الرأي العام

بعض من نتائج الثَّورة السُّوريَّة والرَّبيع العربيُّ في آذار

أزاح انتصار الثَّورة السُّوريَّة المباركة السَّتار عن ظُلمات الدَّولة الطَّائفيَّة الأمنيَّة القمعيَّة العميقة في سوريا برغم غشاوات حماية الأقلِّيَّات

د. مهنا بلال الرشيد – العربي القديم

تزامنت بداية شهر رمضان المبارك 1446 هجريَّة مع بداية شهر آذار-مارس 2025 ميلاديَّة، ونبارك باسم موقع العربيِّ القديم للسُّوريِّين صومهم المتميِّز هذا العام؛ لتزامنه مع آذار (شهر الثَّورة السُّوريَّة المباركة)، ولمجيئه بعد ثلاثة أشهر تقريبًا من تحرير سوريا وخلاصها من عصابة الأسد المجرمة بعد نصف قرن تقريبًا حكمها الطَّائفيِّ المقيت. وقد بدأ المجرم الطَّائفيُّ حافظ الأسد اليوم الأوَّل من حكمه بظلم الشَّعب السُّوريِّ بالانقلاب على السُّلطة الشَّرعيَّة قبله، وورَّث الحكمَ مِن بعده لابنه المجرم الطَّائفيِّ المخلوع بشَّار الأسد، وانتهى حكم العصابة المجرمة بانتصار ثورة آذار الشَّعبيَّة المباركة بعد ثلاث عشرة سنة من انطلاقتها ضدَّ حكمِ الوريث في آذار-مارس 2011. واستبدَّ هذان المجرمان بالشَّعب السُّوريِّ خلال نصف قرن من الطَّائفيَّة الممنهجة والجريمة المنظَّمة ضدَّ أبناء سوريا منذ انقلاب حافظ الأسد على السُّلطة الشَّرعيَّة قبله في 16 تشرين الثَّاني-نوفمبر 1970 وحتَّى سقوط وريثه المخلوع في 8 كانون الأوَّل-ديسمبر 2024، ولم يترك هذان المجرمان للجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة والقوى السِّياسيَّة الغضَّة أو الناشئة فيها أن تأخذ مسار تطوُّرها الطَّبيعيِّ خلال رُبع القرن الأوَّل من التَّنافس على السُّلطة بين القوى النَّاشئة فيها منذ استقلال سوريا عن فرنسا في 17 نيسان-أبريل 1946 مرورًا بنكسة الخامس من حزيران-يونيو 1967؛ تلك النَّكسة الَّتي كان المجرم حافظ الأسد عرَّابها ووزير دفاعها، وبدلًا من محاكمته على صناعة الهزيمة سُمِح له بالانقلاب على السُّلطة الشَّرعيَّة قبله في 16 تشرين الثَّاني-نوفمبر1970، كما سُمِح له بتوريث السُّلطة من بعده  لابنه المخلوع سنة 2000؛ ليواصل جرائم والده واستبداده من بعده حتَّى انتصار الثَّورة السُّوريَّة المباركة وخلعِه عن كرسيِّ الحكم في 8 كانون الأوَّل-ديسمبر 2024.

وقفة مع ثورات الرَّبيع العربيِّ

في منتصف آذار-مارس 2011 انطلقت الثَّورة السُّوريَّة المباركة ضدَّ الحكم الطَّائفيِّ لعائلة الأسد المجرمة في امتداد طبيعيٍّ لثورات الرَّبيع العربيِّ، الَّتي بدأت بثورة في تونس بعدما أضرم محمَّد البوعزيزي النَّار في نفسه في 17 كانون الأوَّل-نوفمبر 2010، وأطاحت الثَّورة بحكم الرَّئيس التُّونسيِّ زين العابدين بن علي في 14 كانون الثَّاني-يناير 2011، وتمدَّدت الاحتجاجات الشَّعبيَّة على الأوضاع المعيشيَّة الممزوجة بالمطالب السِّياسيَّة في كثير من الدُّول العربيَّة، وتحوَّلت إلى ثورات متشابهة من حيث المطالب والنَّشأة لكنَّها مختلفة من حيث التَّطوُّرات والنَّتائج، إلى أن أطاحت ثورة الرَّبيع العربيِّ بالرَّئيس المصريِّ الأسبق محمَّد حسني مبارك في 11 شباط-فبراير 2011، وأنهت حكم الرَّئيس اللِّيبيِّ معمَّر القذَّافي بعد قتله في 20 تشرين الأوَّل-أكتوبر 2011، وأزاحت الرَّئيس اليمنيِّ علي عبد الله صالح في 27 شباط-فبراير 2012. ومن ناحية ثانية لم يدم حكم الرَّئيس المصريِّ السَّابق محمَّد مرسي إلَّا سنة واحدة بين 30 يونيو 2012 و3 يوليو 2013، ووصل بعده إلى الحكم رئيس مصر الحاليُّ عبد الفتَّاح السِّيسيِّ؛ ومن هنا يمكن الرَّبط بين سُرعة المنجز الثَّوريِّ وسرعة زوال الحكم الأوَّل الَّذي أنتجته الثَّورة في الحالة المصريَّة والاستقرار طويل الأمد والمأمول على مستوى الإقليم بعد انتصار الثَّورة السُّوريَّة طويلة الأمد؛ لأنَّ السُّوريِّين ظلُّوا يقدِّمون التَّضحيات أرواحًا ودماءً ونزوحًا وتهجيرًا وسجنًا وتعذيبًا خلال ثورتهم المستمرَّة على مدار ثلاث عشرة سنة بين 15 آذار-مارس 2011 و8 تشرين الأوَّل نوفمبر 2024، ولم يفلح استخدام المجرم المخلوع بشَّار الأسد جميع أنواع الأسلحة ضدَّ الثَّائرين السُّوريِّين بإخماد ثورتهم، بل على العكس من ذلك ذات نشاط الثَّورة وضراوتها وإن أطال أمدها، ولكنَّه مع ذلك غربل المواقف الدُّوليَّة والإقليميَّة، وتخلَّصت الثَّورة من أعدائها في سوريا ولبنان، ومن بعض أذناب المجرم المخلوع في العراق وإيران ممَّا سيجعل الاستقرار الإقليميَّ طويل الأمد واحدًا من أبرز نتائجها في المستقبل. أمَّا الجزائر فقد تدهورت فيها صحَّة رئيسها السَّابق عبد العزيز بوقفليقة بعد سنوات من الاحتجاجات الشَّعبيَّة الأولى ضدَّ حكمه، ثمَّ أعلن عن استقالته في 2 نيسان-أبريل 2019.  

جرائم حزب الله ضد الشَّعب السُّوريِّ الثَّائر

تطوَّرت الاحتجاجات الشَّعبيَّة في لبنان بعد انطلاقتها الأولى في أواخر شباط-فبراير 2011، وطالب المتظاهرون في مطلع آذار-مارس 2011 بإنهاء رموز الحكم الطَّائفيِّ والمحاصصة السِّياسيَّة بوصفها نتيجة من نتائج الحرب الأهليَّة السَّابقة فيها بين 1975-1990، وكشفت شعارات المظاهرات عن رغبة اللبنانيين بالخلاص من رموز الحكم السَّابقين، الَّذين أسهموا بتدهور الأوضاع الاجتماعيَّة كلِّها تحت شعار: (كلُّن يعني كلُّن)، وبسبب الأدلجة الإعلاميَّة الممنهجة في إعلام (المقاومة والممانعة في سوريا ولبنان ومن والاهم من المحطَّات الفضائيَّة المستقلَّة كالجزيرة)، ارتبط حزب الله بمفهوم المقاومة أو البطولة في أذهان بعض المؤدلجين، وتكرَّست صورة رئيسه السَّابق حسن نصر الله المرتبطة بصورة البطل المقاوم بعد حرب تمُّوز-يوليو 2006، وعادت هذه المعزوفة المقيتة إلى الواجهة على قناة الجزيرة وإعلام المقاومة في السَّنوات الأخيرة من الثَّورة السُّوريَّة المباركة وقُبيل انتصارها. وبسبب تأثير الأيديولوجيا الإعلاميَّة لم يتوقَّع كثير من السُّوريِّين أن يُضيع حزب الله ورئيسه السَّابق حسن نصر الله البوصلة؛ ليبحثوا عن طريق القدس في القصير وحمص وحلب مع أنَّ القدس الشَّريف لا يبعد عنهم وعن مقاومتهم المزعومة غير مرمى حجر أو حجرين، وانخرط حسن نصر الله وجنوده مع المجرم المخلوع بشَّار الأسد ضدَّ الشَّعب الثُّوريِّ الثَّائر، وأوغلوا في دماء المدنيِّين السًّوريِّين الأبرياء بدءًا من معركة القصير وما بعدها  في 19 أيَّار-مايو 2013، لكنَّ علاقة حزب الله العضويَّة بملفِّ إيران النَّوويِّ دفع إسرائيل لاغتيال رئيسه السَّابق حسن نصر الله  وإنهاء دوره الوظيفيِّ المشترك بين إيران وإسرائيل في 27 أيلول-سبتمبر 2024، وقد فرح أحرار سوريا بنهاية المجرمين الَّذين اقترفوا ضدَّهم أفظع الجرائم الطَّائفيَّة الممنهجة، وتقنَّعوا بستار المقاومة المزعومة؛ ولهذا كلِّه ستكون نتائج الثَّورة السُّوريَّة المباركة على القدر المأمول منها وعلى الصُّعد المحلِّيَّة والإقليميَّة والدُّوليَّة.

بعض من نتائج الثَّورة السُّوريَّة المباركة

انتصرت ثورة السُّوريِّين المباركة في 8 كانون الأوَّل-ديسمبر 2024، وبعد مراقبة سلوك المنتصرين خلال المعركة وفي خواتيمها سارع الأشقَّاء العرب والجيران الإقليميِّين إلى مباركة انتصار السُّوريِّين الثَّائرين، واعترفوا بسلطتهم، ودعموهم، وتبعهم بهذه الخطوة كثير من الدُّول الإقليميَّة مع المجتمع الدُّوليِّ. ويبدو أنَّ حديث الرَّئيس أحمد الشَّرع قد لامس قناعات الأشقَّاء العرب حين تكلَّم على أمنٍ قوميٍّ طويل الأمد سينعم به العرب والخليج العربيُّ والمجتمع الدُّوليُّ بعد تجريدهم إيران من أوراق (مقاومتها-تفاوضها) في سوريا ولبنان فلسطين (بشَّار ونصر الله وحماس) منذ انتصار الثَّورة السُّوريَّة المباركة، وتوافقت قراءة الرَّئيس الشَّرع هذه مع قراءات الأشقَّاء العرب الجيوسياسيَّة لخريطة النُّفوذ في المنطقة؛ ومن هنا تحدَّدت زيارتا الرَّئيس الشَّرع إلى السُّعوديَّة ثمَّ تركيا في مستهلِّ تسلمُّه رئاسة سوريا في المرحلة الانتقاليَّة الرَّاهنة والحسَّاسة جدًّا.

زار الرَّئيس الشَّرع أشقَّاء سوريا العرب وجيرانها الإقليميِّين، وحطَّ وزير خارجيَّة سوريا أسعد الشَّيباني في أكثر من محطَّة إقليميَّة ودوليَّة، وفي الوقت نفسه كان وزراء حكومة الإنقاذ والتَّحرير الانتقاليَّة يعملون على قدم وساق في وزاراتهم في ثلاثة الأشهر الأولى من عُمر حكومتهم، وخلال عملهم الدَّؤوب هذا اكتشفوا كثيرًا من أسرار الفساد والجرائم الطَّائفيَّة الممنهجة في (دولة البعث أو مزرعة الأسد الطَّائفيَّة)، وعلى سبيل المثال لم يكن هناك أيُّ مجال للمقارنة بين عدد الضُّبَّاط الأمراء المعيَّنين لأسباب طائفيَّة في كلٍّ من الجيش ووزارة الدَّاخليَّة في عهد المخلوع، كما عكست أعداد الموظَّفين في السِّلك الدِّبلوماسيِّ والإعلام والمواقع الحكوميَّة الحسَّاسة والأقلِّ حساسيَّة منها طائفيَّةً عميقة ومقيتة وممنهجة لدى المجرمين حافظ الأسد وابنه المخلوع بشَّار خلال نصف قرن من الزَّمن، وأزاح انتصار الثَّورة السُّوريَّة المباركة السَّتار عن ظُلمات الدَّولة الطَّائفيَّة الأمنيَّة القمعيَّة العميقة في سوريا برغم غشاوات حماية الأقلِّيَّات الرَّقيقة الَّتي تقنَّع بها المجرم بشَّار الأسد وبقايا فلوله في الإعلام والدّراما ومَن تأثَّروا بالأيديولوجيا الطَّائفيَّة بشكل أو بآخر خلال نشأتهم في أحضان البعث؛ ومن هنا لا نستغرب بعض الدَّعوات والنَّعرات والمطالب ببعض الامتيازات الطَّائفيَّة، الَّتي تتكشَّف لدى هذا أو ذاك ممَّن يُفترض فيهم أن يكونوا مصلحين دينيِّين أو حُكماء اجتماعيِّين أو مناضلين يؤمنون بالمواطنة العادلة والمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين أفراد الوطن جميعهم وليس بأيِّ شيء آخر سواها، وقد لفتت هذه النَّعرات الطَّائفيَّة الانتباه إلى ضرورة بناء الجيش السُّوريِّ الجديد ودوائر الأمن والدِّبلوماسيَّة والإعلام والتَّعليم على أسس الوطنيَّة الحقَّة بعيدًا عن أيِّ محاصصة أو امتيازات طائفيَّة، ما زال أشقَّاؤنا اللُّبنانيُّون للخلاص من بعض تبعاتها الَّتي كرَّسوها سابقًا دون جدوى.

وكذلك كشفت الثَّورة السُّوريَّة المباركة الأثر العميق للتَّعليم الابتدائيِّ والإعداديِّ والثَّانويِّ مع التَّعليم الجامعيِّ في أدلجة الشَّعب أو صناعة الأيديولوجيا، وقد تسلَّلت بعض أفكار البعث وعائلة الأسد المجرمة وأفكارهم الطَّائفيَّة المقيتة إلى وعي بعض رجال الدِّين وبعض القادة المحسوبين على الثَّورة. أمَّا الصَّحافة والإعلام والدَّراما والفنُّ والغناء فعلاقتها بصناعة الأيديولوجيا أكثر التصاقًا من المجالات الأخرى؛ لذلك لم يستوعب يعض فنَّاني المجرم المخلوع وإعلاميِّيه صدمة زوال وليِّ نعمتهم، وقد ظلَّ بعضهم يمارس التَّشبيح حتَّى وقتنا الرَّاهن لسبب أو آخر، ولم يتلقَّف بعضهم انفتاح السُّلطة الرَّاهنة على أطياف الشَّعب السُّوريِّ وفئاته كلِّها ما عدا مَن تلطَّخت أيديهم بالدِّماء، وبسبب قوَّة تأثير الأيديولوجيا في نفوس المقرَّبين السَّابقين من السُّلطة المجرمة القديمة فوَّتوا فرصة اندماجهم مجدَّدًا بين السُّوريِّين الأحرار من خلال المشاركة بمؤتمر الحوار الوطنيِّ أو دعم مخرجاته، وبدا ههنا الوعي المتميِّز لدى الَّذين اعتذروا من الشَّعب السُّوريِّ عن موالاتهم أو تأييدهم القديم للمجرم المخلوع بسبب سوء تقديرهم الموقف منهم منتظرين مرور بعض الوقت حتَّى يندمجوا مجدَّدًا مع النَّاس المؤمنين بقيم الثَّورة ومخرجاتها. وكذلك يبدو موقف الصَّامتين أفضل بكثير مِن موقف مَن يبوح بتصريحات سلبيَّة تكشف عن تأثير أيديولوجيا النَّظام المخلوع في نفسه وقربه الشَّديد من ذلك النِّظام البائد.

بعد هذا العرض ندرك شيئًا من الأسباب الَّتي تدفع المواطن الإسرائيليِّ عزمي بشارة إلى التَّشبُّث بهيمنته على كثير من مواقع الصَّحافة العربيَّة والإعلام النَّاطق بالعربيَّة في كلٍّ من تلفزيون سوريا وتلفزيون العربيِّ المملوكين له، ونتفهَّم أسباب افتتاحه القناة الثَّانية في تلفزيون سوريا؛ ليمدَّ مزيدًا من أذرعه بين صُنَّاع الفنِّ والدَّراما بعد نفوذه الكبير بين الإعلاميِّين والصَّحفيِّين؛ لأنَّه يريد ومن خلال الإعلام والفنِّ والصَّحافة والدَّراما صناعة الأيديولوجيا الجديدة، الَّتي تسدُّ مكان نظام المجرم المخلوع بعد زواله، ولولا طول أمد الثَّورة السُّوريَّة لم يكن عزمي بشارة لينكشف مع جنوده، ولم يكن ليحلم مع غيره باستقطاب العاملين معه وتحت نفوذه من الطَّامعين بأمواله؛ لكنَّنا-نحن السُّوريِّين-ولأنَّ خمسين سنة من صناعة الأيديولوجيا الأسديَّة لم تفلح في بقاء حكم المخلوع نؤمن بأنَّ سعي عزمي بشارة وزبانيته لن يستقطب لهم إلَّا بعض الطَّامعين بكسب الأموال والعاجزين عن قيادة المجتمع وتوجيهه، وإن تقنَّع بعضهم بقناع المؤثِّر، أو لبس كثير منهم لَبوس الفنَّان الواعي أو قائد الفكر في مجتمع، ويلخِّص التَّطواف في هذا المقال مجموعة من النَّقاط  الحسَّاسة، والمكاسب المهمَّة، الَّتي كشفها وحقَّقها طول الأمد في الثَّورة السُّوريَّة المباركة؛ وما كنَّا لندركها أو نفهم أبعادها لولا هذا النَّصر الكبير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى