حسين الهرموش: الشهيد المختطف أسيراً أمام كاميرا نجدت أنزور
ظهر المقدم حسين هرموش أسيراً، أمام كاميرا المخرج نجدت أنزور العريق في التزوير، العريق في تبرئة القتلة، وتجريم ضحاياهم، العريق في قلب الحقائق إلى درجة البهتان
محمد منصور- العربي القديم
بوجه متعب، بدا وكأنه قد أُعطي قسطاً من الراحة قبل التصوير بأيام قليلة، وبقميص أبيض بأكمام طويلة مقفلة، وياقة لا تظهر سوى القسم الأعلى من رقبته، ظهر المقدم حسين هرموش في ذلك المساء الأيلولي الحزين من عام 2012 أسيراً، أمام كاميرا المخرج نجدت إسماعيل أنزور، بعد أن تم اختطافه من تركيا في التاسع والعشرين من آب/ أغسطس من العام نفسه.
نجدت أنزور الأمي نائب رئيس مجلس الشعب مكافأة على خدماته التضليلية!
نجدت أنزور العريق في التزوير، العريق في تبرئة القتلة، وتجريم ضحاياهم، العريق في قلب الحقائق إلى درجة البهتان، أي الكذب الذي يجعل المرء يبهت من شدة الفجور… نجدت أنزور هذا، بدا منذ إخراجه مقابلة الشاهد المدسوس على التحقيق في جريمة اغتيال الحريري (هسام هسام)، صاحب البصمة الإجرامية الأبرز في التصوير الأمني. بدا موثوقاً لدى مخابرات الأسد الذين كان يخاطبونه بالأستاذ؛ لأنهم رأوا فيه “ملكي أكثر من الملك”، و”مخابراتي أكثر من رئيس شعبة مخابرات”، إلى الدرجة التي جعلت النظام يكافئ هذا المخرج الأمي، الذي بالكاد يحمل شهادة الدراسة الإعدادية، والذي يزعم كذباً، أنه درس الهندسة دون أن يذكر من أي جامعة تخرج، وفي أي سنة، ومن كان زملاء دفعته، جعلته يكافئه على مهماته الأمنية هذه بتعيينه نائباً لرئيس لمجلس الشعب، أي البرلمان السوري الشكلي الذي كان يصفق للأسد في كل القرارات!
كان المقدم حسين الهرموش، المولود في قرية إبلين بجبل الزاوية بريف إدلب عام 1973، من أوائل الضباط المنشقين عن قوات الأسد في العام الأول للثورة، عمل على تشكيل “لواء الضباط الأحرار”، الذي كان أول كيان عسكري محسوب على الثورة، وقد استقطب العشرات من الضباط والعناصر الذين كان هدفهم في البداية حماية المظاهرات السلمية من هجوم واعتداءات قوات الأسد وميليشياته،
قبل ذلك تقول سيرة حسين الهرموش: إنه اتبع في أعوام 1990-1996 دورة بالهندسة الحربيَّة الأكاديمية العسكرية الهندسية العليا “كوبيشوف” في روسيا الاتحادية، وحصل على الدبلوم الأحمر التقني، كما حصلَ على دبلوم ترجمة من اللغة العربية إلى الروسية. اشتركَ بالبحث العلمي على مستوى مدينة موسكو، وقدَّمَ أطروحة بعنوان “حساب السماكة الواقية للمنشآت النفقية في القطر العربي السوري، عند تأثير الأسلحة التقليدية، وأسلحة التدمير الشامل، وفي كل أنواع التربة”، وهي عبارة عن برنامج على الحاسب بلغة البرمجة باسكال.
أما مشروع التخرُّج فكان عن “تصميم منشأة نفقية للواء صواريخ نموذج /C_75/”، وهو تصميم منشأة يتم فيها تذخير الصواريخ ضمن المنشأة، وتجهيز ثلاث بوابات للإطلاق، ومن ثم إعادة التذخير.
في عام 1996 عملَ بمشروع “مقالع الأحجار الكلسية -1” في دمشق، وفي العام التالي انخرطَ بمشروع “مقالع الأحجار الكلسية -2” في حلب. في عام 1998، نقل إلى مشروع “بلودان-1” في ريف دمشق للعمل كمهندس تنفيذ لمدة عام كامل، وفي أعوام 1999-2001 انتقلَ إلى مشروع 99/د للعمل كمهندس تنفيذ أعمال حفر أنفاق ومهندس الأعمال المساحية، وتولَّى خلالها أعمالاً مختلفة تتعلَّق بأعمال البناء.
في عام 1997 التحق حسين هرموش بجيش النظام السوري، وأصبحَ ضابطاً عاملاً برتبة مقدم في الفرقة 11 في حمص، حيث تحمل هويته التي أعلن من خلالها انشقاقه تاريخ إصدار يعود إلى 26-3-1997، وكان في الرابعة والعشرين من العمر. بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، أعلن الهرموش انشقاقه عن جيش النظام في حزيران / يونيو 2011، خلال الحملة على مدينة جسر الشغور احتجاجاً على “قتل المدنيين العزل من قبل أجهزة النظام”.
وقال حسين هرموش حينها: إنه أرسلَ إلى عدة مدن خلال فترة الاحتجاجات، منها سقبا في ريف دمشق، وجسر الشغور في محافظة إدلب، وعندما بدأ الجيش اجتياحه الثاني في يوم الأحد ٥ حزيران، قام مع عدد من رفاقه بزرع الألغام، ووضع العوائق في طريق الجيش لإبطاء تقدمه، وفي يوم الخميس التاسع من حزيران/ يونيو، عندما نقل إلى دمشق، أخذ مأذونية من الجيش، واستغلها للعودة إلى محافظة إدلب، ليعلن عن تأسيس لواء الضباط الأحرار، ووجَّه نداءً إلى عسكريي جيش النظام للانشقاق والالتحاق بها.
وبقي الهرموش يدير عمليات لواء الضباط الأحرار، أثناء تواجده في تركيا، ولكن في صباح يوم الإثنين 29 آب 2011 اختفى في ظروف غامضة.
خلال المقابلة التلفزيونية، كان اهتمام عناصر الاستجواب التلفزيوني بانتزاع اعتراف من الهرموش، بأنه لم يكن موجوداً في جسر الشغور، ولم يرَ أحداً يقتل الناس، ولم يصدر له أحد أوامر بقتل المدنيين ولا سواهم. كان الهدف أن يكذب نفسه بنفسه، أي أن يكذب ما قاله وصرح به هو نفسه، قبل أن يكذب روايات الآخرين، وينفي أن هناك ثورة خارج “المؤامرة الكونية” على “سوريا الأسد”.
فكر تضليلي عريق في الإنكار، وتأكيد نكران الجريمة على ألسنة الضحايا والشهود أنفسهم، كي يبدو من السهل إلباسهم لباس النادم على خيانته، وتجريده من ثوب البطل الذي انحاز لثورة شعبه.
المعلومات حول عملية خطف الهرموش، تقول إنها تمت عبر علويي تركيا المرتبطين بحركة الإرهابي معراج أورال المدعوم من مخابرات نظام الأسد، فقد استُدرج بحجة تقديم دعم للجيش الحر، ثم تم تخديره في منطقة الحربيات بولاية هاتاي ذات الأغلبية العلوية، ونُقل إلى سوريا، حيث تم التحقيق معه، وإيقاع أشد أنواع التعذيب النفسي والجسدي به لمدة ثلاثة أيام. كان جسد الهرموش منهكاً من الكدمات والجروح والآلام التي أخفيت تحت الثياب باستنثاء كدمات بسيطة على الوجه المنهك.
بعد أن انتهى نجدت أنزور من تصوير مقابلة الهرموش، تم تحويله إلى سجن صيدنايا حيث نُفذ حكم الإعدام فيه، من قبل النائب العام العسكري محمد كنجو حسن، ورئيس القضاء العسكري… الذي لم يتورع حتى وهو في طريقه إلى حبل المشنقة أن يوجه له الاتهامات حول زوجته وأمه، التي قال له لقد قتلناها، وسنقتل بقية أهلك في إصرار غريب على الاستقواء على روح محكوم بالإعدام، سيلقى وجه ربه بعد دقائق.
محمد ابن حسين الهرموش مع الصحفية إيلاف ياسين بعد حصوله على الشهادة الثانوية بتفوق (غازي عينتاب 2022)
لم تنتهِ قصة الهرموش بإعدامه، فقد بقي ابن جبل الزاوية حياً في وجدان السوريين وضميرهم، وحين نال محمد ابن حسين الهرموش الذي عاش سبع سنوات في دار أيتام أسستها الصديقة إيلاف ياسين في غازي عينتاب.. نال شهادة البكالوريا بتفوق في صيف عام 2022، انتشر خبر نجاحه على صفحات السوريين انتشار النار في الهشيم، فابن الشهيد الذي استُشهد من أجل حرية بلاده، صار رجلاً يتأهب لدخول الجامعة، رأوا فيه ابنهم، وابن ثورتهم، وابن بطل لا يُنسى من أبطال ثورتهم.
_________________________________________
من مقالات العدد الثامن عشر من (العربي القديم) عدد الاحتفال بالنصر، الخاص بشهداء ثورة القرن – كانون الأول/ ديسمبر 2024