رئيس لكل السوريين: أحمد الشرع هل هو قائد لسنّة المنطقة؟
فمنذ غزو العراق عام 2003، مرورًا بالحرب السورية، وصولًا إلى غزة، تكرّس في الوعي الجمعي إحساسٌ بأن السنة هم الطرف الخاسر سياسيًا، المستهدف عسكريًا، والمُستبعَد استراتيجيًا.

جميل الشبيب – العربي القديم
لا أريد للرئيس السوري أحمد الشرع أن يتحول إلى رمز طائفي أو إلى “قائد سنّة العرب”، بل أريده رئيسًا وطنيًا يقود جميع السوريين – معارضين وموالين- نحو برّ الأمان، نحو سوريا الجديدة التي وُعِد بها الشعب بكل مكوّناته. ما دفعني لكتابة هذا المقال هو رؤية صور الرئيس السوري تنتشر في مدن وبلدات لبنانية احتفالًا بالنصر، وترافقها شعارات وقصائد تمجّد شخصه كما لو كان قائدًا لطائفة أو رمزًا فوق وطني.
هذه الظاهرة لا تقف عند حدود لبنان، فقد استحضرتني كذلك مقابلات قديمة لزعماء سنة عراقيين عبّروا بوضوح عن إعجابهم بالشرع، بل واعتبروه “قائدًا سنيًا قويًا”. ويمكن ملاحظة هذا الخطاب يتكرّر اليوم في تصريحات سياسيين ومحللين من دول عربية وخليجية، وكأن المزاج السنيّ العام يبحث عن “بطل جديد” أو “زعيم يعوّض سنوات الخذلان”.
سنوات الخيبة… من غزو العراق إلى حرب غزة
ليس سرًا أن الشعوب السنية في المنطقة مرّت خلال العقدين الأخيرين بواحدة من أكثر مراحلها قسوة. فمنذ غزو العراق عام 2003، مرورًا بالحرب السورية، وصولًا إلى الحرب الأخيرة على غزة، تكرّس في الوعي الجمعي إحساسٌ عميق بأن السنة هم الطرف الخاسر سياسيًا، المستهدف عسكريًا، والمُستبعَد استراتيجيًا. ومع غياب أي انتصار واضح أو موقف عربي موحّد يشعرهم بالقوة أو الانتصار، عادت لدى البعض حالة الحنين لرموز الماضي.
صدام حسين، على سبيل المثال، ما زالت صوره تُرفع في مدن عربية حتى اليوم. فهو في الذاكرة الشعبية “الرجل الذي وقف في وجه المدّ الإيراني”، و”الحاكم العربي الوحيد الذي خاض حربًا مفتوحة مع إيران”، و”الزعيم الذي لم يستسلم للغزو الأمريكي”. أما رفيق الحريري، فقد كان رمزًا سنيًا سياسيًا ناجحًا، وشخصية ساهمت بوقف الحرب الأهلية في لبنان، وجعلت من بيروت أيقونة نهوض بعد 15 عامًا من الدم.
لكن ماذا كان مصير هذه الرمزية؟
صدام والحريري… رموز أسقطت ولم يتحرك أحد
عندما غزت أمريكا العراق، وعندما دوّى الانفجار الذي اغتال الحريري، لم يتحرك “السنة العرب” إلا بأصواتهم، ولاح شيء من الغضب في حناجرهم، وتحوّلت الساحات إلى مهرجانات بكاء ورقص…
لكن لم تتحرك أية قوة حقيقية لحمايتهما.
لم ينقذ صدام رفعُ صوره. ولم يحل دون اغتيال الحريري كثافة الأغاني التي تمجّد أيامه. ولم تمنح الشعارات أو الشعر أو الدبكة أي حماية لمصيرهما.
وهنا يظهر الفرق بين الرمز الطائفي ورئيس الدولة. الرموز الطائفية تُحاط بالحبّ، لكن لا أحد يُقاتل من أجلها عند لحظة الحقيقة.
تركيا 2016: الشعب يدافع عن الدولة… لا عن الطائفة
في 2016، عندما تحركت الدبابات في تركيا لمحاولة إسقاط أردوغان، خرج الشعب التركي بجميع أطيافه السياسية والطائفية إلى الشارع. وقف الناس في وجه الرصاص والدبابات بصدور عارية. دافعوا عن الدولة أولًا، وعن الرئيس الذي معارضوه لا يمكن إنكار دوره في نهضة تركيا
ما حدث في تركيا لم يحدث لأن أردوغان “قائد السنة”.
بل لأنه قائد دولة؛
قائدٌ يشعر كل مواطن أن استقرار بلده مرتبط باستمراريته.
الشعب التركي لم يخرج لأجل طائفة… بل لأجل وطن يشعر أنه يتنفس من خلاله.
لهذا نريده رئيسًا للسوريين وليس قائدًا لسنة المنطقة
سوريا اليوم بحاجة لرئيس يبني دولة يشعر كل سوري أنها دولته، لا زعيمًا يرمّمه الوعي السنيّ كرمز للهروب من الخيبات.
نريد رئيسًا:
لا يتورط في لعبة الطوائف.
لا يتحول إلى رمز خارجي على حساب الداخل.
لا يصبح قائدًا لسنة المنطقة بل قائدًا لسوريا.
رئيسًا يستمد شرعيته من السوريين، لا من جمهور خارجي يبحث عن بطل جديد.
رئيسًا يقود السوريين، كل السوريين، إلى مستقبل وعدهم به… مستقبل يتسع للجميع مهما كانت مواقفهم السابقة أو انتماءاتهم السياسية.
إن تحويل الرئيس إلى “قائد سنّة العرب” ليس وسامًا… بل نقطة ضعف.
فالقائد الطائفي يسقط وحده،
بينما القائد الوطني تحميه الدولة، ويقف خلفه الشعب عندما تهتز البلاد.
إن سوريا الخارجة من الحرب تستحق رئيسًا يبني دولة لا طائفة، مستقبلًا لا زعامة، وهوية وطنية لا رمزية مذهبية.
نريد رئيسًا سوريًا… رئيسًا لكل السوريين فقط.