سبعة أخطار تهدد السلم الأهلي
الإشكالية الطائفية التي هي الجزء الأخطر من التركة الأسدية، وإفلاس الدولة يؤثران على لملمة البلد وتطييب جراحها.

غسان المفلح – العربي القديم
لاتزال الأحداث مستمرة منذ بداية التحركات العسكرية للفلول الأسدية المجرمة يوم 6.3.2025. هذه الأحداث ليس كما حصلت تماماً، لكن وفق قراءتي للوضع السوري كنت أتوقع حدوث ما يشبهها. لهذا كان شعاري دائما هو السلم الأهلي.
أخطار داخلية وخارجية
أزعم أن غالبية من تحدث عن المرحلة الانتقالية بشكل نظري، لم يحاول -ولكل أسبابه- مقاربة الوضع السوري بتفاصيله المخيفة. لم تُسمَّ الأشياء بمسمياتها… لنحاول أن نتطرق لبعض هذه التفاصيل التي كانت ولاتزال تهدد السلم الأهلي:
الخطر الأول: الفلول الأسدية ومن يلتف حولها تتعامل على خطين الأول أنها خسرت سلطة تشعر أنها من حقها وحدها، والخط الآخر اعتقادها أنها لن تسلم مجرمي المرحلة، وتجر السلطة لتدخل دولي. وتزعزع العملية الانتقالية في البلد… مبدئياً إن هذا الامر انتهى، فالتدخل الدولي عموما لن يحدث لمصلحة أي مكون سوري. بعد طرد الحضور الإيراني، هنالك أربعة أطراف متدخلة، وستبقى متدخلة بهذا الشكل أو ذاك. أمريكا إسرائيل تركيا روسيا. كل محاولات إيران لن تجدي نفعا سوى محاولات تخريب لا أكثر. لهذا لا أعرف ماهي الوعود التي تلقوها الفلول كي يتحركوا؟ هذه الفلول يجب أن تنتهي. هذا أول خطر على السلم الأهلي. أيضا تعامل الشرع الخطأ كما ظهر خلال هذه الأيام في سياسة اذهبوا وأنتم الطلقاء. والمثال الأخير باسل الخطيب.
–الخطر الثاني: المكون الكردي عبر قسد يشعر بالانتصار، وبحضور الذات الكردية المغيبة الحقوق منذ تأسيس الجمهورية الأولى 1946 بعد الاستقلال. المكون الكردي الآن يعيش إشكالية عميقة هي موجودة من قبل لكنها مع الوقت ستطفو أكثر على السطح. هي بين الحل القسدي للمسألة الكردية في إقليم فيدرالي يشمل كل الجزيرة السورية، وبين حل يشمل فقط مناطق التواجد الكردي السوري. هذا ثاني خطر على السلم الأهلي.
– الخطر الثالث: على السلم الأهلي هو من حوران السهل والجبل. في السهل أحمد العودة الذي يريد منصباً، وفي الجبل فصائل كثيرة ومتعددة الأجندات. رغم أنها تبدو موحدة تحت قيادة الشيخ حكمت الهجري. هذا الوضع أيضا لن يبقى طويلا. لاعتبارات داخل المحافظة نفسها، ولاعتبارات سورية ودولية عموما.
– الخطر الرابع: هو إحساس السنة عموما والعرب السنة خصوصا، بأن سقوط الأسد انتصارٌ لها. هذا المكون هو متعدد التوجهات ومتباين الآراء تجاه ما تبقى من القضايا ما عدا هذا الأمر. لهذا الخوف من أي تفلّت يمكن أن يخسّره هذا الانتصار، هذا الإحساس بالعدل النسبي، هذا الإحساس بالكرامة.. إلخ. القصة بالنسبة له ليست قصة أحمد الشرع إلا بوصفه بالنسبة لابن الشارع العادي محررا. لكن ما تحت ذلك هو الشعور الجمعي الذي بدأ يتضح أن هذا المكون لن يسمح للشرع ذاته باللعب بهذا الانتصار. المخيال الجمعي لهذا المكون أن النظام علوي وهذا خطر. كما هو المخيال الجمعي للعلويين هو أن السلطة هذه التي خانهم بشار وفرط بها هي سلطتهم. جاء تحرك الفلول المسلح ليوضح خطورة ذلك على السلم الأهلي في أي لحظة. هذه النقطة أيضا حاول الشرع التعامل معها ببراغماتية سيئة. بدل ان يأتي بشخصيات حتى لو كانت ذات توجه إسلامي، لكنه توجه منفتح أكثر. هذا سببه الأكثر حضورا هو خوف الشرع الأمني وحساباته الأمنية تجاه كل المستوى السياسي السوري عموما والفصائلي خصوصا.
– الخطر الخامس: هو ارتجالية سلطة الشرع في التعاطي مع الوضع السوري دون أخذ نفس والتفكير بكل تفاصيله وتعقيداته من جهة، إضافة إلى خطر بعض الفصائل المتحالفة معه. وهذا ما اتضح أكثر فيما حدث في الساحل من انفلات أمني أدى إلى حدوث جرائم متعددة ضد المدنيين. تحاول الآن سلطة الشرع لملمة الموضوع. هل تستطيع لملمته بحل يضمن حقوق الضحايا من عناصر الامن العام والمدنيين.
– الخطر السادس: على السلم الأهلي التنافس المنضبط أمريكيا بين إسرائيل وتركيا على الملف السوري وتبعات ذلك. على الوضع الداخلي السوري. التصريحات الكثيرة لنتنياهو عن سورية لا تشمل سوى الدروز وأضاف إليهم اليوم الشركس! هذا التركيز بحد ذاته مشبوه. سيكون له تبعات لاحقة إذا لم يتم تداركه من قبل فعاليات الجبل والسلطة في دمشق. لا أريد الدخول بالتفاصيل فالأصدقاء في الجبل يتابعون الوضع ويتحدثون عن مخاوفهم بشكل واضح وصريح. من جهة أخرى تركيا لايزال لديها فصائل تأتمر بأمرها. رغم وضوح الخلاف بين سلطة دمشق وتركيا حول العديد من المسائل لا أريد الدخول فيها الآن.
– الخطر السابع: على السلم الأهلي: هو مزدوج ومترابط ويتمثل في الإشكالية الطائفية التي هي الجزء الأخطر من التركة الأسدية، وإفلاس الدولة. الأخطر على لملمة البلد وتطييب جراحها. خاصة بعد الجرائم الأخيرة ضد المدنيين من جهة، وإصرار الفلول على الاستثمار بالمسألة الطائفية. الحرية السياسية أتاحت للسوريين أن يعبروا عن كل ما يدور في فكرهم ومطالبهم. ظهر بشكل لا يقبل الشك أن غالبية من خرج يتحدث باسم الطائفة من الداخل السوري كان طائفياً وأسدياً. تجسد ذلك في المطلب المركزي “العفو العام”. لم تستطع النخب الديمقراطية والمدنية داخل الطائفة أن تحوز على أي وزن معقول. أيضا لا أريد الدخول بتفاصيل هذه القضية وأسبابها. هروب الجيش وقضية فصل الكثير من وظائفهم، ونتيجة لإفلاس الدولة والعقوبات وغيرها من حسابات الدول المعاقبة وليس تقصيراً من السلطة في الملف الاقتصادي. الحاضنة العربية رغم كل ما قدمته، لكن أبداً غير كافٍ لحل اقتصادي ناجع نسبيا.
تهجمات شخصية
قبل أن اختم ببعض الاقتراحات، لابد من تسجيل ملاحظة شخصية في هذا الجو الملغم: في الحقيقة أتعرض لثلاث تهجمات شخصية ولا أرد عليها ولن أرد طبعا، لكنني أود هنا الإشارة لها:
من طرف بعض الموالين للسلطة الجديدة في دمشق. بأنني احابي الأقليات وما شابه وأحيانا لأنني علماني وآخر هذه الأسطوانة.
من طرف المعارضة” الجذرية” على أساس للسلطة بأنني طائفي، أو شبيح للسلطة بلغة بعضهم. طبعا بشكل اوتوماتيكي بات الشبيح للسلطة الجديدة او حتى الموالي لها هو طائفي! يعني كعادتنا نحن السوريين في الخصومة السياسية او في العداء السياسي.
ومن طرف بعض الفضاء للأطراف المسلحة الأخرى، كقسد أو فصائل تركيا أو فصائل السويداء أو جماعة أحمد العودة وملحقاتهم من الساسة!
أحسد من هو قادر – لو كان سورياً حقاً- أن يستكين لطرف سياسي او عسكري، بانحياز أعمى. مثال: تدين جريمة قتل المدنيين يهاجمونك الموالين، تدين وتفضح الفلول وما قاموا ويقوموا وسيقوموا بالاعتداء على البلد ممثلة بعناصر الأمن العام يهاجمونك الذين لا يرون في اللوحة سوى المدنيين التي قتلتهم الفصائل أو عناصر من الامن العام. يريدون ألا يظهر الفلول وما قاموا به في اللوحة المتداولة. حتى انكشف الأمور بشكل مرعب، فبدأوا يتحدثوا عن الفلول، بعد أن صار من المستحيل عليهم إنكار وجودهم.
أتمنى أن أكون قد وضحت الصورة كي أقول، ما أراه سوريا ولمصلحة مستقبل البلد، يجعلني لا آبه لكل هذه الترهات. باختصار ولن أرد. لكنني أتمنى على شعبنا السوري الا ينجر على العمياني لكل هذا الغثاء الطافي على سطح المشهد. لأنه لايزال من تركة الاسدية. كلنا لانزال من تركة الاسدية بانحيازاتنا وترهاتنا. نريد دما سوريا شابا عابر للطوائف والأديان والاثنيات، متخلصا من جاهزيات التركة الاسدية الفكرية والسياسية والقيمية.
مقترحات عاجلة
– ضمن هذه اللوحة المعقدة ما نقدمه نحن مجرد اقتراحات:
أولاً: عمل معقول تشكيل لجنة من قبل الرئيس الشرع للتحقيق في الجرائم والتجاوزات ومحاكمة المسؤولين عنها، لكن هذا القرار على أهميته الرمزية ينتظر تطبيقه بشكل حيادي قانونا. كفيل برأب الصدع قليلا. والاهم أيضا يجب ان توضح السلطة للموظفين وغيرهم حقيقة الوضع المالي للبلد.
ثانياً: البدء الفوري بإصدار إعلان دستوري يشير باتجاه ديمقراطي حقيقي.
ثالثاً: البدء بجعل الناس تشعر أننا أمام دولة القانون.
رابعاً: دعم مفاهيم المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية. الأولى تقتضي من السلطة دعم لجان مدنية من اجل تحقيق خطوات في هذه المصالحة، وعدم التهاون في ملف العدالة الانتقالية.
خامساً: طرح اولي لتصور السلطة عن موضوع التعامل مع الفصائل التي خارج سيطرة الدولة. ماهي مطالبها وماذا تريد، كي لا يتفاجأ الشارع السوري بخطر آخر على السلم الأهلي.
سادساً: تشكيل حكومة كفاءات من كافة المكونات السورية.
هذه اقتراحات أولية خاضعة للحوار بين السوريين.