بصمات | جوارب أدبية
د. علي حافظ
بعد عدة أيام من ظهور الفنان الفرنسي موريس شوفالييه بسرواله القصير على خشبة المسرح ليقوم بأدواره التمثيلية الساخرة، قبل أن يتحول إلى زي “السموكن”، تلقى عرضاً مغرياً من قبل إحدى الشركات المصنعة لـ “الكيلوتات” الرجالية لقاء موافقته على ارتداء ملابس من ماركتها؛ لكنه رفض العرض قائلاً: “إن نجوم (الفولي برجير) لا يعلنون عن الماركة التي تحملها قصاصات الأقمشة الصغيرة، وتغطي المناطق الممنوعة في أجسادهم فحسب!”.
إذا كان العمل سهل فالتفكير أصعب – حسب غوته – من أجل إنتاج الأفكار النيرة التي يمكنها أن تعطي نوعاً من الألق والسمو والدهشة.. كذلك، فعدد الناس القادرين على ابتكار تلك الأفكار وعرضها وتقديمها بالطرق المثلى قليل جداً، بل قل نادر!
أخذ صانعو الجوارب النسائية الأمريكية فكرة بيع الجوارب داخل أغلفة تطبع عليها رواية عاطفية متسلسلة، حيث تظهر تتمتها تباعاً على الأغلفة التالية؛ وهكذا تضطر السيدة لشراء الجوارب حتى تنتهي الرواية؛ التي تكون في الغالب رومانسية حميمية ونهايتها سعيدة!
خطرت أيضاً فكرة أكثر غرابة لأحد الناشرين الفرنسيين، وهي محاولة طبع الرواية كاملة على الجوارب نفسها، حيث تستطيع السيدة (لابسة الجوارب) قراءة الرواية حتى النهاية واضعة ساقاً فوق ساق؛ وفي الوقت نفسه تتيح للرجل أن يقترب منها أكثر فأكثر، ليتواصل الوعي الجسدي والوعي الفكري مع بعضهما بعضاً، جامعين بين متعتي القراءة والملمس الناعم للأرجل النسائية الرقيقة والحليقة طبعاً.
في النهاية، دعونا ولو لدقائق أن نكون أصحاب فكر ونقدم شيئاً ملموساً يخص هذا الجانب، فـ “الأمر بالتأكيد لا يتعلق فقط بمظهر المرأة، لأن الملابس الداخلية مهمة أيضاً” – حسبما يؤكد كارل كراوس!
ماذا لو طبعت قصة أو رواية أو شيئاً ما من الأدب العربي الكاسد، على كلسات أو على الألبسة الداخلية المغرية لعدد من المطربات العربيات المشهورات وغير المشهورات، اللواتي يعملن في الكباريهات وأقبية آخر الليل، ليظهرن في إحدى أمسيات المراكز والمؤسسات والمهرجانات الثقافية العربية التي تشكو من غياب الجمهور، والبرودة الأدبية والعقم الإبداعي وسوء البضائع؛ ولتذهب ميزانياتها الضخمة على أشياء حضارية مفيدة، بدلاً من ذهابها على أشياء بعيدة عن الثقافة وسبل تطويرها ونشرها وجعلها أولوية، أو على الأصدقاء والأحباب والمقربين من الكتاب والأدباء والفنانين وأشباههم؟!
تعليق واحد