الرأي العام

بصمات | هل نحن شعب مهيأ للحرية؟

أنا لا أعرف كيف يجلس الثوار مع الشبيحة في مؤتمرات الحوار الوطني؟ وكيف يمكن لشبيحة أن يمثلوا سورية ما بعد سقوط الأسد؟

د. علي حافظ – العربي القديم

حصلت سورية على حريتها بعد نصف قرن من القمع والاستبداد والإجرام؛ لكن يبدو أن الناس هناك غير قادرين على التمتع بهذه الحرية.. إنهم ما زالوا مقيدين بصفات سلبية ورثوها عن النظام البائد؛ كـ: التحربن، والتكويع، ومسح الجوخ، والتزلف، والاستغلال، والارتزاق، والسرقة، والعطالة، والفوضى، وعدم المسؤولية… هذه الأشياء هي سيدة الموقف الآن في سورية؛ دون أن ننسى أيضًا الخضوع غير المبرر والمرض بعبادة الفرد والشخصية، والتعصب الطائفي والمناطقي، والشوفينية القومية والعرقية… هذا الأمر قد يبدو طبيعيًا، كحال الذي يخرج من العتمة بعد حبسه مدة طويلة ويتعثر في أول خطواته!

يبدو أن هؤلاء الناس لا يستطيعون العيش حقًا مع أولئك الذين حرروهم، والذين يحبونهم ويرغبون في العيش معهم حياة كريمة بكنف سورية الحرة الجديدة الموحدة!

إن الاختلاف في الرأي، ومعارضة أي نظام أو حكم هو أمر مشروع وضروري ومفروغ منه؛ لكن هذا يستوجب حضور شخصيات معارضة معرفية نزيهة وثورية تمتلك الكاريزما اللازمة، وتبتعد عن أوامر الشرائع الباطنية، وتدرك كليًا بأن سقوط عصابات الأسد أصبح حقيقة وواقعًا… يجب إقصاء الشبيحة والمجرمين والمحرضين على سفك الدم السوري عن المشهد كليًا؛ وإفساح المجال للطاقات والإمكانات والكوادر الجديدة. فأنا لا أعرف كيف يجلس الثوار مع الشبيحة في مؤتمرات الحوار الوطني؟ وكيف يمكن لشبيحة أن يمثلوا سورية ما بعد سقوط الأسد؟ وكيف يُسمح للشبيحة بشغل مناصب في أجهزة الدولة ومؤسساتها ودوائرها؟

يبدو أن المطاف بالإنسان الثوري المضحي سينتهي بألا يعرف ماذا يفعل؟ وكيف يعيش ويتفاعل ضمن التركيبة السلطوية الحالية؟

هناك نوع سخيف من الخضوع الذي يصاب به المرء، ويجعله غير قادر على التحرر وتحمل مسؤولية حريته. وبالتالي يحتاج لوقت طويل حتى يدرك عمق هذا الشعور المهيب والمدهش. لكن، أيها الخارج من الظلم والظلام توقف للحظة من فضلك.. “توقف عن أكل نفسك. ستمضي الأمور إلى حيث من المفترض لها أن تمضي، إذا تركتها تسير في مجراها الطبيعي”  -كما يقول الكاتب الياباني هاروكي موراكامي – فالحياة في سورية اليوم قاسية جدًا، ومريرة ومرهقة للغاية، لدرجة أنها لا تسمح بتحمل قيود وتعقيدات وأمراض إضافية.

أيها السوري، بغض النظر عن مدى سوء الأمور واختلالها، أنت تستحق نظامًا أفضل. لكن أين يمكنك أن تجد هذا النظام العتيد المستعد لإنجاح الأمور رغم كل الصعوبات والعوائق الحالية، والذي سيقدرك حقًا ويقاتل من أجلك ويدافع عنك بما فيه الكفاية.. أيها السوري تواضع قليلًا ولا تعتبر نفسك محور الوطن وبدونك لن يكون.. تذكر أن “‏كل إنسان هو عبقري بشكل أو بأخر.. المشكلة أننا نحكم على الجميع من خلال مقياس واحد، فمثلًا لو قيّمنا سمكة من خلال مهاراتها في تسلق شجرة ستمضي السمكة بقية حياتها معتقدة أنها غبية” – كما يؤكد ألبرت أينشتاين!

هناك أشياء يجب رفضها دائمًا بغض النظر عن عمرك ومدى تعلمك ووسع ثقافتك: الإجرام، الطغيان، الاستبداد، التنكيل، الظلم، القهر، العار…

لا تفكر بعقلية الجموع التشبيحية التي نومت مغناطيسًيا الوحش في داخلها؛ وحش القتل والفوضى والتخريب والنهب.. لا تهتم بالقشور فحسب، ولا تهبط الى أدنى مستوى من وضاعة الفكر والأخلاق والوعي…

قد يكون النصر الذي تحقق في سورية هو نوع من المخاطرة؛ ومع ذلك فـ “الضحك يعني المخاطرة بالظهور بمظهر الأحمق، والبكاء يعني المخاطرة بالظهور بمظهر العاطفي. والتواصل مع الآخرين يعني المخاطرة بالتورط، وكشف المشاعر يعني المخاطرة بكشف حقيقتك. ووضع أفكارك وأحلامك أمام حشد من الناس يعني المخاطرة بفقدانها. والحب يعني المخاطرة بعدم الحصول على الحب في المقابل، والعيش يعني المخاطرة بالموت، والأمل يعني المخاطرة باليأس، والمحاولة تعني المخاطرة بالفشل. ولكن يجب المخاطرة لأن أعظم مخاطرة في الحياة هي عدم المخاطرة بأي شيء. فالشخص الذي لا يخاطر بأي شيء، ولا يفعل أي شيء، ولا يملك أي شيء، هو لا شيء. وقد يتجنب المعاناة والحزن، ولكنه لا يستطيع أن يتعلم أو يشعر أو يتغير أو ينمو أو يعيش. فهو عبد مقيد بعبوديته فقد كل حريته. والشخص الذي يخاطر هو الوحيد الحر!” – كما تقول ليو بوسكاليا في كتابها “العيش والحب والتعلم”!

أيها السوري “الحرية ليست رخصة لفعل ما يحلو لنا، بل هي حق طبيعي لكل إنسان، وهي أساس الكرامة الإنسانية” – حسبما يؤكد جون لوك – لذلك، يكبر الوطن ببعض الناس، ويصغر كثيرًا ببعضهم الآخر؛ فكن من أولئك الذين يكبر الوطن فيهم ومن خلالهم؛ ويصعد إلى السماء.

انظر إلى الجانب المشرق من الثورة واجعل أهدافها أهدافك؛ حتى لو لم يعترف بها الأوصياء الجدد وتنكروا لها.. اِنسى أخطاء الماضي، واِمضي قدمًا نحو المساهمة في بناء مستقبلنا المشترك.. فكر في الأفضل فقط، واعمل من أجل سورية العظيمة كما تعمل من أجل نفسك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى