العربي الآن

من أحداث الساحل إلى احتفالات عيد الثورة: السوريون بين الحزن والفرح

كيف يمكن لشعب أن ينتقل من الحداد إلى الاحتفال بهذه السرعة؟ كيف يمكن للحزن والفرح أن يتجاورا بهذه السهولة؟

مهدي الناصر- العربي القديم

يحكى أن رجلًا دخل إلى أحد الأسواق القديمة، فوجد بائعاً يجادل زبوناً حول سعر بضاعة، لكن الجدال لم يكن عاديًا، فقد كان البائع يضحك والزبون يبتسم رغم اعتراضه.

 وقف الرجل متعجبًا، وسأل أحد الواقفين: “كيف يمكن لإنسانين أن يختلفا ويبتسما في آن واحد؟”، فأجابه العجوز الواقف بجانبه: “يا بني، في الحياة لا توجد مشاعر نقية تماماً. كل فرح فيه شيء من الحزن، وكل حزن فيه بصيص من الأمل، وهذه هي طبيعة البشر”.

تذكرت هذه القصة وأنا أراقب السوريين هذه الأيام في ذكرى انطلاق الثورة السورية، التي لم يتفقوا حتى على تاريخها: هل هي في 15 آذار أم 18 آذار؟ لكن هذا العام تحديداً، يبدو أن المشهد أكثر تناقضاً من أي وقت مضى.

لقد سقط النظام أخيراً، وهرب بشار الأسد في 8 سبتمبر 2024، حدث انتظره السوريون لسنوات طويلة، يوم ظننا أنه سيكون نهاية الألم وبداية الفرح، ولكن، هل كان كذلك حقًا؟

كانت لحظة سقوط النظام أشبه بالحلم، لكن الفرحة لم تدم طويلًا قبل أن تتسلل إلى قلوب السوريين مشاعر القلق والريبة. الرئيس أحمد الشرع، الذي تولّى قيادة المرحلة الانتقالية، أثار جدلًا واسعاً، فبينما رأى البعض أنه رجل المرحلة، نظر إليه آخرون بعين الحذر، خاصة أن تشكيل حكومته بعد سقوط النظام مباشرة، لم يكن على مستوى التوقعات، وجوه وشخصيات بلا تأثير حقيقي، وتوازنات سياسية تعيد إلى الأذهان زمن التسويات والمصالح الضيقة، الانتقادات لم تأتِ فقط من المعارضة التقليدية، بل حتى من الشارع السوري، هناك : “كنا نظن أننا نبدأ عصراً جديداً، لكننا وجدنا أنفسنا نعيد أخطاء الماضي. لم نرَ حتى الآن تغييراً حقيقياً، فقط تبديلاً في الوجوه”.

ثم جاء مؤتمر الحوار الوطني، الذي لم يكن سوى مرآة لحالة الانقسام السوري، البعض رأى فيه خطوة ضرورية لوضع أسس الدولة الجديدة، بينما اعتبره آخرون محاولة لفرض واقع لم يتفق عليه الجميع بعد، ويتسائل البعض، كيف يمكن لحوار وطني أن ينجح إذا كان لا يمثل كل السوريين؟ كيف يمكننا بناء سوريا جديدة بنفس الأدوات القديمة؟ في كل مرة نقترب من حل، يظهر صراع جديد، وكأن السوريين لا يستطيعون الاتفاق على شيء، حتى وهم يحاولون إعادة بناء بلدهم، الأمر لا يتعلق فقط بالخلافات السياسية، بل بمشاعر أعمق من الانتماء والخذلان والخوف من المستقبل.

لكن الضربة الأكثر إيلاماً جاءت من الساحل السوري، حيث وقعت أحداث دامية تركت الجميع في حالة من الصدمة، مئات الضحايا من المدنيين، وسقوط ضحايا لعناصر الأمن العام السوري، وفوضى جعلت السوريين يتساءلون: من المسؤول؟ هل هي القيادة الجديدة التي لم تستطع ضبط الوضع؟ أم أنها فلول النظام التي تحاول زرع الفوضى قبل أن تخرج من المشهد تماماً؟  أحد سكان اللاذقية: “لم أعد أعرف من هو عدوي ومن هو صديقي، كل طرف يقول إنه يريد مصلحة سوريا، لكننا نحن من ندفع الثمن.”

الخوف هنا ليس فقط من الفوضى الأمنية، بل من أن تكون هذه الأحداث مؤشراً على أن سوريا لن تعرف الاستقرار حتى بعد سقوط النظام، لكن في نفس اليوم تقريباً، جاءت الأخبار عن اتفاق حكومة الشرع مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، خطوة كانت تُعتبر مستحيلة قبل أيام، لكنها اليوم أصبحت واقعاً.

وفجأة، تغيرت المشاعر، وبدأت الاحتفالات، وكأن الحزن الذي خيم على السوريين بسبب مجازر الساحل قد اختفى، هذا التناقض الصارخ جعلني أتساءل: كيف يمكن لشعب أن ينتقل من الحداد إلى الاحتفال بهذه السرعة؟ كيف يمكن للحزن والفرح أن يتجاورا بهذه السهولة؟ هل صنعَت فينا هذه السنوات الطويلة حالة من التبلد العاطفي، أم أن السوريين أصبحوا يعيشون في حالة دائمة من الفصام العاطفي؟

في هذه الأيام، وهي أيام شهر الثورة، تتكرر هذه المشاعر المختلطة من جديد، لم يعد السؤال فقط عن تاريخ الثورة، بل عن جوهرها، عن مستقبلها، عن سوريا التي نحاول أن نبنيها، ربما آن الأوان للسوريين أن يتجاوزوا خلافاتهم ويبدأوا في بناء وطن يتسع للجميع، وإلا فسنظل ندور في نفس الدوامة العاطفية والسياسية إلى الأبد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى