مستقبل بشَّار الأسد ومحور المقاومة بعد تفتيش لاريجاني في مطار بيروت
يكتبها: د. مهنا بلال الرشيد
وصل الدِّبلوماسيُّ الإيرانيُّ وكبير مستشاري علي خامنئي إلى دمشق وبيروت يوم الجمعة 15 تشرين الثَّاني-نوفمبر 2024، ونقل إلى كلٍّ من بشَّار الأسد خلال لقائه في دمشق ونبيه برِّي خلال لقائه في بيروت رسالتين من النِّظام الإيرانيِّ، ولم يصرِّح عن مضمون هاتين الرِّسالتين أو تفاصيلهما الدَّقيقة باستثناء كلامه المستهلك حول دعم إيران الدَّائم لمحور المقاومة، وقد بدا كلام لاريجاني هذا دون أيِّ مصداقيَّة بعد صمت إيران على اغتيال إسماعيل هنيَّة في طهران وقتل حسن نصر الله في بيروت وتصفية مستشاريه ومعاونيه من قيادات الصَّفِّ الأوَّل في حزب الله دون أن يرفَّ لطهران جفن لا على قيادات حزب الله ولا على استهداف استخباراته بتفجير أجهزة اللَّاسلكيّ والبيجر، وإن باعت إيران أوراق تفاوضها الكبرى من قيادات حزب الله في لبنان فلا شكَّ أنَّها لا تعتني أبدًا بمقتل المدنيِّين جنوب لبنان أو في ضاحية بيروت الجنوبيَّة.
رأس بشَّار على طاولة المفاوضات
يحمل توقيت زيارة علي لاريجاني إلى دمشق وبيروت كثيرًا من الدِّلالات في ظلِّ استهداف الطَّيران الحربيَّ أهدافًا يوميَّة في هاتين العاصمتين المهمَّتين، دون أيِّ ردِّ من إيران كبيرة محور المقاومة والممانعة المزعومة، أو صغار هذا المحور المتمثِّلين بجيش بشَّار الأسد وبقايا الخلايا النَّائمة في حزب الله اللُّبنانيِّ. ويبدو أنَّ كلًّا من النِّظام الإيرانيِّ ونظام المجرم بشَّار الأسد قد أدركا أنَّهما مقبلان على مرحلة جديدة من التَّنفيذ المباشر لقرارات ترامب دون أيِّ مراوغة، ومنذ اليوم الأوَّل لتسلِّمه مهام ولايته الجديدة في كانون الثَّاني-يناير 2025، وقد استشعر نظام المجرم بشَّار الأسد الخوف من الأسماء الَّتي يطرحها ترامب لقيادة حكومته وتنفيذ سياساته الدَّاخليَّة والخارجيَّة معًا، لا سيَّما أنَّ طبخة الحكم والمعادلة الجديدة لتقاسم السُّلطة أو التَّوافق عليها في لبنان قد اقتربت من نضوجها بعد تطبيق القرار الدُّوليِّ 1701، الَّذي يعيد ما تبقَّى من خلايا حزب الله إلى شمال اللِّيطانيِّ، وينزع منهم سلاحهم غير الشَّرعيِّ، ويحصر حقَّ الانتشار المسلَّح على جنود الجيش اللُّبنانيِّ؛ ليسلب بذلك من (المدنيِّين-العسكريِّين) من جنود حزب الله السَّابق قدرتهم على المناورة للظُّهور بمظهر المدنيِّين عندما تقصفهم إسرائيل، وسيمنع عليهم الظُّهور ببزَّات المقاومة العسكريَّة على طريق القدس الملتفِّ من حمص والقصير وحلب حتَّى قمّ وطهران، دون أن يصل إلى القدس ذاتها، وبمجرَّد فوز ترامب في الانتخابات الأمريكيَّة فقد محور المقاومة المزعومة والمفاوض الفارسيُّ كثيرًا من قدراته على المناورة لكسب الزَّمن والأموال قبل فتح مراكز تخصيب اليورانيوم مجدَّدًا أمام مفتِّشي وكالة الطَّاقة الذَّرِّيَّة، ووضع رأس بشَّار الأسد ذاته على طاولة المفاوضات النَّوويَّة الإيرانيَّة.
تفتيش لاريجاني في المطار… أوَّل الرَّقص حنجلة
لفت انتباه المتابعين تفتيش علي لاريجاني الدَّقيق عند وصوله إلى بيروت في مطار الرَّئيس الشَّهيد رفيق الحريريِّ بالإضافة إلى تجاهل صفته الدِّبلوماسيَّة وإغلاق صالة الشَّرف في وجهه والامتناع عن استقباله فيها، وهو الَّذي اعتاد فيما مضى مع جنوده من الحرس الثَّوريِّ الإيرانيِّ أن يستقبلهم جنود حزب الله استقبال الفاتحين ليس في صالة الشَّرف في مطار الرَّئيس الشَّهيد وحسب، وإنَّما في بيروت ولبنان ودمشق أيضًا. ويبدو أنَّ غيظ إعلاميِّ الحرس الثَّوريِّ في لبنان حسين مرتضى قد تجاوز غيظ لاريجاني ذاته بسبب هذه المعاملة؛ لذلك راح حسين مرتضى يقارن-وبحسب أقواله في مقطع مرئيٍّ مسجَّل-بين استقبال مجموعة من الضُّبَّاط الأمريكيِّين وحفاوة التَّرحيب بهم في المطار وبين الإساءة لخامينئي ذاته بسبب تفتيش مبعوثه وإغلاق صالة الشَّرف في وجهه. ويعتقد المتابعون أنَّ علي لاريجاني اُستقبل في دمشق بالبرودة ذاتها، وأنَّه لم يأخذ حقًّا ولا باطلًا من كلام بشَّار الأسد غير المفهوم في أوقات الرَّخاء حتَّى يفهمه في وقت الشِّدَّة؛ لذلك آثر لاريجاني أن يترك رسالتيه عند بشَّار الأسد ونبيه برِّي ويترك لهما حرِّيَّة الإفصاح عمَّا دار بين المبعوث الإيرانيِّ ومستقبيله.
معادلات بشَّار الأسد غير المتوازنة
وضع المجرم بشَّار الأسد الشَّعب السُّوريِّ بعد انطلاق الثَّورة الشَّعبيَّة ضدَّ حكمه أمام خيارين لا ثالث لهما؛ فالمواطن السُّوريُّ بحسب تقدير بشَّار الأسد إمَّا مع بشَّار أو ضدَّه، ومعنى أن تكون معه هو أن تشاركه في الإجرام وقصف المدنيِّين الآمنين وتهجيريهم وسرقة بيوتهم وتعفيشها وتوصيفهم بأنَّهم بيئة حاضنة للثَّائرين ضدَّ الدَّولة لا ضدَّ المجرم بشَّار الأسد، وإن كنتَ ثائرًا ضدَّ حكم الوريث المجرم بشَّار الأسدفالاتِّهام بالإجرام والإرهاب أبسط ما يُكال ضدَّك. ومن المفارقة أنَّ المجرم بشَّار الأسد الَّذي لم يقبل من المواطن السُّوريِّ المدنيِّ أن يعيش محايدًا سالمًا مطمئنًا في بيته دون أن يفرزه إلى أحد المعسكرين قد قبل لنفسه أن يناور بين إيران وروسيا من جانب وأمريكا وإسرائيل من جانب آخر، وقد استطاع في المرحلة السَّابقة أن يجعل من بقائه على رأس السُّلطة مصلحة للفريقين، وبرغم خذلانه إيران وحزب الله وحماس وعدم إطلاقه أيَّ رصاصة لمناصرة محور المقاومة المزعومة تمسَّك الإيرانيُّون ببقائه على رأس السُّلطة في سوريا، فلو انتخب الشَّعب السُّوريُّ الحرُّ رئيسًا آخر سيطالبه بطرد المليشيات الأجنبيَّة من سوريا بعد الانتخاب مباشرة، وستُطرد مليشيات إيران ديبلوماسيًّا بطريقة تُشبه إخراج الجيش السُّوريِّ من لبنان بعد استشهاد الرَّئيس رفيق الحريريِّ، أو تشبه عدم التَّرحيب بعلي لاريجاني خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت؛ لذلك تغاضت إيران عن كلِّ ما يُحكى عن دور بشَّار الأسد وكبار ضبَّاطه في تقديم الإحداثيَّات عن المليشيات الإيرانيَّة؛ ليستهدفها الطَّيران الحربيُّ الإسرائيليُّ كلَّ يوم وليلة.
بمثل هذه الطَّريقة شكَّل بقاء بشَّار الأسد على رأس السُّلطة في سوريا مصلحة لحكومة نتنياهو في إسرائيل، وقد أشاد الإسرائيليُّون بصمت بشَّار الأسد وصبره الاستراتيجيِّ الدَّائم على ضربات إسرائيل في دمشق وسائر الأراضي السُّوريَّة، ووجدوا أنَّ نظامه بالنِّسبة لهم يشبه شرطيَّ الحدود الحامي لأمنهم أكثر من شبهه بمحور المقاومة والممانعة حتَّى وإن كانت مقاومة خلَّبيَّة مزعومة. لكن يبدو في الآونة الأخيرة أنَّ بشَّار الأسد لم يعد قادرًا على تقديم نفسه ونظامه قاسمًا مشتركًا للإيرانيِّين والرُّوس من جانب والإسرائيليِّين والأمريكان من جانب آخر، ويبدو أنَّ علي لاريجاني جاء إلى دمشق ليستفهم عن آفاق التَّعاون المستقبليِّ بين بشَّار الأسد والنِّظام الإيرانيِّ.
القفز من المركب خير من الإبحار فيه
وتشير القراءة الأوَّليَّة لنتائج استماع لاريجاني لبشَّار الأسد أنَّه أيقن بأنَّ بشَّار الأسد ونظامه لم يعد نافعًا للنِّظام الإيرانيِّ أبدًا، وتبدو أنَّ مقايضته ولو بالإفراج عن حفنة من الدُّولارات وضخَّها للشَّعب الإيرانيِّ الفقير أفضل من التَّحالف مع هذا النِّظام، أو الاستثمار معه من خلال نشر المليشيات الإيرانيَّة في سوريا، لاسيَّما أنَّ مثل هذا الاستثمار محفوف بالمخاطر؛ لأنَّ القضاء على بشَّار الأسد ذاته بات قرارًا مطروحًا على طاولة نتنياهو ذاته، وتدرك إيران جيِّدًا أنَّ أيَّ رئيس سوريٍّ قادم بعد بشَّار الأسد لن يستطيع الالتزام بمعاهدات إيران واتفِّاقيَّاتها مع المجرم بشَّار الأسد إن لم توافق أمريكا وإسرائيل عليها؛ ولهذا كلِّه يبدو أنَّ القفز من مركب المجرم بشَّار الأسد خير من الإبحار فيه، ويبدو أن َّ بيعه بما يكفل غسل اليدين من لوثته أربح من مواظبة السَّير معه، وقد يستعجل نتياهو بخيار القضاء على بشَّار الأسد؛ لأنَّ أهالي المختطفين الإسرائيليِّين عادوا للتَّظاهر ضدَّ نتنياهو وحكومته من أجل الإفراج عن مختطفيهم بعد أن خدَّرهم نتنياهو مدَّة بتخليصهم من حسن نصر الله ومساعديه، ولا شكَّ أنَّ بشَّار الأسد لا يعادل في معجم ترامب العائد إلى قيادة أمريكا إلَّا حيوانًا أو ذيل كلب يجب الخلاص منه بأسرع وقت ممكن؛ ليصير الخلاص منه ومن جرائمه خير ما يستهلُّ به رئيس أمريكا ولايته الجديدة، وهو الَّذي وعد الشَّعب الأمريكيَّ بالسَّعي لإنهاء الحروب وتحقيق السَّلام، ولا شكَّ أنَّ الشَّعب السُّوريَّ المظلوم يحتاج مثل هذه المبادرة، وينتظرها بأمل كبير.