"دنيا وأميرة حلب": عذابات اللجوء السوري تدخل عالم الرسوم متحركة
فتاة سورية صغيرة يجب أن تهرب من بلدها بسبب الحرب. هذه قصّة دنيا، بطلة فيلم الرسوم المتحركة “دنيا وأميرة حلب”. فيلم روائي طويل أول، حيث تسلّط المخرجة ماريا ظريف الضوء على معاناة، وصمود الأطفال الذين يعانون من الحرب في سوريا.
دنيا تبلغ من العمر ست سنوات، وتعيش في حلب مع جدّيها: تيتا مون التي تُقدّم لها وجباتها اللذيذة، وجدو درويش الذي تمشي معه في شوارع المدينة التي يبلغ عمرها ألف عام، حتّى في خضمّ القصف الذي تعرضت له. وتشهد المدينة الآن، وسوريا حالة حرب. عندما يتعرض منزلهم لانفجار، تسلك العائلة الصغيرة طريق المنفى، مع كلّ مخاطر الرحلة، هذا دون الأخذ في الاعتبار الخيال الغامر لدنيا الصغيرة، الكثيفة مثل شعرها الأسود الفاتر.
ميلودراما حياة تتبدل
بين غناء الكناري، والمشي مع جدها وجدتها تعيش دنيا الصغيرة حياة حلوة، ومليئة بالهمّ في آن. فقدت الطفلة الصغيرة البالغة من العمر ست سنوات، والدتها ليلى، بعد وقت قصير من ولادتها، ولكنْ بفضل حبّ جدّيها، وقصص والدها الجميلة دنيا لم تعانِ كثيراً من هذه الخسارة.
معها تستدعي ماريا ظريف أساطير موطنها الأصلي سوريا، في أول فيلم روائي طويل لها شاركت في توقيعه مع أندريه قاضي. إن المأساة التي يعيشها الشعب السوري منذ عام 2011 تتطلّب التفاؤل المُشعّ الذي تكشفه التأثيرات المضيئة التي تتخلّل عالم الرسوم المتحركة المُبهج عموماً.
عيون دنيا الكبيرة والبريئة، والتي غالباً ما تتساءل هي تلك التي ينظر إليها جميع الأطفال الذين عانوا، ويعانون من الحرب في هذا الانفجار من العنف. دنيا، وأميرة حلب حكاية رائعة، ومليئة بالواقعية، تشبه أغنية الأمل لحناً حيوياً يُغنّى في حلب، ويجسده موسيقى تصويرية أصلية، تكسر مأساة الوضع. تخبرنا المخرجة ماريا ظريف.
الحرب في سوريا، أصابت وجود دنيا وعائلتها بحالة من الهلع، وعدم اليقين، فلم يعد متاحاً، حتّى المشي إلى السوق، أو الألعاب البريئة والمناقشات بالقرب من النافورة، وتوجب عليهم الفرار من حلب المدينة المليئة بالعجائب، والتقاليد البالغة القِدم التي تعود إلى آلاف السنين، والتوجه إلى تركيا، ثم أوروبا.
تصميم على الحصول على الفرح
الثلاثي برفقة تاجر التوابل وزوجته، وابنه والجار الصديق العزيز لجدّة دنيا. الرحلة من سوريا طويلة وصعبة، ولكنها ممزوجة بالمساعدات المتبادلة والأغاني، بفضل بذور البركة التي أخذتها معها، وحماية أميرة حلب – التي تشاركها الشعر الطويل الأسود مثل الليل – تساعد دنيا رفيقيها طوال الرحلة.
يقال: “الموسيقى هي نار الروح”، وتتفق المخرجة ماريا ظريف مع هذا التوجه النقدي، حيث أدخلت العديد من الألحان التقليدية في قصّتها السريعة والملوّنة، لتحكي لنا قصّة دنيا وعائلتها، تمزج بين اللغتين الفرنسية والعربية، كما فعلت دائماً، خلال طفولتها في سوريا. هذا التناغم بين اللغتين، والذي تُضاف إليه تعابير لذيذة نموذجية من حلب يرمز إلى ارتباط
الطفلة الصغيرة، وعائلتها بثقافتهم الأم.
مستقبل ملون
يجمع الفيلم، الذي يحمله صوت دنيا، بين الحكاية، وقصّة الرحلة، ونظلّ منبهرين بحيوية، وبهجة حياة الفتاة الصغيرة، على الرغم من الضربات القاسية، والظلم والصعوبات، فإنها لا تسمح لنفسها أبداً بالهزيمة. هذه الرغبة في الحياة، ورثتها دنيا بلا شك عن جدّها الذي يتقدّم دائماً إلى الأمام، مهما كان الأمر واثقاً بالمستقبل، وبالأشخاص الذين قد يلتقي بهم في طريقه. إنهم يرمزون معاً إلى القوة، للمضي قدماً بأيّ ثمن، والبدء من جديد أينما يقودهم القدر. تقول المخرجة ماريا ظريف: “إن الرغبة في الحياة هي التي تجعل الناس مبدعين، وهذا ما أردت إظهاره في هذا الفيلم”.
هذه القصة عن الهجرة القسرية المحفوفة بالمخاطر، تحملها رسومات رائعة وفيرة بخطوط دافئة، تتناوب مع الأسود والأبيض الأنيق. وإذا استذكرت المأساة التي عاشها الأطفال، والكبار الفارون من سوريا، فإنها تحكي لنا عن كلّ مناطق الحرب في العالم التي تنتهك فيها الطفولة، ولكن يبقى فيها الأطفال إيجابيين وطوعيين يسعون لتحقيق أحلامهم، رغم كلّ شيء. هذا “الأمل المجنون” الذي تأخذه دنيا معها في كلّ مكان يجعل قصّتها أكثر تأثيراً، بينما تظلّ عالمية، وعادلة للغاية.