نوافذ الإثنين | ماذا ستفعل الإدارة الجديدة لتفكيك النظام القديم؟
العلوي اليوم خائف من الأغلبية السنية، وهو خائف من النظام وشبيحته، وهو خائف على مستقبله ومستقبل أولاده
يكتبها: ميخائيل سعد
تنويه | كتبت هذا المقال في نيسان ٢٠١٢، وأعيد نشره الآن كرسالة إلى قيادتنا الجديدة.
لن أدخل في فلسفة قصور المعارضة وعدم قدرتها على كسب قطاع كبير من الشارع السوري. سأستعرض حالة واحدة من الحالات التي عمل عليها النظام أربعين عاما ونريد تفكيكها خلال أيام، أنها حالة العلويين. وكي لا أسقط في التّنظير الذي سبقني إليه أغلب المثقفين، فإنني سأقدم لكم مثالا حيا عشته قبل ما يقارب ٢٧ سنة، ولكم أن تتخيلوا حجم التغييرات التي طرأت على المجتمع السوري عامة، وحالة العلويين خاصة، ولكم الحرية في أن تأخذوا درسا منها أو ترمونها في سلة المهملات.
كنت بعثيا لمدة عام قبل انقلاب حافظ الأسد ووصوله للسلطة، وتركت التنظيم بتأثير مجموعة أصدقاء لي ولأخي الكبير وكلهم من العلويين. اتسعت دائرة معارفي في أوساط الريفيين رغم سكني في حمص القديمة، فقد كنت مرفوضا لسبب ما في أوساط المسيحيين الحماصنة، أو أنني لم أبذل الجهد الكافي للتعرف على عاداتهم وأخلاقهم. أما سنة المدينة فكان بعدي عنهم مضاعفا، أو رفضهم لي معادلا لرفض مسيحيي المدينة. وهكذا انحصرت علاقاتي في وسط ريفيي المدينة حتى ١٩٧٠.
هذه المقدمة الصغيرة تهدف لتوضيح وجودي في وسط علوي أحببته وأحبه حتى الآن. بدأنا نشاطنا السياسي عام ١٩٧٣مع محاولة شبه فاشلة لإعادة بناء حزب البعث (جماعة ٢٣ شباط) التي انتهت بنا في أذار ١٩٧٦ بسجن المزة، كنا ٧٤ موقوفا على ما أذكر، أغلبهم من العلويين. منا من خرج من السجن بعد سنة وأنا وأخي من بينهم، ومنا من بقي في السجن حتى خمس سنوات، كصاحب البيت الذي وقعت الحادثة التي سأذكرها في بيته.
يوم من أيام ١٩٨٦ كنت في دمشق عند الصديق أبو عمار الذي قال لي: أتيت في وقتك، هناك سهرة أصدقاء اليوم عند يوسف، وأنت تعرف الجميع تقريبا. وافقت دون تردد. في المساء اجتمع ١٨ شخصا منهم أساتذة جامعة، ومنهم ضباط جيش، ومنهم مهندسون، وموظفون في مؤسسات ووزارات الدولة ومجلس الوزراء وغيره، كان الجميع فكريا دون استثناء من إطار ما كان يعرف بجماعة ٢٣ شباط. منهم من كان سجينا سياسيا سابقا ومنهم من لم يكن. دارت أحاديث متعددة، إلى أن تمحور الحديث حول شكوى أغلبية الحضور عن العمل والمضايقات التي يلاقونها فيه، ومحاولات زملائهم ”الدمشقيين“ تركيب المقالب لهم لإظهارهم بمظهر من لا يتقن عمله كي يحلّوا محلهم. استمر النقاش حول هذا الموضوع بحدود الساعة إلى أن قررت أنا أن الامر لم يعد محتملا فرفعت يدي صائحا: يا رفاق ألا تعتقدون أنكم غرقتم في مواضيع شخصية ذات طابع طائفي ولم يعد في السهرة هَم عام يجمعنا أو يهم سوريا؟؟؟
فجأة اكتشف الرفاق صوتا مختلفا، فقد كنت الوحيد من أصول مسيحية، أما الـ١٧ الباقون فقد كانوا من أصول علوية.
شعر الجميع، عن حق أو دون حق، أنهم متّهَمون ويريدون الدفاع عن أنفسهم فتوجهوا جميعا بالسؤال إلى صديقي الأقرب أبو عمار قائلين: ما رأيك يا رفيق أبو عمار بما قاله الرفيق أبو عمرو؟
أجاب أبو عمار: للأسف، أنا مضطر أن أقول إن الرفيق أبو عمرو معه حق..
للمتسرعين في أحكامهم سلبا أو إيجابا، أو لمن ينتظر تهمة طائفية أقول: ليس الهدف من المثال الذي كتبته اتهام أحد وإنما القول: إن هؤلاء الرجال كانوا ضد حافظ الأسد ونظامه، وهم من أفضل الناس سلوكا وخلقا، إنما يقلقهم مصير لقمة العيش، فكيف سيكون وضع الآخرين الذين ارتبط وجودهم بوجود هذا النظام على مدى أكثر من اربعين عاما؟
إن هذا النظام استخدم طوال أربعين عاما الفساد كقانون، وبالتالي أصبح جميع الناس تحت طائلة القانون وعلى رأسهم العلويين الذين كان للنظام مصلحة حقيقية في وضعهم في فم المدفع في أي لحظة يتهدد فيها وجوده، وهذا ما نراه اليوم.
العلوي اليوم خائف من الأغلبية السنية، وهو خائف من النظام وشبيحته، وهو خائف على مستقبله ومستقبل أولاده إنْ بقي النظام أم ذهب، وهو خائف أن يفقد بيته الذي حصل عليه عبر مؤسسات الفساد، وخائف أن يفقد عمله، وخائف أن يتم الانتقام منه وووووو ومئات الاسئلة التي تجعله في أحد موقعين: إما مع النظام دفاعا عن ذاته ومصالحه، أو في موقع الحيادي الصامت.
السؤال الآن: ماذا فعلت المعارضة والثورة كي تجعل مئات آلاف العلويين والحياديين والصامتين وأبناء الاقليات الخائفة أكثر قربا من الثورة وأكثر ابتعادا عن النظام؟
هل تم طرح أوراق عمل لمرحلة ما بعد اسقاط النظام؟
هل تم التطرق إلى التجاوزات التي حولها النظام الأسدي الفاسد إلى قوانين نظرية ورطت المجتمع كله بشكل من الاشكال في دائرة الفساد؟
هل هناك نية عند فصائل المعارضة الداخلية والخارجية لصياغة برامج تعالج فيها مرحلة ما بعد الأسد؟؟؟
عشرات الأسئلة التي يمكن أن تُطرح والتي يجب أن تُطرح بجرأة ودون استفزاز، والتي يتكلم بها الجميع في الدوائر المغلقة، ويتم تجاهلها تحت الضوء …..
فإلى متى؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مونتريال ٢٢نيسان ٢٠١٢
__________________________________________________
ملاحظة:
أردت من إعادة نشر هذا المقال القول لسلطتنا الجديدة: إنكم الآن في موقع المسؤولية، وعليكم، رغم صعوبة الأمر، محاولة تجنب كل ما من شأنه إثارة قلق الآخرين، وبث الطمأنينة في النفوس، وأن يكون الكلام والسلوك الحكيم هو الخبز اليومي لكم إذا كنتم تطمحون لبناء وطن لجميع السوريين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكل عام وأنتم بخير.