نوافذ الإثنين | مسؤوليات المواطن
ميخائيل سعد
لست بصدد إعطاء درس في المواطنة والأخلاق ومسؤوليات المواطن تجاه نفسه ووطنه وحكومته، فأنا أكره التعليم منذ أن بدأته رغما عني عندما كان عمري ١٩ عاما، فقد كنت بحاجة للراتب كي أقي نفسي المهانة والذل، وعشت كل عمري، حتى الآن وأنا أكره أن أكون معلما أو واعظا، واكتفيت بنقل قناعاتي الجديدة إلى سلوك يومي، دون تبجح أو ادعاء أو ”فشخرخة“، عندما أستطيع، إلا في حالات قليلة، فلا أحد يخلو من العيوب، لذلك قلت للقضاة في المحكمة التي اتخذت قرار قبولي كلاجىء لأسباب إنسانية وسياسية عام ١٩٨٩: أعدكم أن أكون مواطنا صالحا.
لم أكن أعرف معنى كلمة مواطن بشكل واضح، كنت أظن أن المواطن الصالح يعمل، لا يسرق، لا يغش، لا يقتل، يعني أن يكون عاملا شريفا يعيش من جهده، ويمتثل للقوانين. لم أفكر أن من واجب المواطن دفع الضرائب للدولة لتمويل الخدمات العامة والبنية التحتية والمشاريع العامة التي تعود بالنفع على الجميع، ففي بلدي الأصلي سورية كانت الضرائب تُسرق من قبل الحكام والموظفين، وعندما كنا نراها كانت تُقدم للمواطن على إنها ”هبة“ من القائد، يدفعها للمواطن من جيبه الخاص، وليست من ميزانية الحكومة. لذلك، ولأسباب أخرى كان المواطن يدمر أي شيء له علاقة بالدولة، فهي عدوته الأولى، وعليها سرقتها كلما أُتيح له ذلك وخير، مثال على ذلك سرقة الهواتف العامة التي تم نصبها في الشوارع، وتكسير شتلات الأشجار التي يتم زرعها في الشوارع.
لن أتكلم عن واجب المواطن في المشاركة السياسية عبر التصويت في الانتخابات في كندا، فوسائل الإعلام تقوم بهذه المهمة على أكمل وجهه، أما عن هذا الواجب في بلدنا سورية، فالناس تُساق بالعصا للقيام بهذا الواجب، كي يعلنوا وفاءهم للقائد المفدى الذي يبذل الجهد الكبير في الحرص على ذهاب المواطنين إلى”الجّنة“ بسلام.
أما عن بقية واجبات المواطن في احترامه لحقوق الآخرين وحرياتهم، وعدم التمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الطبقة الاجتماعية، والالتزام بالمشاركة المدنية من خلال الأعمال التطوعية، والمساهمة في الجهود الخيرية، والحفاظ على الموارد العامة مثل المياه والهواء والتراث الثقافي والبيئة الطبيعية، فسيكون من المضحك المبكي الحديث عنها في بلدنا سورية، وبشكل خاص عن دور”دولة سورية الأسد“ في الخراب العام وارتكاب المجازر بحق المدنيين والأطفال والنساء، وحتى في قتل الحيوانات.
كان كل ما سبق كتابته نوعا من المقدمة الطللية لما سأذكره الآن عن الواقعة التي حدثت معي اليوم، تقدم نموذجا حقيقيا وواقعيا عن دور المواطن ومسؤولياته تجاه نفسه ومجتمعه في كندا.
كنت بعد ظهر اليوم السبت، مع زوجتي، في أحد المراكز التجارية، وقد ركنت سيارتي بصعوبة في مكان فارغ بين سيارتين، وهذا شيء عادي ومألوف أيام السبت والأحد، فالناس تستغل عطلة نهاية الأسبوع للذهاب إلى المراكز التجارية (المولات) للتسوق، لذلك الازدحام مفهوم. بعد أن انتهينا من شراء حاجياتنا، توجهنا إلى السيارة، وصعدنا بها، في اللحظة التي أتيت فيها سيارة لتقف في مواجهة سيارتي، وكان فيها رجل وامرأة، أثناء محاولة الخروج من المكان الضيق نسبيا ( بالنسبة لختيار)، احتكت سيارتي بالسيارة التي على يساري، صححت وضع سيارتي وخرجت من المكان، فأشار الرجل الذي كان في السيارة المقابلة إلى أنني لمست السيارة المجاورة، أوقفت سيارتي وخرجت منها، وذهبت لتفقد السيارة المصابة، ومسحت بقايا التراب والوسخ عن مكان الاحتكاك، فوجدت أن السيارة سليمة، وقلت للرجل وزوجته: أوكي، لا يوجد مشكلة. ولكن الرجل لم يعجبه كلامي، فهو يعتقد أنني جرحت السيارة التي بجواري، ولما رأى أنني غادرت، سحب هاتفه والتقط صورة للوحة سيارتي. طبعا، هو سيكمل واجبه كمواطن ويرسل رقم سيارتي لصاحب السيارة الأخرى، الذي لا يعرفه، وهذا أمر سهل. في طريقي الى البيت فكرت بسلوك هذا المواطن وسلوك زوجته، فهو يحاول بعمله هذا الدفاع عن مصالحه، لأنه عندما يقوم كل مواطن بواجبه في تجاوز الآخرين على حقوق غيرهم إنما هو يقوم بدوره كمواطن صالح أولا، وكإنسان يحمي حقوقه، عبر حماية حقوق الآخرين والدفاع عنها. اكتشفت أنني ارتكبت أكثر من خطأ:
- كان يجب أن أترك رقم هاتفي على زجاج السيارة المصابة.
- كانت شركة التأمين هي التي ستقرر مدى الضرر ومسؤوليتي عنه.
- كان ذهابي بالطريقة التي ذهبت بها يدل على اللامسؤولية، وعدم احترام واجباتي كمواطن، علما أنه في حال وجود ضرر بالسيارة، ستدفع شركة التأمين المبلغ. صحيح أن الشركة ستغرمنيقليلا، ولكن هذا أمر محمول وعادي.
- والأمر الأخير، أنني بتصرفي هذا قدمت نموذجا سيئا لسلوك مواطن أسمر البشرة، ونحن لسنا بحاجة لتأكيد الصورة المسبقة في ذهن الغربيين عنا كعرب ومسلمين.
أخيرا، قررت تصحيح خطأي وعدت بعد حوالي نصف ساعة لمكان الحادث، فلم أجد السيارة التي احتككت بها. على كل حال، أنا على استعداد نفسي لدفع ما يترتب عليّ من غرامة، إذا وصلني بلاغ بذلك.
مونتريال ٢٤/٢/٢٠٢٤