من سجن أبو غريب إلى نيويورك: صعود أحمد الشرع
تمثل مسيرة الشرع صعودًا استثنائياً ملهماً يستحق التأمل... وخصوصا إزاء المهمات الصعبة التي واجهته

خليل البطران – العربي القديم
من زنزانة ضيقة في سجن أبو غريب، إلى منصة الأمم المتحدة في نيويورك، يصعد أحمد الشرع إلى مركز القيادة السورية. هذه الرحلة ليست مجرد صعود شخصي، بل انعكاس لتحولات سوريا نفسها: من الفوضى والجهاد، إلى السياسة والدبلوماسية الدولية.
بدايات في الظل: سنوات السجن والمطاردة
نشأ الشرع في بيئة مشحونة بالصراعات، وانخرط مبكرًا في مسارات جهادية دفعت به إلى السفر للقتال في العراق، ثم وقوعه أسيرا فسجينا في سجن أبو غريب. هناك عاش سنوات صعبة، تعلم فيها الصبر، التخفي، والحركة السريعة، وهي مهارات شكلت أساس قيادته لاحقًا.
في سنوات المطاردة، كان يقضي ساعات قليلة في المكان الواحد، ثم ينتقل إلى مغر ومداجن مهجورة، بعيدًا عن أعين مطارديه. هذه المرحلة صقلت شخصيته وجعلته مستعدًا للانتقال من مطارد إلى قائد ميداني بارع.
معركة رد العدوان: ولادة القيادة العسكرية
خلال معركة رد العدوان، أثبت الشرع قدرته القيادية. سواء من خلال نجاحه في قيادة العمليات العسكرية، أو إدارة الجانب الإعلامي بتصريحات منضبطة خالية من العنتريات ومن إثارة النعرات الطائفية، ما عزز مكانته على الأرض ومهد الطريق لصعوده السياسي. بعد المعركة، أصبح ساكنًا في قصر الشعب الجديد في دمشق، وبدأ مسارًا دبلوماسيًا دوليًا من الدوحة إلى جدة إلى الرياض إلى إسطنبول إلى باريس وصولًا إلى نيويورك.
التحول الاستراتيجي: من النصرة إلى هيئة تحرير الشام
في عام 2017، أعلن الشرع، المعروف بأبي محمد الجولاني، انشقاقه عن تنظيم القاعدة، وأعاد هيكلة جبهة النصرة، ثم حولها إلى هيئة تحرير الشام. لم يكن مجرد تغيير اسم، بل خطوة استراتيجية ربطت الهيئة بالثورة السورية التي أعطتها شرعية أكبر على خارطة التمرد السوري ضد النظام اللاشرعي القائم، وفتحت لها أبواب التحالفات المحلية والإقليمية، وجعلتها أكثر قبولًا على الساحة الدولية.
توحيد الفصائل: من الفوضى إلى الجيش الوطني
بعد المعركة، اجتمعت الفصائل التي قادها الشرع، وأعلنته رئيسًا للمرحلة الانتقالية. نجح في توحيد فصائل متناحرة وتحويلها إلى جيش واحد تحت وزارة الدفاع، ما عزز الاستقرار الداخلي وشرعيته السياسية.
تحديات الطريق في السويداء رفضت بعض الجهات نشر قوات الأمن العام بشكل كامل. في الجزيرة السورية، رفضت قوات سوريا الديمقراطية الانضمام، وأصرت على الحفاظ على هيكلها الخاص، مع تبعيات جزئية لوزارة الدفاع.
رغم ذلك، عقد الشرع اتفاق 10 آذار برعاية دولية تشمل أمريكا وفرنسا وبريطانيا وتركيا، ووضع الكرة في ملعب قسد لإمكانية الانضمام لاحقًا إلى الدولة السورية، سلماً أو بالقوة.
الدبلوماسية الدولية: الاحترام العالمي
إسرائيل تراقب بعناية ملف الجولان، فيما تقدمت المفاوضات لإحياء اتفاق فك الاشتباك 1974، ما يعزز الاستقرار على خط الجبهة.
وفي لقاء رمزي، استقبل رئيس الاستخبارات الأميركية السابق الشرع بتحية عربية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سيد الرئيس، وأضاف: إني أحبك وأخاف عليك. هذه اللحظة تُظهر تحول العلاقات الدولية والاحترام العالمي لشخصية الشرع.
لحظة فارقة في التاريخ السوري
من زنزانة ضيقة إلى نيويورك، ومن مطارد إلى رئيس دولة يحظى بالاعتراف الدولي، تمثل مسيرة الشرع صعودًا استثنائياً ملهماً يستحق التأمل… وخصوصا إزاء المهمات الصعبة التي واجهته: توحيد الفصائل، الانشقاقات الاستراتيجية، التوافقات الداخلية، والنجاحات الدبلوماسية كلها تؤكد أن هذه المرحلة تمثل لحظة فارقة في تاريخ سوريا الحديث.