رعب بق الفراش في فرنسا: أثارت أزمات السياسة وعطلت الدراسة فهل تغزو العالم من جديد؟
العربي القديم – ترجمة وإعداد: وسنان الأعسر
أثار انتشار حشرة صغيرة لا ترى في العين المجرد، إلا كنقطة سوداء صغيرة، أزمة صحية واجتماعية وسياسية كبرى في فنرسا، وصلت إلى البرلمان الفرنسي، وأثارت جدلا على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تسببت بإطلاق تصريحات من قبل إعلاميين فرنسيين وصفت بأنها: “عنصرية وبعيدة عن المنطق”.
من مترو باريس إلى مطار شارل ديغول
إنها حشرة “بق الفراش” التي وصلت حد الوباء في فرنسا، وأثارت الذعر والجدل على أعلى المستويات، حيث رصدت في مترو باريس والقطارات السريعة ومطار شارل ديغول، إضافة إلى المستشفيات وبعض دور السينما والفنادق في العاصمة الفرنسية، ما حدا بـ “كليمنت بون”، وزير النقل الفرنسي إلى الإعلان عن ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة من أجل طمأنة وحماية الفرنسيين من انتشارها السريع، الذي يزيد من وتيرته صعوبة مكافحتها وتأقلمها مع المبديات الحشرية العادية.
إغلاق مدارس وإيقاف الدراسة
وكانت وزارة التعليم الفرنسية قد أفادت في بيان أرسلته إلى وكالة الأنباء الفرنسية يوم السادس من تشرين الأول / أكتوبر الجاري، أنه تم إغلاق خمس مدارس تضم 1500 طالب، بسبب انتشار بق الفراش، فيما صرح وزير التعليم الفرنسي غابرييل أتال، لقناة “فرانس5″، أن السلطات الفرنسية اضطرت إلى إغلاق سبع مدارس، وذلك بسبب انتشار حشرة بقّ الفراش. وأضاف أتال: “رصد بقّ الفراش على مستويات مختلفة في 17 مؤسسة. حاليا، وأنا أتحدث إليكم، سبع مؤسسات مغلقة لهذا السبب”، مضيفا: “الحالات تتزايد وهناك حاجة إلى استجابة فورية، حتى نتمكن من تطهير المؤسسات”.
بلدية باريس تناشد الحكومة
بلدية باريس بدورها وجهت دعوة إلى الحكومة الفرنسية لوضع خطة لمكافحة انتشار هذه الحشرة السريعة التكاثر، والتي تعيش على مص دماء البشر، في رسالة وجهتها إلى رئيسة الوزراء الفرنسية،
وفي البرلمان الفرنسي، طالبت (ماتيلد بانوت) رئيسة كتلة “فرنسا الأبية” في جلسة البرلمان التي عقدت في مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، الحكومة الفرنسية بالتحرك السريع، وأوضحت للإذاعة الفرنسية قائلة: ” نريد أن تعترف الحكومة بالأمر باعتباره مشكلة صحية عامة. يجب أن يتوقفوا عن مطالبة الناس بالتعامل مع المشكلة بأنفسهم كما لو كانت فردية، بينما تفرض الشركات أسعارا باهظة لرشها بالمبيدات الكيميائية”.
وقدرت الهيئة العليا للصحة الفرنسية أنه بين عامي 2017 و2022، عانت 11% من الأسر الفرنسية من بق الفراش.
جدل سياسي وعنصري
وفي غمرة هذا الجدل والصوات التي تتعالى لمواجهة هذه الحشرة التي يهدد انتشارها سكان البلاد، ويؤرق مناهم، برزت بعض الأصوات العنصرية التي تحمل المهاجرين مسؤولية انتشار هذه الحشرة، مع أنه تاريخيا – كما يقول مراقبون – كانت العاصمة باريس وعدد من ضواحيها، بيئة خصبة لانتشار مثل هذه الحشرات ولبعض القوارض مثل الفئران.
الصحافي ومقدم البرامج الفرنسي (باسكال برود)، في قناة “سي نيوز” المحليةإ فجر أزمة بربطه هذه الظاهرة بتزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين في البلاد.
وتساءل برود في برنامجه الذي يقدمه على قناة “سي نيوز” في الحلقة التي بثت بتاريخ السادس من تشرين الأول، أكتوبر الجاري: هل نعرف لماذا يوجد المزيد من البق اليوم؟ هل له علاقة بالنظافة؟ سوف أطرح جميع الأسئلة. هناك الكثير من الهجرة في الوقت الحالي. هل الأشخاص الذين لا يتمتعون بالظروف الصحية نفسها التي يتمتع بها الموجودون على الأراضي الفرنسية هم الذين يجلبونه معهم؟ هل لأنهم يبقون في الشارع؟ هل لأنهم ربما ليست لديهم إمكانية الوصول إلى جميع الخدمات مثل الآخرين؟ هل هذا مرتبط بذلك؟”.
لكن ضيف البرنامج (نيكولا رو دي بيزيو)، وهو مدير منصة متخصصة في إدارة الآفات، رد على أسءلة برود الإيحائية قائلا: “قطعا لا”.. لكن ذلك لم يكن كافيا لإنهاء الجدل، إذ انتشرت تصريحات برود العنصرية، مع مقاطع مصورة في برنامجه انتشار النار في الهشيم مواقع التواصل الاجتماعي، وقال الكثير من المهاجرين المغاربة إن تصريحات برود تعبر عن الذهنية الاستعلائية والعنصرية التي تسكن فرنسا ولاسيما نخبتها “المثقفة”، معتبرين أن فرنسا مازالت تعيش على أوهام أنها كانت في وقت مضى إمبراطورية استعمارية.
إعلان الطوارئ في الجزائر
يبدو أن انتشار هذه الجائحة آخذ بالتوسع على ضفتي المتوسط، بعدما أعلنت وزارة الصحة الجزائرية أنها اتخذت إجراءات “وقائية” لمنع انتشار الحشرات الضارة مثل بقّ الفراش الذي انتشر في باريس حيث تقطن جالية جزائرية كبيرة، تعتبر أكمبر جالية جزائرية خارج البلاد.
وجاء في بيان وزارة الصحة الذي نشرته عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الجزائرية: “بادرت وزارة الصحة بالتنسيق مع مختلف السلطات المختصة إلى تفعيل نظام اليقظة الصحية من خلال إصدار مذكرة تتضمن جملة من الإجراءات الوقائية التي يتعين اعتمادها لتفادي انتشار أي تطور وبائي أو أي ضرر آخر ناجم عن الحشرات الضارة مثل البق”. وأن الإجراءات تتضمن: “المراقبة الصحية للطائرات والسفن ووسائل النقل البري وتطهيرها، ومراقبة تطهير الأمتعة والبضائع المشبوهة التي يحتمل أن تحتوي على حشرات ضارة”.
بق الفراش: دورة حياتها ومقاومتها
بق الفراش حشرة صغيرة لونها بني، يتراوح حجمها بين 4 و7 ملم، تعمل على امتصاص دم الإنسان والحيوانات، ولكنها لا تنقل الأمراض وفقا لوكالة حماية البيئة الفرنسية.
ويقول عالم الطفيليات والحشرات الطبية في مستشفى ابن سينا في بوبيني مهند الرزقي، إن المبيدات الكيمائية المستخدمة للتخلص من بق الفراش قد لا تقضي عليها بالكامل. ويوضح العالم قوله: ” تعمل المبيدات الحشرية على قتل الحشرات الضعيفة فيما تبقى حشرات البق المقاومة على قيد الحياة، وتتكاثر دون التأثر بالمبيدات الحشرية.”
ويضيف عالم الطفيليات والحشرات الطبية أن حوالى 90% من حشرات بق الفراش من النوع المقاوم للمبيدات.
اهتمام إعلامي
مع انتشار حشرة بق الفراش ووصولها إلى خارج القارة الأوروبية في المغرب والجزائر وتونس، وصولا إلى إسبانيا وبريطانيا اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية حملة استفسارات إعلامية، حول الوقاية منه ومكافحته، وتطرق رسامو الكاريكاتير لإبراز أثره في رسوماتهم وتعليقاتهم.
وقد تواصل د. عادل رضا – كما نشرت صحيفة (الأنباء) الكويتية، مع د.فايز الذربان وهو طبيب «متخصص في الوبائيات والصحة العامة» من جامعة ليفربول البريطانية University of Liverpool. الذي أشار إلى أن حشرة بق الفراش لا تنشر أي أمراض، فهي ليست كـ «حشرة البعوض» التي تنقل الملاريا، فحشرة «بق الفراش» هي حشرة ماصة لدم البشر، من دون نقل أمراض من شخص لآخر. وأيضا ذكر نقطة مهمة: «ان هذه الحشرة قد تصيب أي موقع جغرافي، فلا داعي للامتناع عن السفر، ولكن في نفس الوقت من الواجب أخذ الحيطة والحذر، لأن الإصابة قد تحدث في مواقع انتشار الحشرة أو أي مكان آخر».
سبع نقاط يجب أن تعرفها عن بق الفراش
يمكن تخليص مواصفات هذه الحشرة وسبل تكاثرها وانتشارها في سبع نقاط هي:
- إن حشرة بق الفراش ليس لها علاقة بـ «القمل» أو حشرة «القرادة» فهي حشرة منفصلة ونوع مختلف يمكن مشاهدتها بالعين المجردة وحجمها يقارب «حبة العدس» ومشكلتها أن «الأنثى» يتم تلقيحها مرة واحدة فقط كل شهرين، وبعد ذلك يأخذ التبويض المستمر المتواصل مجراه إلى نهاية تلك الفترة، بدون الحاجة الى تلقيح متكرر آخر.
- إن علينا أن نعرف أن حشرة البق «الأنثى» تبيض في معدل يصل الى قرابة الأربعمائة بيضة، ومنها يصبح هناك INFESTATION (أي انتشار) في المنزل إذا لم يتم تدارك الأمر
- 3- من طبيعة بق الفراش أنه يستحمل الجوع، وانعدام غذائها الدموي لأكثر من ستة أشهر، وهي تعيش في الحرارة العالية وأيضا في البرودة المنخفضة، لذلك هناك صعوبة في القضاء عليها، بدون عملية «الرش الكيميائي للمبيدات الحشرية» لأكثر من مرة من قبل «أشخاص حرفيين».
- هذه الحشرة ليس لها ارتباط مع نظافة «الفرد» الشخصية، أو في مستوى غناه أو فقره، أو من أي طبقة اجتماعية ينتمي؟
- من صبيعة هذه الحشرة تعلقها في الملابس وتواجدها على الأقمشة من شخص عنده إصابة في منزله، وهو قد ينتقل للبشر من خلال أقمشة مقاعد الجلوس في وسائل النقل العام، أو عن طريق غرف الفنادق التي ليس فيها اهتمام «حرفي» في النظافة والترتيب، وأيضا يتم انتقالها بين حقائب السفر داخل الطائرات.
- في غرف الفنادق علينا أن نشاهد «أغطية السرير» ونفحص ما هو أسفلها ونراقب وجود أي نقط سوداء فيها قد تكون دلالة على وجود تلك الحشرة وننصح بتغيير الغرف لأن من طبيعة هذه الحشرة أنها «ماصة للدماء»، فعندما تعض هذه الحشرة الإنسان، فهذه النقط السوداء عبارة عن إفرازات حشرية دموية.
- إن أحد أسباب انتشارها أوروبيا جاء لأسباب علمية وواقعية، لأن دورة حياة هذه الحشرة وشكلها ونمطها تتجدد كل بضعة عقود في نوع مختلف، حيث انتشرت في السابق في فترة الخمسينيات من القرن الماضي، ومن ثم اختفت فجأة أو «قلت» لمدة عقود.