استعاروا عنوان إحدى رواياته لنعيه: رحيل خالد خليفة يصدم الوسط الثقافي العربي
فجع الوسط الثقافي العربي والسوري مساء يوم السبت، الثلاثين من أيلول/ سبتمبر الجاري، بخبر رحيل الروائي السوري خالد خليفة، وهو لم يبلغ الستين من العمر.
وكان الروائي السوري الذي حازت أعماله الروائية العديد من الجوائز، وترجمت إلى العديد من لغات العالم، قد توفي مساء اليوم إثر نوبة احتشاء قلبية حادة داهمته في منزله.
وكان آخر ما نشره على صفحته الشخصية على (فيسبوك) شكوى من انقطاع الكهرباء والنت، حيث قال:
” الأصدقاء الأعزاء أعاني من أكثر من أسبوع من انقطاع شبه تام من انقطاع النت والاتصالات. أنا بخير وكل شيء على مايرام والبحر ساحر، والعودة إلى دمشق قريبة”.
كلمات الصدمة الأولى
ونعى كبير الروائيين السوريين، الروائي فواز حداد رحيل خالد خليفة بالقول:
“رحيل الروائي السوري خالد خليفة. الراحة والسلام لروحه”
وكتب الكاتب والسياسي د. يحيى العريضي:
“وداعاً الكاتب خالد خليفة؛ لا زال هناك الكثير ليُكتَب. هل أضحى هذا الكثير قاتلا؟!”
أما الشاعر اللبناني يوسف بزي فقد أشار إلى صداقته مع خليفة التي تعود إلى ثمانينات القرن العشرين بالقول:
“منذ العام 1987 بدأ مشوار العمر والصداقة مع خالد خليفة. وداعا حبيب القلب”.
واقتصر نعي المخرج مأمون البني على كلمات معدودة: ” الموت يداهمنا هذه الأيام مؤلم رحيلك يا خالد”
أما الإعلامي السوري أكرم خزام فكتب:
” في آخر بوستاتك كنت تستشعر أن الحياة باتت مقيتة، وللأسف تحققت استشعاراتك، وها نحن نتفرج على نبأ رحيلك عنها. قاس وأليم بالطبع هذا الموت اللعين وأنت من كان يلهث وراء عطاء لا ينضب… خلود …. خالد خليفة وداعا”
فيما كتب الصحافي والمحلل الاقتصادي عدنان عبد الرزاق بفجائعية صادمة قائلا:
زلزلني الخبر. رحيل صديقي وابن عمي خالد خليفة. جرحت قلبي.. على أساس جاي لنحكي
بكرت كتير.. في كتير لازم نعملو وتكتبو وتشهد عليه.. رحمك الله أيها الغالي المبدع”.
واعتبر الكاتب والصحفي المخضرم صبري عيسى أن غياب خالد خليفة هو وجع مضاف، فكتب على صفحته الشخصية على فيسبوك يقول: “خالد خليفة ، غيابك المبكر يضيف إلى أوجاعنا وجعاً جديداً . رحمة الله عليك”
تجارب وصور وذكريات
وتصدرت صور فقيد الأدب السوري صفحات العديد من الكتاب والناشطين السوريين على صفحات التواصل الاجتماعي، الذين استبدلوا صورهم الشخصية بصور خالد خليفة، ونشروا صورهم معه، وتحدث بعضهم عن تجاربه الخاصة معه، حيث كتب الناشر والمؤرخ السوري المقيم في باريس فاروق مردم بك يروي تجربته مع نشر أعماله بالفرنسية في دار (أكت سود) الفرنسية الشهيرة فقال:
“ببالغ الحزن تعلمت الليلة الماضية الاختفاء المفاجئ للروائي السوري خالد خليفة. العاطفة الحية التي طغت على وسائل التواصل الاجتماعي منذ الإعلان عن هذا الخبر الرهيب لا تقاس فقط بموهبته الكاتبة العظيمة، ولكن أيضا بالتعاطف العميق الذي أثارته شخصيته الدافئة المليئة بالحب. كان لي شرف أن أكون محرر فرنسي في Actes Sud من رواياته “مدح الكراهية” عام 2011، “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” عام 2016، و”الموت عمل روتيني” عام 2018. موته، هو، سنشعر به طويلاً كجرح هائم”
وكتب المؤرخ والباحث سعد فنصة، مستذكرا بداياته مع خالد في غرفة فقيرة على أطراف دمشق:
“خالد خليفة الصديق الغالي غدر بي وسبقني متعجلا في سفره البعيد. صدمتي كبيرة وليس هناك من كلمات أو عزاء يلم جرحي، أو يوقف نزيفه. أنا وتوأمه الروحي الفنان المرهف سامر اسماعيل. أعزي نفسي أم أعزي أيام الفقر المستدام الذي جمعنا سوية لأول مرة في غرفة متواضعة على أطراف دمشق.
قبل عقود بعيدة. كنا ننشد الحرية ولاشيء قبلها ولا بعدها. وقطفها خالد مبكراً، وبقيت أنا أنشدها وبقي سامر يرسمها، ويرسم خالد عند منحى الأفق. سنلتقي يوما ما يقترب ونكتب بحرية ونرسم ألواناً جديدة خارجين من قفص الجسد”.
ونشر الكاتب حسين درويش صورة جماعيه له مع خالد خليفة، وعلق عليها قائلا:
” غادر خالد خليفة هذه الصورة باكراً.
نشأنا معاً في حي واحد بمدينة حلب وأكملنا دربنا في الملتقى الأدبي لجامعة حلب. وهذه الصورة أمام مؤسسة العويس بدبي في نوفمبر 2021 مع الصحافي إسماعيل حيدر والشاعر شوقي بزيع والروائي الراحل خالد خليفة والروائي جلال برجس. خذلك قلبك يا خالد. القلوب الطيبة لا تصمد طويلاً. لعلك في مكان أفضل اليوم”.
ونشر الشاعر منذر المصري، صورة له أيضا مع خالد خليفة معلقا على خبر الرحيل:
“خالد.. عأساس تطبع مخطوط الرواية الجديدة (غرفة بصاق للعمة) على ورق ونشتغل عليها سوا.. اي أساس!؟ حياتنا كلها حفر وخراب.
بآخر مقابلة في المدن ذكر لي رامي غدير اسماء ناس قريبين كتير مني لعلق على كل اسم.. خالد خليفة: “اخاف ان يموت قبلي”!. صدقا كنت عارف! بآخر صورة.. الاثنين الماضي.. ودعني وهو يشرب كأسي.. كاسك ميزو!!!!”
وكتبت الصحفية إيمان الجابر، تروي جانبا من ذكرياتها، وتقاطع نشاطاتها التمثيلية والإعلامية معه:
“في اسطنبول، أجلنا الحوار لبرنامج (ليل وأوضة منسية) عدة مرات، ومازال مؤجلا.. كما هي كل الاحلام الجميلة. كان لي شرف التمثيل في أول عمل تلفزيوني لك ( سيرة آل الجلالي )، ومن يومها أصبحنا أصدقاء ، أكلت في بيتك وأكلت في بيتي، كنت قريبا جدا من قلبي وروحي ومازلت يا غالي، فأنت خير من يفهم الصداقة بين المرأة والرجل ويحترمها .. كم خسرنا في رحيلك أيها النبيل… حزينة جدا يا خالد ، كنت اتمنى أن نلتقي في سوريا ،لنكمل هذا الحوار “.
كما نشر بعضهم معلومات عنه على صفحاته، حيث كتب الروائي فادي أوطه باشي:
“رحيل مفاجىء للكاتب السوري خالد خليفة، رغم انه قد عنون روايته ب الموت عمل شاق.. لكنه الموت دوما سهل على الطيبينولد عام 1964 في أورم الصغرى حلب روائي وشاعر وكاتب سيناريو ومقالات أدبية جذبت روايته مديح الكراهية اهتمام وسائل الاعلام في جميع أنحاء العالم حيث وصلت الرواية للقائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الأولى في عام 2008. ترجمت روايته إلى اللغات (الفرنسية، الإيطالية، الألمانية، النروجية، الإنكليزية، الإسبانية) وحاز العديد من الجوائز.الرحمة لروحه والصبر لقلوب محبيه”
(الموت عمل شاق).. عبارة ملهمة تتكرر
عنوان رواية خالد خليفة (الموت عمل شاق) الصادرة عام 2016، كان أكثر العبارات التي كررها السوريون، واستوحوا منها عبارات النعي والرثاء، حيث كتب الفنان عبد الحكيم قطيفان:
“الموت عمل شاق..! فكيف اذا كان موتك ورحيلك عنا يا خالد..وداعآ يا صديقنا وجميلنا ومبدعنا..لروحك الطمأنينة ولنا جميعآ طيب ذكراك وسجاياك.”
أما القاص السوري مصطفى تاج الدين فكتب: “فعلاً، لا أستطيع أن أصدق أبداً، أن صديقنا الجميل، الروائي المبدع “خالد خليفة” قد رحل… رحيلك “عمل شاق” بالنسبة لنا… وداعاً يا نبيل، وداعاً يا كبير…”
وكتب الروائي سالار أوسي: ” قلتَ :” الموت عمل شاق “، ومارسته باكراً . قلتَ : ” لم يصلِ عليهم أحد “، وها سيُصلى عليك. الصديق الروائي خالد خليفة لروحك الطمأنينة والسلام.
وكتب الأديب إسلام أبو شكير كلمات تنضح مرارة وسوداودية: ” يبدو أن الموت في هذا الزمن هو العمل الوحيد الشريف.. لا الشاقّ فقط. تريد الحقيقة يا خالد؟ حسنٌ أنك فعلتها.. كبرت بعيني يا رجل”.
الموقف من الثورة
ورغم أن خالد خليفة ناصر ثورة السوريين، وانحاز إليها في كثير من كتاباته وعلاقاته، وسبق أن تعرض للضرب وكسرت يده خلال اعتداء أجهزة الأمن السورية عليه أثناء مشاركته في تشييع الموسيقي السوري ربيع غزي في أيار 2012، إلا أنه تمكن من البقاء في دمشق والعودة إليها مرارا، مع الحفاظ في الوقت نفسه على علاقاته مع كثير من من مؤيدي النظام من أصدقائه الكتاب والصحفيين والفنانين، وعلى ما يبدو فإن هذا الشخص الذي عرف بدماثته وتفاؤله وطيب معشره، سيكون بمنأى عن اختلاف السوريين على شخصه إزاء حدث الرحيل المفاجئي هذا، رغم أن د. مهنا بلال الرشيد، قد افتتح هذا الاختلاف بحجب التعزية عن مؤيدي بشار الأسد فكتب على صفحته الشخصيبة يقول:
“رحم الله الرّوائيّ خالد خليفة…أتوجّه بالتّعزية لأسرته وأهله وأصدقائه ومحبّيه وقرّائه جميعًا (ما عدا الشّبّيحة من مؤيّدي المجرم بشّار الأسد”.
وكان خالد خليفة قد وجه عام 2021 رسالة مفتوحة إلى العالم ينتقد الصمت والتواطؤ الدوليين، إزاء حرب الإبادة التي كان يتعرض لها السوريون فقال:
“… لم يعرف العالم طوال تاريخه المعاصر هذه الشجاعة والشجاعة مثل تلك التي تجلى بها الثوار السوريون في كل مدننا وقرانا. ولم يعرف العالم مثل هذا الصمت، والتواطؤ في الصمت الذي يعتبر الآن تواطؤا في جريمة وانقراض شعبي.
شعبي شعب السلام من القهوة من الموسيقى التي أتمنى أن تستمتعوا بها يوما ما من الورد من أتمنى يوما أن يصل إليك العطر لتعلم أن قلب العالم اليوم معرض للإبادة الجماعية وأن العالم كله متواطئ في الدم المسكوب. لا يمكنني أن أقول المزيد في هذه الأوقات الصعبة، ولكن آمل أن تتضامنوا مع شعبي بأي طريقة تراها مناسبة. أعلم أن الكتابة عاجزة و عارية أمام المدافع و الدبابات و الصواريخ الروسية التي تقصف مدننا و مدنيينا، لكن ليس لدي رغبة في سكوتكم أيضاً في التواطؤ في قتل شعبي”.
روايات ومسلسلات ومساهمات ثقافية
وخالد خليفة المولود في قرية (أورم الصغرى) بريف حلب عام 1964، حائز على إجازة في الحقوق من جامعتها عام 1988، وله مساهمات متفرقة في الحياة الثقافية سواء خلال فترة دراسته الجامعية أو ما بعدها. وهو عضو في اتحاد الكتاب العرب، أصدر أولى روايته (حارس الخديعة) عام 1993، والثانية (دفاتر القرباط) عام 2000 فيما حازت روايته الثالثة (مديح الكراهية) التي نشرها عام 2008، على اهتمام لفت الأنظار إليه بسبب حساسية موضوعها، التي تناول حرب نظام حافظ الأسد على الحريات العامة والنقابات التي عرفت أيضا بـ “حربه على الأخوان” حازت روايته (لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة ) الصادرة عام 2013 على جائزة نجيب محفوظ للرواية ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) ودخلت روايته (لم يُصلِّ عليهم أحد)، القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2020 أيضا.
كانت لخالد خليفة تجارب متفاوتة في كتابة المسلسلات التلفزيونية، أبرزها (سيرة آل الجلالي) 2000 و(قوس قزح) 2005 وكلاهما من إخراج هيثم حقي. و(أهل المدينة) إخراج بسام سعد (2004)، ومسلسل (هدوء نسبي) الذي أخرجه التونسي شوقي الماجري عام (2009) والمسلسل يروي رحلة مجموعة من الإعلاميين إلى العراق عشية الغزو الأمريكيعام 2003، واضطرارهم للبقاء هناك شهرا بعد سقوط بغداد، ثم عودتهم إلى بلادهم ليروي كل واحد منهم القصة من منظوره. والجدير بالذكر أن المسلسل استند إلى تجربة ذاتية، إذ شارك خالد خليفة في رحلة مماثلة قام بها مجموعة من الصحافيين والأدباء والكتاب السوريين إلى العراق عشية الغزو الأمريكي، ومنهم كاتب هذه السطور، ولكن الحدث انتهى بعودتهم لى سورية قبيل سقوط بغداد بأيام، بخلاف قصة المسلسل.
3 تعليقات