العربي الآن

دعارة إلكترونية والخافي أعظم: دمار في البنى الأخلاقية وقصص تنهك المجتمع

إيمان أبو عساف- العربي القديم

كي تتناول قصصاً بالغة الحساسية مثل موضوع الدعارة الإلكترونية أو المباشرة أو الحالات الأكثر بشاعة من ذلك… كـ “سفاح القربى”، سيكون عليك أن تتوخى الدقة في القول والاستقصاء، وخاصة عندما تتناول فيها مجتمعاً، كان إلى حين في ترتيب العائلة السورية الأقل إحصاءً في قضايا مثل هذه، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم هذا المجتمع وطبيعته. 

ولكن عندما تشمل هذا المجتمع عملية النزاع المستمرة، لابد أن تكون المتغيرات قاهرة  وتعمل على انزياح كبير في محصلة القيم عموماً، و على مستوى الأسرة خصوصاً.

تبدلات قيمية في زمن الحرب

لقد أغرقت الحرب البلاد بعوز مادي تجلّى عبر تدني قيمة الليرة السورية وتدني الرواتب، والعجز التام عن متابعة متطلبات الحياة بأولياتها، وتأتي هجرة الشباب لتترك الكثير من الأسر بحالة بحث عن لقمة العيش، وبعد ذلك سنمر حتماً على ذكر امتناع من تبقى من الشباب عن الالتحاق بالخدمة العسكرية وعدم قدرتهم على المرور عبر الحواجز  الأمنية المنتشرة على حدود محافظة السويداء، الأمر الذي ضيق سوق العمل وجعل البطالة متسعة لتشكل ظاهرة واضحة للعيان.

وأمام أفق مسدود، يتفاقم الوضع بإجراءات زيادة أسعار الوقود المنزلي والصناعي الذي ينعكس مباشرة على مشتريات المواطن الأولية مع هبوط مستمر لسعر الليرة، ويمكن أن نضيف هنا الفقد في عملية النزاع  موتاً او تغييباً قسرياً …

كلّ ذلك وأكثر… غيّر البُنى الأساسية في المجتمع،  التغيير المستمر يعني خروج المرأة  للعمل بالمعنى العام لكن أي عمل مع كل ماذكرناه من إكراهات، قد يكون العمل تسويق كما تم الإعلان عنه على وسائل التواصل، وسيكون  بعد ذلك عملية استجرار تحت وطأة الحاجة لممارسات غير أخلاقية مقابل مبلغ مالي مغر في البداية، ثم عبر التهديد بالفضيحة قد تقدم المرأة خدمات أخرى قهراً وخوفاً.

دعارة إلكترونية ودعاوى بالعشرات

وبعد التواصل مع المحامية م.م، استطعت أن أطلع على دعوى مقدمة ضد فتاة، وقد اعترفت فيها أنها فعلاً تقوم بممارسة الدعارة الإلكترونية وتغرّر بفتيات أخريات وبموافقة زوجها الذي هو أيضاً يقوم بعرض خدمات من هذا النوع، و أخبرتني الأستاذة المحامية أن هناك عشرات الدعاوى من هذا النوع مقدمة، ولكن نجد الكثير من الصعوبة في  متابعتها  لأن الامر يتعلق بالسرية التامة للمحاكمات والخوف الدائم من الوصمة الاجتماعية.

كما اطلعت على قضية لقاصر مغتصبة من قبل والدها الذي استمر باغتصابها لفترة طويلة، وبعد أن أخبرت الفتاة أختها المتزوجة بذلك قامت بتقديم الدعوى ضد الأب، وهو رجل دين توفت زوجته وله قيمة اجتماعية حيث يقيم، وما زالت الدعوى قائمة حتى الآن بسبب المحسوبيات ومكانة الأب الاجتماعية التي تمنع من اتخاذ الكثير من العقوبات ضده.

قضية أخرى تقدمت بها شابة تتعرض للاغتصاب المستمر من والدها، وبعد التحقيق تبيّن أن الأب أيضاً متدين وأن زوجته اختارت أن تتدين مما اقتضى تبعاً للمذهب مسلكاً في الحياة الخاصة يتطلب التحفظ بل الامتناع عن ممارسة الحياة الزوجية بالأكمل…. ما زالت هذه القضية أيضاً تنتظر الحكم.

حدّثتني المحامية أيضاً عن شابة تقدّمت بشكوى اغتصاب من والدها، وتعرضت أثناء تقديم الدعوى للتسخيف والهزء والاتهام والتشكيك، فلم تكمل إجراءات الدعوى، كما كان هناك دور للمال الذي زج رشوة لتبرئة المتهم… لم تجد الشابة ملجأ او جمعية لتحميها، فعادت أدراجها لعيش واقعها المأساوي من جديد.

ظاهرة نادلات الليل!

ظاهرة أخرى في المنطقة لفتت انتباهي واستطعت مقابلة فتاة تتحدث لي عنها، وهي ظاهرة نادلات الليل في الأمكنة العامة، والتي تعمل فيها الفتيات بأجور بخسة ولكن رب العمل يطلب منها أن تكون مجتهدة “وشاطرة” لتحصل على المال الإضافي، وهناك أماكن عامة، أتحفظ على ذكر أسمائها، تقوم بمهام متعلقة بالسمسرة في عالم الدعارة وكل ذلك بحماية فصائل تابعة للأمن العسكري.

أضافت المحامية أن هناك قضايا متعلقة بزواج قاصرات من شباب من دروز لبنان ليتبين أن المشروع ليس زواج بل استثمار، تم رفع دعاوى متعلقة بهذا النوع من الدعارة وهي موكلة بعدد منها..

بالنتيجة الأمر هو محصلة لسنوات حرب طاحنة ضد السوريين الذين حلموا بالتغيير السياسي،  أحدثت الكثير من التغيرات على القيم، ولم تلتفت بعد أي جهة إلى فداحة الأمر،  فحسب السيدة المحامية، لابد من مراقبة دولية على تنفيذ المعاهدات الموقع أو المصادق عليها مثلاً،  وأن التعديلات على قوانين الأحوال الشخصية بات أمراً ملحا ليواكب كل هذه المتغيرات، وأشارت أن هناك نصوص قانونية يمكن تفعيلها  ليكون لها أثر على الأقل في هذا الظرف الحرج جداً ،الذي يعيش فيه المجتمع بالسويداء واقعاً مأساوياً متعلقاً ببنية الأسرة تحديداً، وبقيم أخلاقية كانت سمة من سمات المجتمع في السويداء و ميزان حاسم للحكم عل المسلكية.

أخيراً، لا بد من ذكر أن معظم الدول العربية أحدثت قانون الأسرة وما استتبعه ذلك من قيام مؤسسات مختلفة حقوقية، ودور رعاية وحماية، متعلقة بتنفيذ القانون. بات السعي لقانون أسرة مدني أمر أساسي وملح في سورية كي يشكل دعامة هامة في حماية الأسرة.

________________________

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.

زر الذهاب إلى الأعلى