رسالة اعتذار بحجم سورية
نعتذر لنتصالح مع ذواتنا التي ينهشها الندم، ولكي نكون أكثر قدرة على الاندماج في بناء سوريتنا الجديدة
غسان المفلح – العربي القديم
” لأول مرة أتمنى ان أكون بموقع لا يشبهني..
أتمنى أن أكون ممثلاً وناطقاً باسم الطائفة العلوية لأقول لإخواننا من الطائفة السنية وخاصّة في مدينتنا حمص:
نعتذر عن كل نقطة دم أراقها المجرمون وكنا شركاء فيها.
نعتذر لكل أم ولكل زوجة.
نعتذر لكل أب ولكل طفل.
نعتذر عن القتل والتعذيب والتشريد والتهجير والتدمير والتعفيش.
نعتذر عن خوفنا منكم.
نعتذر عن جبننا.
نعتذر عن صمتنا.
نعتذر عن كل سلعة اشتريناها ونعلم أنها مسروقة.
نعتذر عن قلة عدد المعارضين منّا لنظام الطغاة.
نعتذر عن اعتذارنا إن جاء متأخّراً.
نعتذر لأنكم خيبتم ظننا فيكم (كنتم أحسن منّا ولم تنتقموا منا كما توهمنا ).
لا نعتذر لتقبلوا اعتذارنا ولا لتسامحونا. نعتذر لنتصالح مع ذواتنا التي ينهشها الندم، ولكي نكون أكثر قدرة على الاندماج في بناء سوريتنا الجديدة. نحن مثلكم لن نقبل إلا بمحاكمة ومحاسبة كل المجرمين الذين دمروا البلد.
تحياتي لكم جميعاً
عاشت سوريا حرّة موحدة ولكل أبنائها”.
هذه الرسالة كتبها الصديق المناضل بسام جمعة المعتقل في سجون الأسد بتهمة حزب العمل الشيوعي، كنا معا في سجن صيدنايا بالمهجع سبعة وما اداك ما المهجع سبعة في التسعينيات. بسام ابن حمص العدية والذي ينتمي بالولادة للطائفة العلوية. بسام زوجته المناضلة فاطمة خليل معتقلة لأربع سنوات أيضا في تلك الفترة في عدرا. وأخت زوجته المناضلة سميرة خليل المعتقلة أيضا لأربع سنوات في سجن عدرا بنفس التهمة ونفس الفترة أيضا! سميرة خليل التي غيبها جيش الإسلام في دوما بعد الثورة مع ما عرف بقضية النشطاء الأربعة مع رزان زيتونة وزوجها وائل حمادة ونظام حمادي وسميرة خليل. لم نعرف مصيرهم بعد.
كانت هذه الرسالة بالنسبة لي بحجم سورية. سورية التي آمل والتي أحب. بعيدا عن النقاشات التي جرت وتجري منذ هروب الواطي ابن الواطي. حول المسألة الطائفية في سورية. بعيدا عن اتهامات بعضنا بعضا في هذا الإطار كناشطين كمعارضين وككتاب أيضا. كتبت منذ فترة أن الكلمة الطيبة تخرج الافعى من وكرها. الطائفية كانت الأفعى. الافعى التي رباها الأسد الأب والابن بعده كي تلدغ المجتمع السوري دوما وفي غفلة واضحة منه. كنت من بين المعارضين والكتاب الذين عملوا على مفهوم الطائفة الأسدية. هذه الطائفة التي كانت تضم من كل المجتمع السوري. كنت ولا زلت لا أرى النظام علويا بالمعنى السياسي والدستوري، لكنه نظاما قام على الولاء العلوي عسكريا وأمنيا. النظام الذي أجرم بحق السوريين. دمر البلد وتركها خرابة خلفه.
هذا الولاء العسكريتاري كان الكتلة الصلدة والفاعل الأساسي الذي أجرم بحق السوريين. كانت تكفي رسالة كرسالة بسام. تكفي لمعظم الشعب السوري، تكفي لأن تؤسس لصلح مديد وعميق في المجتمع السوري تبيض كل هذه التركة السوداء. تكفي كي أقول أيضا لأن هنالك من السنة أيضا من شارك النظام بالفساد والمحسوبيات، وهنالك من السنة وبقية الطوائف من صفق للنظام وهو يقتل شعبنا على يد العسكر. كان يكفي أن أقول هذا ما عملت عليه من خلال تعميم الطائفة الاسدية. لست بصدد الدخول في نقاش من جديد صار خلقنا.
بالنسبة لي كانت رسالة بسام التي هزتني بالعمق، انفتاح على مستقبل البلد. الذي لم يعد فيه من يستثمر بالطائفية. لم يعد هنالك رب عمل يستثمر في هذا الحقل الأسود. رسالة الاعتذار لا تدين الطائفة بل تحصنها سورياً. كان صعبا على أم لاتزال تبحث عن ابنها بعد سقوط الأسد، ان ترى أبناء بلدها يخرجوا ليشيعوا قاتلا من عسكر النظام السابق ويعتبروه شهيدا. لا يهمني منذ سقوط الأسد ما تقتنع به النخب التي لم تعني لها هذه النقلة في تاريخ سورية، سوى مزيدا من التنمر واتهام الآخرين بالمشاركة بالجريمة. ما يعنيني كيف يتعامل ابن الشارع في الطائفة العلوية وفي بقية سورية؟
كيف يتعامل بان هذا النظام علويا. هنا مربض الفرس. يهمني أن تعرف الناس أنه رغم الجريمة، فالعلويون ثاني مكون عربي سوري في سورية. هم جزء من مستقبلنا كسوريين هم مواطنين سوريين. كيف نزيل هذا الإرث الأسود من ذهن من كان يعتبر طائفيا أن هذه سلطته؟ ومن ذهن من كان يعتبر أن هذه السلطة علوية من بقية الطوائف والمكونات السورية؟ طالبت وتمنيت على أهلنا من بقية الطوائف في حمص بعد السقوط ان يحملوا الورود للأحياء العلوية ويزورها. طالبت بتبادل الزيارات بين القرى المتاخمة لبعضها. نحن جميعا الآن في مركب سورية المستقبل. لهذا قلت ان رسالة الصديق بسام بحجم وطن حقيقة ودون مجاملة. وهكذا عبر لي كثير من الناس على صفحتي عندما نشرتها. عبروا لي ماذا عنت لهم هذه الرسالة. بعيدا كما قلت ولأعيد عن تنمرات ثقافوية مشلخة سواء مني أو من غيري.
لهذا حاولت تعميم هذه الرسالة ويجب أن تعمم.
شكرا بسام من قلبي..