دلالات وقضايا | تنصيب ترامب: العرس في واشنطن والطَّبل في بغداد
رياح السِّياسة وعواصف الطَّبيعة جرت بما لا تشتهيه سفن الإيرانيِّين وطائراتهم المتهالكة
يكتبها: د. مهنا بلال الرشيد
تتَّجه عيون العالم نحو حفل تنصيب ترامب بعد عودته لاستلام مهامه في رئاسة أمريكا غدًا الاثنين 20 كانون الثَّاني-يناير 2025، ولن تخلو قائمة أسماء الزُّعماء العالميِّين الحاضرين في حفل التَّنصيب من بعض الإشارات، وستحمل بعض شكليَّات هذا الحفل وصوره دلالات سياسيَّة مهمَّة أيضًا؛ وذلك لأنَّ قوَّة أمريكا تسمح لرئيسها-لا سيَّما إن كان رئيسًا قديمًا-جديدًا في وقت واحد-بقيادة العالم المعاصر وتوجيهه والتَّحكُّم بكثير من ملفَّاته وقضاياه، ولا تعنينا شكليَّات حفل التَّنصيب-وإن حملت إشارات ودلالات واضحة-بقدر ما يعنينا خِطاب ترامب وسياسته ومراسيمه الأولى، الَّتي تخصُّ السُّوريِّين واللٌّبنانيِّين والعراق وإيران بين مئة مرسوم جمهوريٍّ أمريكيٍّ تنتظر ترامب على طاولته، وسيوقِّع أهمَّها منذ يوم عمله الأوَّل في البيت الأبيض بعد انتهاء حفل التَّنصيب، وستكون بعض مراسيم ترامب المتلاحقة كالعصا، الَّتي يهزُّها، ولا يضرب بها، وسيمثِّل بعضها الآخر سياسة عصا الرَّاعي الأمريكيِّ وجزرته، وقد يكون بعضها الآخر عصيًّا وأسوطًا على ظهور من لا يفهم مزاجيَّة ترامب، أو لا يجبد التَّعامل معها، وهو الرَّئيس الأمريكيُّ الأسبق، الَّذي يعرفه أحرار سوريا جيِّدًا، ويتذكَّرون أنَّ المملكة العربيَّة السُّعوديَّة كانت محطَّة زيارته الخارجيَّة الأولى سنة 2017، بعدما استلم رئاسة أمريكا في ولايته الرِّئاسيَّة الأولى، وقد شارك السُّعوديِّين وقتَها أفراحهم خلال تلك الزَّيارة، وحمل السَّيف العربيَّ، وأدَّى مع السُّعوديِّين في 20 أيَّار-مايو 2017 رقصة العرضة العربيَّة على أنغام الأناشيد التُّراثيَّة السُّعوديَّة.
المفتاح الذَّهبيُّ السُّوريُّ لتفكيك ملفِّ إيران النَّوويِّ
استغلَّت إيران الجغرافية خلال ثورة السُّوريِّين ضدَّ نظام المخلوع بشَّار الأسد بين آذار-مارس 2011 وكانون الأوَّل-ديسمبر 2024، وحوَّلت هذه الجغرافية مسرحًا لنشاط ميليشياتها الخبيثة، وجعلت سوريا كلَّها حلقة وصل وإمداد بين أخطر الميليشيات الإرهابيَّة في العراق ولبنان. وعندما انتصرت ثورة السُّوريِّين ضدَّ المخلوع بشَّار الأسد في الثَّامن من كانون الأوَّل-ديسمبر 2024 صاغ أحرار سوريا مفتاحًا ذهبيًّا لمجموعة من صناديق الشَّرق الأوسط وأبوابه المغلقة منذ أزمان بعيدة، ووضعوا هذا المفتاح بشكل أو بآخر على طاولة ترامب الدِّبلوماسيَّة؛ فلا حشدًا شعبيًّا عراقيًّا في سوريا الحرَّة هذا اليوم، ولا وجود لمليشيا حزب الله اللُّبنانيِّ أو فيلق بدر أو فصائل الفاطميِّين والزَّينبيِّين الإرهابيَّة والطَّائفيَّة بين الأحرار وحكومة إنقاذ سوريا وتحريرها، وهذا المفتاح الذَّهبيُّ سيختصر كثيرًا من الوقت الثَّمين جدًّا على دونالد ترامب وإدارته لتقديم أكبر هديَّة للسِّلم العالميِّ وتفكيك ملفِّ إيران النَّوويِّ؛ لأنَّ مثل هذه الميليشيات شكَّلت أوراق ضغط وتشويش على المفاوضات بتخويف المجرم نتنياهو على مستقبل حكومته ومستقبله السِّياسيِّ كلِّه، ونتنياهو كان أبرز شريك براغماتيٍّ نفعيٍّ لإيران في الإرهاب خلال العقود الأخيرة؛ فقد تبادل معها التَّمثيل، وتقاسم معها منافع الابتزاز ومكاسب تمثيليَّات الحرب ضدَّ الإرهاب؛ لذلك عرفت إيران كيف تبتزُّه بمفاوضته على مستقبل حكومته ومستقبله السِّياسيِّ في إسرائيل من خلال تحريك بعض قيادات حماس تارة؛ لتأليب الشَّارع الإسرائيليِّ المعارض ضدَّه، وتارة كانت تُحرِّك المقتول حسن نصر الله بخطاب خلَّبيٍّ أو قذائف الكاتيوشا للتَّشويش والتَّرويع لا غير؛ وقد أدَّت هذه الحركات وظائفها على أكمل وجه؛ لأنَّها صرفت النَّظر عن ملفِّ إيران النَّوويِّ، وكسبت للمفاوض الإيرانيِّ الوقت التَّفاوضيَّ الثَّمين في كلِّ مرحلة تفاوضيَّة حسَّاسة مستغلَّة طمع المجرم نتنياهو ورغبته الأبديَّة بالإمساك بمقالد الحكم في إسرائيل.
اللَّعب الإيرانيُّ على الزَّمن
يحتاج تفكيك ملفٍّ معقَّدٍ مثل ملفِّ إيراني النَّوويِّ إلى مفاوضات مضنية وجهود دبلوماسيَّة متواصلة وممتدَّة إلى عشرات السِّنين مع الأمريكيِّين والأوروبِّيِّين؛ وذلك لأنَّ بناء هذا الملفَّ احتاج إلى وقت طويل في ظلِّ غفوة عالميَّة كبرى، ويعلم جنرالات الحرب أنَّ عمليَّة فكَّ السِّلاح عكس عمليَّة تركيبه تمامًا، وتحتاج إلى خبرة كبيرة وزمن موازٍ لزمن التَّركيب، وأنَّ أيَّ غلطة بالفكِّ بعد زمن التَّركيب الطَّويل قد تُخلِّف أضرارًا عالميَّة بليغة، وقد فهم المفاوض الإيرانيِّ هذه النُّقطة، وعمل عليها، ووظَّفها، واستفاد منها كثيرًا لتمرير الوقت الَّذي مشى لصالح مفاعل الإيرانيِّين النَّوويِّ وزيادة تخصيب اليورانيوم فيه على الدَّوام، حيث كانت تنتهي الولاية الرِّئاسيَّة الأولى لأيِّ رئيس أمريكيِّ بالتَّعرُّف إلى نقاط ملفِّ إيران النَّوويِّ الحسَّاسة على مدار أربع سنوات، وما إن يتعرَّف إلى هذا الملفَّ حتَّى ينشغل مع إدارته بمواجهة خصومه ومنافسيه على رئاسة أمريكا خلال الانتخابات الجديدة، وإن خسر الانتخابات أعاد الإيرانيُّون ملفَّ مفاوضاتهم النَّوويَّة إلى ضبط المصنع أو نقطة الصِّفر، وإن فاز الرَّئيس القديم، يُغرِق الإيرانيُّون إدارته بالتَّفاصيل والمطالب لتمرير سنواته الأربع الجديدة دون تفكيك الملفِّ النَّوويِّ، ونجحوا في هذه المهمَّة خلال عقود المفاوضات الزَّمنيَّة الأخيرة؛ ولكن….
ماذا فعل ترامب؟
كان فوز بايدن على ترامب في انتخابات الرِّئاسة الأمريكيَّة قبل الأخيرة حدثًا مفاجئًا لكثير من المتابعين، وكذلك شكَّل في ظاهره هديَّة كبرى للإيرانيِّين ومحور مقاومتهم المزعومة، ومنح مفاوضيهم النَّوويِّين وقتًا طويلًا؛ سوف يستغلُّونه-كعادتهم-لكسب الوقت، وإعادة ملفِّ المفاوضات النَّوويَّة إلى نقطته الأولى، وسيدعمون فصائلهم الإرهابيَّة المسلَّحة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق من أجل التَّشويش وكسب الوقت؛ لكنَّ رياح السِّياسة وعواصف الطَّبيعة جرت بما لا تشتهيه سفن الإيرانيِّين وطائراتهم المتهالكة؛ فقد تحطَّمت مروحيَّة رئيس إيران السَّابق إبراهيم رئيسيّ، وتوفِّي معه وزير خارجيَّته حسين أمير عبد اللَّهيان المسؤول عن ملفِّ المفاوضات النَّوويَّة في 29 أيَّار-مايو 2024، وقُتل بعد ذلك-وفي طهران ذاتها-رئيس حركة حماس إسماعيل هنيَّة، خلال زيارته من أجل حضور حفل تنصيب رئيس إيران الجديد مسعود بزشكيان في 31 تمُّوز-يوليو 2024، وقُتل بعده معظم قادة فصائل المقاومة أو حركاتها المرتبطة عضويًّا بملفِّ إيران النَّوويِّ، والَّتي كانت تُخيف المجرم نتنياهو على كرسيِّه في إسرائيل بصواريخ الكاتيوشا وتمثيليَّات المقاومة الوهميَّة، وتكسب بالمحصَّلة وقتًا ثمينًا للمفاوض الإيرانيِّ، فقد قتلت إسرائيل قادة الصَّفِّين: الأوَّل والثَّاني من جنود الاستخبارات الإيرانيَّة وحملة أجهزة اللَّاسلكي والبيجر ومسؤولي الاتِّصالات في حزب الله في 17 أيلول-سبتمبر 2024، وفي 27 أيلول-سبتمبر 2024 قتلت إسرائيل حسن نصر الله أمين عامِّ حزب الله اللُّبنانيِّ السَّابق، ثمَّ قتلت هاشم صفيَّ الدِّين المرشَّح لقيادة الحزب من بعده، وفي 17 تشرين الأوَّل-أكتوبر 2024 قتلت إسرائيل يحيى السِّنوار قائد حركة حماس بعد إسماعيل هنيَّة، ثمَّ انتصرت ثورة السُّوريِّين على المجرم المخلوع بشَّار الأسد في 8 كانون الأوَّل-ديسمبر 2024؛ وبهذا لم تنته سنة 2024 وولاية رئيس أمريكا السَّابق جو بايدن إلَّا بعدما خلَّصت إيران من أبرز أوراق مفاوضاتها النَّوويَّة، الَّتي كانت تمنح المفاوض الإيرانيَّ وقتًا ثمينًا بالتَّمثيل مع المجرم نتنياهو تارة، وباستغلال طمعه وجشعه ورغبته بحكم إسرائيل للأبد من ناحية أخرى؛ فانقلبت خسارة تارمب أمام بايدن في الانتخابات الأمريكيَّة قبل السَّابقة وبالًا على الإيرانيِّين ومحور مقاومتهم المزعومة، وزاد الطِّين بِلَّة أنَّ ترامب ذاته انتصر على بايدن في انتخابات الرِّئاسة الأمريكيَّة الأخيرة، وكسب وقتًا دبلومسيًّا تفاوضيًّا ثمينًا جدًّا على مدار ولاية بايدن المنتهية، وبدا كأنَّه رئيس أمريكيٌّ سيكم ثلاث ولايات أو اثنتي عشرة سنة بدلًا من ولايتين أو ثماني سنوات، وخلال أربع سنوات منصرمة، لا يمكن توصيفها بالهزيمة الانتخابيَّة لترامب أبدًا؛ فبدلًا من أن يمرِّرها الإيرانيُّون لتصفير ملفِّ مفاوضاتهم خسروا فيها أوراقهم التَّفاوضيَّة كلَّها، وعاد لهم دونالد ترامب على رأس العام الجديد في 20 كانون الثَّاني-يناير 2025؛ فماذا سيفعل ترامب؟
العرس في واشنطن والطَّبل في بغداد
يقول المتابعون: إنَّ ما يقرب من مئة مرسوم جمهوريٍّ أمريكيٍّ جاهزة الآن على مكتب دونالد ترامب، وتنتظر يوم عمله الأوَّل في البيت الأبيض بعد حفل التَّنصيب، وأهمُّ هذه المراسيم بالنِّسبة لنا-نحن السُّوريِّين-مع أشقَّائنا العرب وجيراننا الإقليميِّين هي تلك المراسيم المتعلِّقة بتشديد الرَّقابة على نفط العراق وبيعه وتسويقه وتوظيف أمواله وعائداته لخدمة الإرهاب أو الميليشيات الطَّائفيَّة المرتبطة عضويًّا بملفِّ إيران النَّوويِّ؛ كالحشد الشَّعبيِّ وفيلق بدر وغيرها، بالإضافة إلى مرسوم يتعلَّق بهيكلة الجيش العراقيِّ وتفكيك الحشد الشَّعبيِّ والفصائل الطَّائفيَّة المنضوية تحته، وهناك مرسوم يسعى إلى منع تحويل بغداد وأربيل والسُّليمانيَّة ومدن شمال شرق سوريا إلى مراكز لخدمة ملفِّ إيران النوويِّ والمليشيات المرتبطة بها من خلال تهريب الأموال والأسلحة ودعم هذه المليشيات والمنظَّمات الإرهابيَّة.
وفي هذا الإطار زار مظلوم عبدي قائد قوَّات قسد المسيطرة على شمال شرق سوريا الزَّعيم الكرديَّ مسعود برزاني يوم الخميس الماضي 16 كانون الثَّاني-يناير 2025 للاستماع إلى نصائحه الثَّمينة في أربيل، ويصغي إلى عقل المجرِّب الحكيم، وهو يقول: إنَّ المجتمع الدُّوليِّ الَّذي رفض إجراء الانتخابات أو نتائجها المتوقَّعة في أربيل سابقًا لن يسمح لأيِّ فصيل أو أيِّ مدينة أو أيِّ منطقة أو أيِّ مكوِّن سوريٍّ بالانفصال عن سوريا أو المطالبة بالفدرلة أو الحصول على مكاسب أكبر من حجمه كائنًا من كان؛ إن كان عشيرة عربيَّة أو أقلِّيَّة طائفيَّة أو مكوِّنًا عرقيًّا؛ ولأنَّ المثل يقول: اسأل مجرِّبًا ولا تسأل حكيمًا فالتَّجارب السِّياسيَّة القديمة والحديثة تنصحنا-نحن السُّوريِّين كلَّنا- بعدم اغترار أحدنا بقربه (اللُّغويِّ العرقيِّ) من ساسة إيران أو قربه (الجغرافيِّ أو الفكريِّ) من نتنياهو؛ فهؤلاء ساسة براغماتيُّون مكيافيلليُّون نفعيُّون لا يعملون إلَّا لتجنيد هذا وذاك لإثارة البلابل في الدُّول والأقاليم المجاورة؛ لتحقيق مكاسبهم الدَّنيئة على قاعدة: (فرِّق تَسُدْ!)؛ وعندما يظفر أحدنا بقطعة الجبن أو حصَّته من الوطن سيلتهمها الإيرانيُّون أو الإسرائيليُّون؛ وتروي الحكاية أنَّ قطَّتين سرقتا قطعة من الجبن، واختلفتا على اقتسماها؛ فقالت الأولى للثَّانية: حصَّتك أكبر من حصَّتي؛ فقالت الثَّانية: لا، بل حصَّتك أكبر، وذهبتا إلى الثَّعلب؛ ليقضي بينهما؛ فأمسك الثَّعلب الحصَّة الكبيرة، والتهم نصفها، وجعلها أصغر من الحصَّة الثَّانية؛ فقالت القطَّة: أنا لا أرضى؛ الحصَّة الثَّانية صارت أكبر؛ فالتهم قطعة من الحصَّة الأولى؛ وجعلها أصغر من الثَّانية، وتابع على هذا المنوال؛ حتَّى أكل الجبنة كلَّها أمام عيون القطَّتين، وبرضًى وغباء شديدين، وبعد ذلك ذهبت القطَّتان تجرَّان ذيول الخيبة والفشل، وفلتت الصَّيدة منهما، وأكلتها الثَّعالب!
فلا تسمحوا لهم أيُّها الشَّركاء السُّوريُّون بالتَّفرقة للقاضء بينكم والسِّيادة عليكم في هذا الوطن، وأهلَّا وسهلًا بنا جميعًا في سوريا دولةً للمواطنة والتَّشاركيَّة والتَّعدديَّة السِّياسيَّة والحزبيَّة، وكلُّ عربيٍّ حرٍّ وشريف هو مواطن سوريٌّ كامل الحقوق والواجبات في هذا الوطن؛ وكلُّ شيء غير ذلك لا يقبله أحرار سوريا أبدًا، وكلُّ كرديٍّ حرٍّ وشريف هو مواطن سوريٌّ كامل الحقوق والواجبات بشرط ألَّا تلعب إيران على عواطفه اللُّغويَّة والقوميَّة، وألَّا تلعب إسرائيل بإعداداته أو إعدادات غيره الانفصاليَّة؛ فلا يحقُّ لأيِّ سوريٍّ أن يكون شريكًا في الوطن ومضاربًا على وحدته ومصالحه في وقت واحد، ولا يرضى أحرار سوريا بشراكة المضاربين!
لا نريد لسوريا المستقبل أن تكون مسرحًا للأحزاب والدَّعوات الطَّائفيَّة؛ فلا حزب الله اللُّبنانيَّ كان حزبًا لله، بل قتل السُّوريِّين، وأجرم بحقِّهم تحت عنوان دينيٍّ أو طائفيٍّ خدَّاع، ولا حزب البعث خدم مصالح السُّوريِّين أو العرب، مع أنَّه نادى بالعروبة والوحدة والحرِّيَّة والاشتراكيَّة، ومن حقِّ كلِّ مواطن سوريٍّ عربيٍّ أو كرديٍّ أو تركمانيٍّ أو سريانيٍّ أو سنِّيٍّ أو علويٍّ أو إسماعيليٍّ أو ملحد أو غير ذلك أن ينضوي في أيِّ حزب أو يتزعَّمه بشرط ألَّا ينهض هذا الحزب على أسس طائفيَّة-دينيَّة أو عرقيَّة (عربيَّة أو كرديَّة أو غيرها)؛ أي بشرط أن ينشأ الحزب على أسس المواطنة المدنيَّة العادلة بعيد عن الشَّعارات الطَّائفيَّة أو العرقيَّة، الَّتي لا تجلب أحدًا غير المتعصِّبين الرِّعاع، وأجمل الأحزاب هي تلك الَّتي تضمُّ أطياف السُّوريِّين كلَّها، ويقودها مفكِّرون سوريُّون عظماء وقادة مخلصون شرفاء، يفرضون مطالبهم، وينتزعون مكاسبهم من أيِّ حكومة سوريَّة راهنة أو قادمة (بقوَّة الانتخاب الدِّيمقراطيِّ) أو (بشعبيِّتهم الجارفة)؛ أي يقدِّمون أنفسهم وأفكارهم للمواطن السُّوريِّ (من كلِّ الأطياف)؛ فينتخبهم السُّوريُّون، فيقول ساسة الحزب المنتخبون: نحن الحزب الفلانيُّ؛ وكتلتنا أكبر كتلة نيابيَّة أو برلمانيَّة، ونريد رئاسة مجلس الوزراء لحزبنا أو نريد الوزارة الفلانيَّة حتَّى يخدم حزبنا جمهوره العريض، وحتَّى يعطي حزبنا الثِّقة للحكومة القادمة، وإلَّا فنحن سنكون في صفوف المعارضة حتَّى انتهاء ولاية البرلمان الحاليَّة وإجراء الانتخاب القادمة؛ أمَّا أن تقول هذه العشيرة العربيَّة للقيادة السُّوريَّة الرَّاهنة: (نحن أكبر عشيرة) ونريد كذا وكذا قبل حصولها على شرعيَّتها ومشروعيَّة تمثيلها من صناديق الاقتراع فهذا كلام مرفوض جملة وتفصيلًا، وأسوأ من هذا أن يطلب مثل هذه المطالب شيخ بلحية في هذه المدينة نزولًا تحت دعوى خصوصيَّة المدينة، ويطالب بمثل هذه المكاسب سكَّان بقعة جغرافيَّة بدعوى غناها بالثَّروات أو خصوصيَّتها؛ فالمواطَنة السُّوريَّة الكاملة تتعارض تمامًا مع خصوصيَّة أيِّ شخص أو مدينة أو بقعة جغرافيَّة إلَّا خصوصيَّة شعبيَّة صناديق الاقتراع وشرعيَّتها؛ فإن أعطى السُّوريُّون أصواتهم لهذا الشَّخص أو منحوا هذا الحزب كتلة برلمانيَّة كبيرة أو فاز سكَّان تلك المنطقة بتمثيل برلمانيٍّ كبير فمرحبًا وأهلًا وسهلًا بهذه الخصوصيَّة، وسيضعها السُّوريُّون على الرَّأس والعين؛ شاء من شاء، وأبى من أبى، ولن يصحِّ إلَّا الصَّحيح وإن طال زمن المهاوشات والمناوشات والمهاترات.