللاذقية بتسليم السلاح لغرفة عمليات ردع العدوان، ومن غيره السيناتور.
– له ألقاب كثيرة منها الجغل والدونجوان ومعشوق النساء واللاعب السابق يزن السيد: يتميز بكثرة خياناته لزوجته حيث أن كل شهرين تمسك به مع امرأة جديدة لكنها تسامحه، وكونه ممثل أشتهر بتأدية دور القوّاد في مسلسل كسر عضم لأنه كان على طبيعته في هذا الدور ولم يكن ممثل حيث أنه قد سبق والقي القبض عليه بتهمة إدارة شبكة دعارة في العاصمة دمشق وكان كل زبائنه من الضباط الرفيعين خاصة ضباط الفرقة الرابعة، كان كل مايسمع كلمة عن بشار الأسد يقوم بالبكاء كونه يعتبر السيد الرئيس حدا كتير منيح، ولكنه أكتشف بعد سقوط الأسد ببضع ساعات أنه ليس كتير منيح فقام بالتكويع 180 درجة ووضع علم الثورة والمباركة لسوريا الحرة كونه بحسب تعبيره تعب من الأوهام والخونة والكذب ، انه اللاممثل الكون يزن السيد.
في النهاية هنالك كوع إضافي لكنه غير شائع وهو كوع درجة 60 يستخدم للزوايا غير الطبيعية لذلك قررت إسقاط هذا الكوع على شخص غير مهم ولكن زاوية تكويعه نادرة وهو مطرب المقاصف والملاهي وسهرات الضباط حسام جنيد، حسام جنيد قام بتكبير الكوع كثيراً وانتقل من غناء يريدون رحيلك ما نرضى بديلك طلبنا يا أسدنا عالموت منجيلك ، الى غناء: “دموعي دوم عالوجنات جو لاني، مهما كان لهالزمن جولاني، والله والله نصرك يابو محمد جولاني، تاج الراس بو محمد تنحسب”!!!
د. مهنا بلال الرشيد: صناع الأيديولوجيا البعثية
نتفهّم سيكولوجيًّا تكويع الخائف المقموع من تمجيد القاتل المجرم بشّار الأسد إلى مديح الثّورة والثّوّار…
لكن تكويعة من يدّعي الثّورة نحو شبّيح من شبّيحة الأسد وصانع من صنّاع الأيديولوجيا البعثيّة فهذه تكويعة عكس السَّير تستحقّ وقوف المختصّين على أبعادها المتعدّدة.
نوار الماغوط: المكوّعون السوريون
في سوريا ما بعد الأسد، أصبح المكوعون أسرع من الضوء في تبديل مواقفهم. بالأمس كانوا يتغنون بمجد القائد الملهم، ويرفعون صورته على صدورهم وفي مكاتبهم وكأنها رمز الخلود. واليوم، يصرخون: ‘الأسد خائن ومجرم ’، وكأنهم لم يكونوا بالأمس يتبادلون منشورات حب القائد على الفيسبوك.
إذا أردت مني أن أسمّي ثلاثة مكوعين سأقول:
شادي حلوه الإعلامي الذي كان يصرخ: ‘القائد أمل الأمة’، صار الآن محللًا استراتيجيًا يتحدث عن ‘فساد النظام’ كأنه اكتشف الكهرباء !
ودخل بشار الجعفري وسوزان نجم الدين المسابقة الكبرى للتكويع . الجعفري، الذي كان يُبهر العالم بخطاباته الأدبية في الأمم المتحدة عن السيادة الوطنية ومقاومة المؤامرة الكونية، بات يُطل علينا كمحلل سياسي يندد بـ’ديكتاتورية الأسد’،
أما سوزان نجم الدين، التي كانت تسوّق نفسها كصوت الفن الوطني المقاوم وتحتفل بـ’انتصارات الجيش العربي السوري’، فقد تحولت فجأة إلى سفيرة للسلام والمحبة، تطالب بمحاكمة الأسد ‘كخائن وصعلوك هارب’! ربما قررت أن حب الوطن الآن يقتضي رفع علم المعارضة والتقاط الصور مع الثوار، بعد أن كانت بالأمس تُغني لـ’الأسد رمز العروبة’.”