فنون وآداب

في ذكرى رحيلها الثمانين: (أسمهان لنا وليس لأحد بعينه) مقال مستعاد لأحمد برقاوي

العربي القديم – خاص:

تمر اليوم ذكرى مرور 80 عاماً على رحيل المطربة السورية أسمهان، إثر غرق سيارتها في مصيف رأس البر في مصر. هنا مقال مستعاد  للمفكر البارز أحمد برقاوي، كان قد نشره في صحيفة يومية سورية عن أسمهان والجدل الذي أثاره عرض المسلسل الذي تناول سيرة حياتها وعرض عام 2008 (العربي القديم)

***

أسمهان لنا وليس لأحد بعينه | بقلم: د. أحمد برقاوي

أحب أسمهان. أحب صوتها وشكلها وحياتها. أسمهان تراجيديا نادرة. تراجيديا انتهت كالعادة بموت البطلة المأساوي.

أقول نادرة لأن مؤلفي التراجيديا لم يخطر ببالهم أن يكون البطل امرأة. أسمهان بطلة تراجيدا باميتاز، قضت وهي في فصل الزهر.

ولأن أسمهان على هذا النحو، نجح مسلسل أسمهان نجاحاً كبيراً، وحملنا على أن نتابع حلقاته بتواصل شديد ومتعة. وقد قام جميع الممثلين بأدوارهم على أكمل وجه كما أرى لكن، وبدل أن يتحول المسلسل بعد انتهائه إلى موضوع مناقشات فنية وتاريخية ودرامية، فإذا بعض ممن يعتقدون أنهم ورثة أسمهان يقيمون الدنيا ولا يقعدونها.

من هي أسمهان؟

أسمهان – يا سادة- كائن حر بامتياز، قرر أن ينتمي إلى ذاته، إلى عالمه الذي يريد، إلى الفن والجمال. إنها ترفض أن يحدد أحد مصيرها. وعندما شعرت أن عالمها ضيق بعد زواجها من حسن الأطرش، رحلت عنه إلى عالمها الفسيح.

إذن هي قررت بملء إرادتها أن تنتمي إلى ذاتها التي وجدتها في عالم الغناء، فأقامت قطيعة مع عالم العائلة الكبيرة والصغيرة. وهي إذ فعلت ذلك، وقدمت أغانيها الندية وعاشت حياتها كنسمة، صارت جزءاً من عالمنا الروحي – الجمالي، وصرنا نحن المنتمون إليها كما هي المنتمية إليها – نكوّن صورها في خيالنا الخصب.

وإذا كان الأمر هكذا، وهو هكذا، فلا يحق لأحد من أل آل الأطرش، وغير آل الأطرش، أن يدعي ملكيته لأسمهان. أسمهان ليست ملك أحد بعينه، وهي قالت ذلك وفعلته. من حق آل الأطرش الكرام أن يرفعوا رؤوسهم فخرا بأسمهان كما نحن نفعل ذلك، لكن أن يحتكروا أسمهان، ويخول بعض منهم أنفسهم أوصياء عليها فهذا أمر ليس محموداً أبداً، إلا إذا كنا مازلنا في عصر داحس والغبراء. ولو أني كنت مكان القائمين على إنتاج المسلسل، لما استشرت أحداً من أقاربها ولا حتى ابنتها ذاتها. ولا أعطيت قرشاً واحداً لأي من أقاربها أو أقارب أخيها.

يقولون أن المسلسل شوه صورة أسمهان ونال من تقاليد العائلة وما شابه ذلك من أقوال. المسلسل عمل فني صرف، وليس فيلما وثائقياً تسجيلياً، ويحق للمؤلف أن يضيف من خياله المبدع ما يشحن المسلسل بالدهشة والمتعة.

لا أحد يعرف بدقة كيفا كان يتصرف فؤاد مع أسمهان، لكن الخلق يعرفون أنه كان ضد دخول أسمهان عالم الفن. وهنا فإن للمؤلف الحق في أن يتصور ردود فعل الأخ على سلوك أخته. هل كان فؤاد هوكما ظهر في في المسلسل أم لا؟ لا أحد يدري.

خيال الكاتب وضع (الشنكليش) على مائدة الفطور أثناء زواج أسمهان من بدرخان، ليدل على ثراء المطبخ السوري، وهذا خيال غير خصب. فهل أحضر أحد من مصياف معه الشنكليش إلى أسمهان في القاهرة، مع أن دمشق لم تعرف الشنكليش إلا من سنوات قليلة. وقس على ذلك مشاهد كثيرة. امرأة مضى على وفاتها خمسون عاماً ونيف ولم يبق شاهد على حياتها. كما أن تصديق الروايات المتواترة عنها أمر متعذر، ولهذا صارت أسمهان موضوعاً للفن والجناس المؤسس على وقائع.

في الختام أقول: المسلسل لم ينل من شرف أحد، ولم ينل من تقاليد أحد، ولم يقصد الإساءة إلى أحد، لأن أسمهان بالأصل ليست لأحد، وهي التي قررت ألا تكون لأحد.

عن جريدة (الثورة) السورية – أكتوبر 2008

زر الذهاب إلى الأعلى