ما الذي تخبرنا به الأيام عن حزب الله وإيران والملالي!
إيمان أبو عساف – العربي القديم
المشهد الثلاثي ظاهراً كان: بطولة إيران وسوريا وحزب الله في محور واحد… وفي الحقيقة البطولة الفاعلة كانت للملالي الذين تعهدوا لأنفسهم بتحقيق أمرين:
– الأمر الأول: بكل حرفية الانتقام لما اضمرته الذاكرة التاريخية من هزيمة لحضارة فارس من قبل الإسلام العربي الذي وصفته على الدوام بغلبة البدو أصحاب القوة والغلبة الهمجية على حضارة كبرى.
– الأمر الثاني: كانت إيران الملالي تروم العودة للواجهة مهما كلف الأمر من وسائل ومهما كانت هذه الوسائل مغموسة في القذارة أو الغفلة ولا مانع أبداً من إدارة حروبها.
في طقس الدول العربية التي أنهكها صراعاتها مع إسرائيل ومع شعوبها، لا بد من استغلال هذا الشواش والارتباك. ومن هنا تبدو حيلة إيران في تداخلها، أخطر حيلها التي مررت عبرها أنساقها وأدامتها كل هذه الفترة..
والبداية كانت من سوريا، فهي مهيأة تماماً لإقامة مداميك المشروع كما يقال، وإيران تقرأ جيداً لب الحكم الذي ارتدى البعث لبوساً وتعلم أن الأسد يقرأ ما للمفعول الشيعي من مقروئية عريضة في ذهنه الوظيفي، وما على إيران لحظتها سوى تغذية مشروعها بمؤونة الثقافي والاجتماعي المستقر في الذهن الأقلوي، ومن هنا نقرأ المشروع الايراني بشكل صحيح. مشروعها الضمني ومشروعها المعلن الذي عبرت به متقنعة للمنطقة، وما كنا لا نعرفه أكثر بكثير مما عرفناه وقت كانت وسائل الاعلام العقائدية افتراضاً تتكلم عن التعاون بين إيران وسوريا على أرضية المشتركات التاريخية والثقافية والجغرافية …
ومن أتاه حظ من الفطنة أدرك أن الخطاب الرسمي السياسي والثقافي والإعلامي بات يعمل على غرس ذلك في كل المظاهر.
من اليومي السائد ومروراً بالمناهج التعليمية، والمراكز الثقافية، والحسينيات ومواكب الحجيج للأماكن المقدسة زعماً…. فالدين لدى الشعوب يستهلك باستمراء وقبول جماهيري. وشعب دمشق المدينة الأعرق والأكثر حنكة، كانت تمارس مسالكها اليومية مع الوافد كونها تعودت على نسق تاريخي يستقبل ويودع …
وعلينا أن نعترف أننا كشعب حارب وهزم مرات، كنا حبكة نفسية دفعتنا لقبول ما يقوله الحاكم دون أي تدخل يذكر إلا من استطاع إلى ذلك سبيلاً من أصحاب الفكر الحر، وبالنتيجة تقبلنا إيران تحت غطاء التورية الذي سلكته إن كان ثقافياً أو دينياً، بينما كانت إيران الملالي ترحب بخبث هذا القبول الشعبي.
نعم في ظل تغييب فكري ووجداني ممنهج لعبت السلطة دور الصانع البارع للحبكة، وبدأت إيران تجد خبيئتها في شيعة لبنان الذين عانوا الأمرّين في مجتمع مفتت وطائفي باحث بلهفة عن انتماء وهوية… ومن الجدير بالذكر أن نذكر بالمعروف والمألوف في المنطقة من تمييز مخفي أو معلن تجاه الأقليات فيما بينها أولا وبينها وبين الاكثرية بصورة أقل، ولا يخفى على أحد منا ذلك الوجدان الطاوي بالمظلومية لدى الشيعة!
وكان لا بد من البحث عن طامح مستبد وطاغية ومغامر ومستعد للذهاب بعيداً بشهوة المنتقم وصاحب الثأر وبحجة تحقيق العدالة المفقودة، وأما الرافعة فهي موجودة وما على الطاغية سوى أن يجد مكانه حسب إشارات إيران والنظام السوري …اللاطم والشاكي من ظلم تاريخي والطامح لتوريث حكمه لسلالته ولو كان أيضاً ثمن الأمر التواطؤ مع القوي والغاء كل ما يوجعه، وإظهار الولاء العلني للقضية التي شغلت الوجدان العربي زمناً؛ أي قضية فلسطين.
في القمة ضمن المنطقة كان الأسد الأب معتدّاً بذكائه وفهمه للمشروع الإيراني وقَبِلَ به ولكن مع انتباه ويقظة، فيما فاته أن الأيام والأزمان تجري على غير مُشتَهى المؤسس ورغم كل حذره من مكمنه الذي حاول تدعيمه وتطعيمه بشعارات منفصلة عن الواقع والمنطق وسقطت الدعامات الواهية مع الثورة السورية.
وتحقق للصبر الإيراني المراد فلقد فُرِشَت كل الدروب لتمر إيران فوق مخترع مقاومة الإرهاب، وتوطيد الحكم المقاوم، ودخل نصر الله قاتلاً لاغياً لكل القيم ومخاتلاً محاولاً تغيير كل شيء ملبياً طاعته للولي الفقيه، ومنتظراً للمجد الشيعي الذي سيحيا انتقاماً وثأراً للحسين!!!
ولما كان الحديث سيطول كثيراً في الشروح والتفصيلات وليس هنا مجاله، سنكتفي فقط بذكر مآلات المشروع الإيراني في المنطقة، المشروع حتماً كان يأخذ شرعيته من أمريكا وغيرها وكان الهدف استطراداً في تغيير وجدان وظاهر المنطقة، وسينكشف أمامنا أن الذكاء بالمخطط كان أساساً لأمريكا وأن إيران الملالي أخذها الغرور واعتقدت أنها تخاتل قوة عظمى وأداوتها مضمونة، وتركتها أمريكا تمرر ما اعتقدته… وعلى الطرف الموازي كانت تعلم مدى قدرة إسرائيل على قراءة الدلالات وتسمية التحولات، وفي لحظة تحقق الهدف الإيراني ضمناً وسراً وتواطؤاً، تُغيِّر إيران في خطابها وتحاول البعد فيه عن مضمرها!
وفي اللحظة نفسها ينتاب نصر الله وأتباعه الشعور بالغفلة، ومع الإرادة المشتركة لقطع دابره في المنطقة، ترى الإعلام التابع يطلق خطاباً نسقياً يحاول التورية على الهزيمة المشهودة.
وأما النتيجة فلقد بدأت تظهر لقد أتقن نصر الله وظيفته… لكن المشرف عليها كان مؤمناً بالخطط وبالقوة والهيمنة، وتركه لمصيره. لقد تلبس نصر الله حلم الثأر الماجد ولكن لا تكفي الطاعة العمياء لسيد مراوغ، والرغبة الهوجاء حتى لتحقيق حلم يقظة!