المقال | حين أصبح عدد السوريين فجأة 100 مليون!
العربي القديم – محمد منصور
فأجاني صديقي عدنان عبد الرزاق، الذي يخفي خلف تجهّمه روحاً ساخرة فَكِهة، عندما سألني: كم عدد سكان سورية؟!
فما أعرفه أن أبا آداد، السوري حتى النخاع، هو آخر مَن يمكن أن يجهل عدد سكان سورية، وهو البارع في تحليلاته الاقتصادية التي لا بدّ أن تستند إلى أرقام، ولعلّ أبسط تلك الأرقام عدد سكان البلاد، لمَا لذلك من أثر، أو ارتباط بكل جوانب المجتمع والاقتصاد، وقضايا سوق العمل والبطالة، وما سوى ذلك!
لكنّ أبا آداد أردف قائلاً: صرنا 100 مليون ما هيك؟!
ولم يكن الأمر بحاجة لمزيد من التعجب والاندهاش، فالسوريون نقصوا ولم يزدادوا، وشهداء الثورة الذين قتلهم نظام الأسد في معتقلاته تحت التعذيب، أو في قصف طائراته وبراميله، ثم طائرات الغزو الروسي والمليشيات الإيرانية حزب الله الإرهابي، أو الذين نشر قيصر صورهم الـ 55 ألفاً، بعد انشقاقه عام 2013، وهي حصيلة عامين فقط، بعد اندلاع الثورة التي بلغت اليوم (14) عاماً، أو الذين أُحرقت جثثهم في محارق سجن صيدنايا، الذين تحدّثت عنها الولايات المتحدة في أيار من عام 2017، متهمة نظام الأسد بإقامة محرقة جثث، داخل سجن صيدنايا، أحرق فيها آلاف الجثث لسجناء قتلوا فيه، خلال السنوات القليلة الماضية، أو الذين غرقوا في البحر، أثناء رحلة اللجوء غير الشرعي إلى أوروبا؛ هرباً من جحيم نظام الأسد ومعتقلاته وسجونه… هؤلاء يزيد عددهم التقديري على مليوني شهيد، من أصل 25 مليوناً، هو تعداد سكان سوريا. ناهيك عن قتلى النظام، وشلال نزيف الطائفة العلوية التي وقفت – في معظمها – في صف النظام وقاتلت من أجل بقائه؛ لأسباب ليس الآن مجال ذكرها، والتي كانت تُظِهر الصور كيف تستقبل قرى ومحافظات الساحل جثث أبنائها من الجنود والقتلى.
وكانت المرة الأخيرة التي أعلنت فيها الأمم المتحدة أعداد القتلى في سوريا، في يوليو من عام 2014، بعد جمع ومقاطعة معلومات ست إحصائيات مختلفة، وذكرت آنذاك أن عددهم تخطّى الـ100 ألف شخص، ثم أعلنت توقّفها عن عدّ القتلى؛ بحجّة عدم قدرتها على الوصول إلى أرقام دقيقة لدى كل الأطراف.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار، حالات الوفاة الطبيعية الشائعة في كل زمان ومكان، وانخفاض معدلات الولادات، والنمو السكاني الذي تأثّر؛ بسبب ظروف الهجرة والتشرّد، وارتفاع نِسب الطلاق في أجواء الحرب، وما كرّسه من تباعد واختلال اجتماعي، وبقاء قسم من السكان، داخل الأراضي السورية في مناطق السيطرة المختلفة، لأمكن لنا أن نستنتج بالعقل والمنطق، أن عدد سكان سورية قد تناقص ولم يزدد، إلا في تصريحات المسؤولين في دول الجوار السوري، وباقي الدول العربية عموماً، التي ضاقت ذرعاً بالسوريين الأحرار الهاربين من جحيم البطش، والقمع والقتل والسجون، والباحثين عن فسحة أمان، وحياة وتعليم لأبنائهم، في عالَم مازال بإمكانه أن يطبّع، ويفكر بإعادة تأهيل أبشع الديكتاتوريات وأقذرها؛ بحجّة حقن الدماء التي تسبّبت تلك الديكتاتوريات بإسالتها بالظلم والعدوان والتعدّي، فصارت الجريمة هي في الضحايا الذين لم يعد بإمكانهم، أن يسكتوا على هدر الكرامة، وسحق الإنسانية، لا في المجرم الذي يبطش، ويقصف ويدمر ويهجر ويشرّد، ويعتقل تعسفياً خارج أي قانون، ويقتل تحت التعذيب بلا محاسبة، ولا خوف من عقاب!
وأعود إلى صديقي عدنان عبد الرزاق الذي يصرّ أن عدد السوريين بات يقترب من 100 مليون، مستنداً بذلك إلى تصريحات مسؤولي الدول التي تستضيف لاجئين على أراضيها، وآخرها تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري في بروكسل، الذي ضرب عدد اللاجئين السوريين المقيمين في أرض الكنانة بعشرة، فأصبح المائة وخمسون ألفاً، مليوناً ونصف المليون!
ولا ننسى قبلها التصريحات اللبنانية، التي زعم أصحابها من المسؤولين المذعورين على فرادة التركيبة اللبنانية، من تحوّل لبنان إلى وطن بديل، وإن عدد النازحين السوريين في لبنان تجاوز المليونين، وإن ثلث عدد السكان في لبنان بات من السوريين الذين لا يعرفون ما هو الشوكولامو!
ولم يكن نشامى الأردن بأفضل حالاً، فقد تحرّروا على طول العهد، من شعارات النخوة والحمية، وضيافة الأشقاء التي تحلّوا بها في بداية الثورة، وقرّروا أن يجاروا القريب والبعيد، في مضاعفة عدد اللاجئين لديهم ورفعها، فتركيا ليست أفضل منهم والخمسة ملايين سوري الذين يسرحون ويمرحون على الأراضي التركية، ليسوا بأقلَّ ثقلاً، ممّا لديهم قياساً إلى المساحة، ونسبة عدد السكان، وهكذا أصبح نصف مليون سوري على الأراضي الأردنية مليوناً ونصف المليون ويزيد!
ناهيك عن الملايين الذين يتضاعف عددهم في تصريحات المسؤولين الأوربيين، مع صعود اليمين المتطرّف في العديد من البلدان كالسويد وإيطاليا وهولندا!
حتى بعض دول الخليج التي لا تعترف بشيء اسمه لجوء، ولا يمكن دخول السوري إليها إلا بفيزا، ولا البقاء فيها إلا بإقامة عمل، واستئجار شقة ودفع بدل تأمين صحّي، تحدّث مسؤولوها عن أنصاف وأرباع المليون هنا وهناك لديها، دون أن ينسوا لهجة المنّ والأذى التي تطبع أي حديث عن الوجود السوري، في أي بلد على وجه الكرة الأرضية، والتي تشمل بالطبع المستثمرين السوريين، ومن نقلوا أو أنشؤوا مصانع أو معامل أو مطاعم، أو ورشات عمل بمهن مختلفة، ومن أوجدوا فرص عمل، ومن يحملون إقامة مستثمر. هم في عُرف كل هذه الدول: لاجئون سوريون… ماداموا موجودين هنا، والحرب دائرة في بلادهم هناك، والبازار عليهم مفتوح في كلّ ملتقى!
في مثل هذه الحال، وبمثل هذه المبالغات، وبمثل هذا الانحطاط، وبمثل هذا التشفّي بمحنة شعب كريم خرج ضدّ حاكم ظالم وقاتل، يطلب الحرية والكرامة، وفي مثل هذا الزمن الرديء، الذي صار فيه طلب الحرية جريمة، والقبول بربقة الذلّ والاستعباد عقلاً وتعقلاً، وإحساساً مترفاً بالأمن والأمان… أقول: نعم يا أبا آداد… نعم يا صديقي… أصبحنا 100 مليون، و”العين اللي بتشوفنا وما بتصلّي ع النبي تطق وتنبؤ إلهي”.
تعليق واحد