الرأي العام

تفاصيل سورية | السلطة الجديدة والموقف منها

ما استلمته هذه التوليفة الجديدة للسلطة هو عبارة عن خرابة. لا دولة ولا هم يحزنون.

غسان المفلح – العربي القديم

قضيت عمري المعارض والكتابي كي اكتب مادة تحمل هذا العنوان. السلطة الجديدة في سورية. لكن رغم أن هذا الحلم لم يفارقني أبدا، أيضا لم أتوقع ان أكتب عن السلطة الجديدة والموقف منها. كان حلمي الأخير ربما في هذه الحياة التي لم تنفصل بها حياتي العامة عن تفاصيل حياتي الشخصية. يا إلهي لقد تجاوزنا الأسدية. بالنسبة لي لازلت تحت تأثير هذه النقلة الحلم. كان حلم الثورة التي انطلقت من سهل حوران حلمي الأول في هذه الحياة، ثورة أنا متأكد أن العالم سيعود إليها وإلى تفاصيلها، عندما تصير هي وسورية في حقل التاريخ العادي، التاريخ الذي لم نصله بعد، بفعل التداخلات السياسية والمصلحية الخطيرة التي لاتزال تعيشها سوريتنا. عندما تنجو سيبدأ كتابة تاريخها الحقيقي والفعلي. سيكتب عنها أكاديميا، وسيكتب عنها للدراما، سيكتب عنها غضبا منها وإنصافا لها. رغم ضخامة الحدث، رغم أننا في مرحلة لكل كلمة يمكن أن يكون لها تأثيرها السلبي أو الإيجابي. المعنى أنه يجب أن تحسب حسابات كثيرة في مرحلة بناء الجمهورية السورية الثالثة. رغم هذه المحاذير سأحاول ان أقول الحقيقة عما سأكتبه هنا.


– من حيث هذه النقلة رغم معارضتي الشديدة لتنظيم جبهة النصرة منذ لحظة الإعلان عنه وكتبت عن أسباب معارضتي لها العديدة من المواد. إلا أنني كنت الوحيد من بين كل نخب المعارضة السورية الذي كان يتبنى ويدافع رغم معارضتي لها بشدة، أنها محمية من أمريكا. ربما هذه المقدمة الصغيرة فيها محاباة للذات قليلا لكنني أكتب لأجيال قادمة. هذا ما جعلني في سياق هذا الدفاع عما كنت مقتنعا به، أن ألاحق كل تفصيل يخص هذا التنظيم وتحولاته. ومصادر تمويله وكل ما يتعلق به. كنت أتابع تفاصيل حكمها لمدينة إدلب. أيضا كنت أؤكد ان هذه الحماية الامريكية والتمويل يجعلها في موقع المستقلة عن السياسة التركية. وعن أية سياسة أخرى متدخلة بالشأن السوري. أيضا اتضح ذلك بصفقة المدن الأربعة. تركيا لم تكن تريد هذه الصفقة التي تمت بين النصرة وإيران بوساطة قطرية. ولا حتى الفصائل المقربة من تركيا.

لابد هنا من التذكير بموقف الصديق جورج صبرا المدافع عن جبهة النصرة بعد تأسيسها بفترة، وكم تعرض لهجوم من اجله، وكنت من بين المنتقدين له في هذا الموقف. ثم موقف الراحل ميشيل كيلو أيضا مدافعا عنها. هذا الأمر لفت نظري في الواقع، لأنني أيضا انتقدت موقف كيلو. حاولت عبر حوار مكتوب مع الراحل لازلت احتفظ به، ولم أنشره بناء على أسباب لست بصدد الحديث عنها. لكن فحوى الحوار كان من أجل معرفة تفاصيل موقف الراحل من جبهة النصرة.
تابعت فتاوي داعش بهدر دم الجولاني. والتحول الذي بدأ يفصح عنه في شق حركة الجهاد العالمية التي كان يتزعمها تنظيم القاعدة، وفروعه في العالم. هذا التحول جعله بداية جهاديا سوريا. في إطار هذه اللمحة المختصرة عن موقفي من التنظيم، رغم ذلك تفاجأت بما حدث، لكن ما خفف من حدة المفاجأة هو معرفتي بالموقف الأمريكي من هذا التنظيم وربما دوره في هذه التحولات. من تنظيم ملثمين يرفع الراية السوداء للجهاد العالمي لتنظيم سوري يرفع علم الثورة. تنظيم لم يكن له عضوا واحدا خارج سورية. وأدار إدلب باقتدار اقتصادي وسياسي رغم كثرة الأعداء حوله. الاعتراف بهذه الوقائع لا علاقة له بالموقف من هذه السلطة.

هذه التحولات على التنظيم حتى وصلنا لهيئة تحرير الشام، كان لها أثر واضح من خلال تعامل التنظيم اللوحة السورية عموما وإدلب خصوصا ومعه الشمال السوري كله. لم تشتبك مع قوات قسد ولا لمرة واحدة مثلا. لم تشارك الفصائل الأخرى بهذا القتال الدامي المستمر.
– جاءت إلى السلطة ليس مهما كيف؟ المهم أنها كانت اليد التي حررت البلد من الأسد. والأهم أيضا هو ما تركته من انطباع في اذهان السوريين. في هذه النقلة الضخمة في تاريخ سورية والمنطقة عموما. يختصرها بعض مناصريها “الجولاني حرر والشرع يقود”. هذا ليس مهما في أذهان النخب المؤيدة للسلطة أو المعارضة، المهم كيف استقبلها الشارع السوري؟ هذا ما أهمله الكثير من النخب السورية التقليدية والحديثة! بدأت تحاكم الوضع واخذت موقفها بناء على انحيازاتها الخاصة. دون الالتفات للشارع السوري. كأن الموضوع لا يعنيهم. ما يعنيهم انحيازاتهم المسبقة. رغم ذلك ما استلمته هذه التوليفة الجديدة للسلطة هو عبارة عن خرابة. لا دولة ولا هم يحزنون. لدى طاقمها الأول خبرة في إدارة مدينة واحدة وبعض ريفها. هل هذا كاف لإدارة بلد كسورية؟ بالتأكيد لا يكفي، وبالتأكيد هذه البلد التركة الخرابة، تحتاج إلى حكم انتقالي يمتاز بخاصيتين:
الأولى: رجالات تكنوقراط خبراء نسبيا بالمرحلة الانتقالية ومتطلباتها، وخبراء في وضع البلد الاقتصادي والمالي والسياسي من جهة، ومن جهة أخرى خبراء في المحاولة خلال ذلك على تلبية حاجات الناس اليومية بالحد الذي لا يسبب بمزيد من الإفلاس المالي.

الثانية: يمثلون كل المكونات السورية من جهة ومن جهة أخرى التمثيل يجب ان يترافق مع الكفاءة فقط. لا مع الوزن السياسي، ولا مع المساحة الأيديولوجية التي تغزو البلد الآن.

من جهتي أحسد من سارع لاتخاذ موقف نهائي من هذه السلطة الجديدة خلال أيام! ربما منذ اليوم الأول هنالك من اتخذ موقفاً سلبياً أو إيجابياً. ومن جهتي أيضا اكتشفت أن موقفي السابق الذي نوهت في المقدمة عنه من المحررين، حاولت ألا يؤثر علي في الموقف من السلطة. لو تركته للحظة يؤثر علي لكنت اتخذت موقفاً رافضاً لها جملة وتفصيلا. آخذاً بعين الاعتبار عدة عوامل منها: وضع البلد بعد هروب الواطي، رجال هذه السلطة هم من حرروا البلد من الابد. انتشار السلاح في البلد والخطورة على السلم الأهلي. الموقف الأمريكي والاوروبي عموما من هذا الحدث وممن قاموا به، خاصة بعد رفع اسم السيد احمد الشرع من قائمة المطلوبين ثم رفع العقوبات الأمريكية لمدة ستة أشهر. أخيرا موقف الفضاء السياسي والايديولوجي والطائفي لبقايا الاسدية من هذه السلطة، كان موقفا ثأرياُ رغم عدم امتلاكهم للقوة، ماذا لو امتلكوا القوة من جديد ماذا سيفعلون بالشعب السوري عندها؟ إضافة لطريقة تعامل السلطة الجديدة مع عنوان السلم الأهلي.

 هذا أبدا لا يلغي مراقبتي الحثيثة لسلوكها وتسمية السلبي بشكل صريح وواضح. وتثمين الإيجابي. كمرحلة مؤقتة حتى تتضح نهائيا توجهاتها في إدارة المرحلة الانتقالية التي لم تبدأ بعد. باختصار مع وضد حتى حين… وللحديث بقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى