في الطريق إلى العدالة: لماذا لا نشكل هيئات ذوات اختصاص؟
الإرادة والشجاعة والحنكة لا تنقص السوريين، فكيف بالمحامين الذين يتوفر لديهم البناء التنظيمي للدفع بهذا الاتجاه
مصعب سامي الجندي – العربي القديم
لست محامياً ومعرفتي بالقانون محدودة إلا ما قد أصابني منه رميات ما، وهي نادرة في عمري المديد لأنني من المسالمين الحريصين على عدم مخالفة القانون. لكني اليوم بصفتي الشخصية الذاتية، وصفتي الاعتبارية كمواطن سوريّ له حقوق وعليه واجبات، قد أتجه لمخالفته ضمن مستوى ضبابيته في المرحلة المؤقتة، محاولاً تجاوزها بأمان لأعود طيعاً للقانون سعيداً به وإن لم يعجبني.
وهنا أتوجه للمحامين للبحث في دور مشاركتي المخالفة لأنهم الأكثر خبرة ومقدرة (أهل مكة أدرى…)، وباختصار شديد، مادام فصل السلطات الثلاث (الدستورية، القضائية، التنفيذية) أساس تماسك الدولة ضمن الحالة الديموقراطية، فإن السلطة القضائية تمثل حالة التوازن بينها كما بين أطياف المجتمع بمكوناته الأكثر تعقيد، ومن هنا أود أن أقول:
أولا: أغلب التجارب الديموقراطية تفترض أن يكون هناك حكومة ظل ولنسمها ما شئنا: (معارضة، قوى ضغط، أو حتى قوى رديفة ومساعدة)، فليتشكل واحدة من تلك الحالات من أصحاب المعرفة والعلم بالقضاء والقانون، بدلاً من ترك الأمور لقرارات تصدر عن وزير العدل (مع الاحترام له)، لكننا في مرحلة واحدة من أهم مرتكزاتها للانتقال الآمن لما بعدها، وهو تحقيق العدالة الانتقالية على ما تحتويه هذه العدالة من مخاطر إذا جاء وضع أسسها القانونية متعجّلاً وتخضع للمزاجيات والمزاودات عدا عن التدخلات الخارجية. لا أعني هنا حكومة ظل بالمعنى السياسي وإنما ظل يحمي القانون ويقدم المشورة والخبرة لأصحاب القرار ضمن الكيان السياسي.
ثانياً: لا آتي بجديد حين أقول: القوانين هي الحدود التي تنظم العلاقات الإنسانية (أفراداً وجماعات)، وهي لم تأتِ من عدم، بل هي حالة تراكم الخبرات الإنسانية جمعاء وتطورها باتجاه تقاربها نتيجة التطور العلمي وقفزاته وتداخل العلاقات البشرية (دولاً ومجتمعات)، والتمايز فيما بينها هو شق يضيق يوماً بعد يوم، رغم وجود الخصوصية لكل مجتمع، وفق خبراته والتجارب التي خاضها ومستوى التطور الحضاري الشامل على أرض الواقع. والأصل هنا ليس من المحبذ ترك حالة التشريع القانوني لغير الخبراء والاختصاصيين ومسك الأمر بعيداً عن السياسة والمواقف العقائدية، ولا غضاضة من الاستعانة بخبرات من علماء الاجتماع والاقتصاد وغيرهما مما يرتبط بالعلاقات البشرية.
ثالثاً: لماذا محامون وقضاة سابقون؟ لأنهم اليوم وفي يوم لاحق وإن طال الزمن وبجميع الصور والمواقف، يمثلون المتهم والمظلوم وصاحب الحق المكلوم، يمثلون الابن والأخ والدار المهدوم، هي حقوق لا تسقط مع الزمن وملفاتها في سوريا تكاد تملأ مكتبات عامة بأكملها، ولشدّة ضخامة حجمها الأفضل دوماً تصنيف أولوياتها، الأشدّ فالأضعف، والأقرب زمناً فالأبعد.
أخيراً: كيف…؟
الأمر سهل رغم ما يفرضه من جهد كبير، فالإرادة والشجاعة والحنكة لا تنقص السوريين، فكيف بالمحامين الذين يتوفر لديهم البناء التنظيمي للدفع بهذا الاتجاه وهي النقابة بجميع فروعها الموزعة على أرجاء الوطن السوريّ. بإمكانهم استغلالها بانتخاب هيئات ذوات اختصاص (واحدة للعدالة الانتقالية وأخرى للمشاركة بسنّ القوانين ودرجات التقاضي … وغيرها) أو انتخاب هيئة واحدة تتوزع المهام والتشاور على أن تحفظ ديموقراطية اختياراتها. ولكن وكي لا نغرق بكلمة ممن يحق له الترشيح… فلنعتبر أن العام 2011 هو الفيصل بالنسبة للقضاة أو أعضاء مجالس النقابات أي يسقط عنهم حق الترشح.
قد لا يكون ما يصدر عن هذه الهيئة أو الهيئات أثرٌ مباشر واضح، لكن على الأقل هو تطوير في نشاط النقابة والدفع باتجاه أن تكون عدالتنا نحن السوريين بعيداً عن تدخل المحاكم الدولية وتكاليفها، عدا عن تجاربنا المرّة معها، والأهم الكلمة الأقرب للعدالة في نسبيتها للحق خصوصاً إذا كانت أمانة أمام الله والتاريخ.