الكهرباء والقرار الكارثي: وإن قسوت فهي قسوة المحب
المشكلة أعمق وأكثر خطورة من قرار اتخذ وتم التراجع عنه أم لا

مصعب الجندي- العربي القديم
مصيبة بين الاستسهال والاستهتار يعاني منها السوريون باستخدام المفاهيم كنظريات وتعاريف أو أداءً وفعل، مصيبة ليست جديدة وإنما قديمةً متجددة متطورة مع ازدياد سطحية عقول العارفين في المعارف بغير تجارب ولا متابعة أو تحليل عميق، حتى في الحالات التي لا تحتاج أكثر من (صفنة) من متواضع المعرفة والخبرة. والحالة الأخيرة تضعني في مواجهة سؤال، هل التعامل معها كان بقصد أو عمد أم مجرد استسهال تحول لاستهتار؟
ما صدم السوريين في الآونة الأخير هو رفع تكلفة استهلاك الكهرباء بكافة الاستخدامات وبقفزات قريبة للإنهاك، رغم أن الأمر لا يحتاج أكثر من (صفنة) دقائق لمسؤولي وزارة الكهرباء، حتى لا يقدموا على مثل هذا الإجراء أو على الأقل إعادة الدراسة والبحث في مخارج مختلفة في حالة أزمة التمويل، وللأسف تجاوز الأمر إلى التبريرات رغم أحقية بعضها الهامشيّ جداً، وأركز على الهامشية. كما تمزّق السوريون في الاعتراض عليه بحيث كان إجماعاً حول رفضه، وهو أمرٌ سرّني أن هناك إجماعٌ سوريّ على أمر ولو كان عند البعض القليل شماتة، لا يُقدم عليها إلا تافه حاقد لئيم وفي غالب الأمر غير معني فيه أو متأثر.
رغم ما ذكرت، المشكلة أعمق وأكثر خطورة من قرار اتخذ وتم التراجع عنه أم لا… فالوضع بالحالين سيّان، وبات الأكيد عندي هو غياب رؤية شاملة لدور الدولة في مرحلة تبدّل استراتيجي وإيديولوجي لهذا الدور الذي كان نظام الاستبداد يفرضه كحالة رعاية شبه كاملة تتوافق وطبيعة إجرام النظام، وإن كانت مجرد فتات لغالبية الشعب السوري تجعله معلقاً من حنجرته (لا جوع ولا شبع) لا فكاك منها إلا الانخراط بالفساد، تلك معادلة التوازن الداخلي التي عمل عليها حافظ الأسد إلى أن فقدت مبررات وجودها مع تحطم دساتير الخوف وكانت من مقدمات ثورة الشعب السوري.
أصبح أول معاني التحرير اختلاف دور الدولة (الرعائي) وهيهات أن يكون الفهم لذلك انسحاب كامل لمسؤولياتها تحت عناوين الحرية والديموقراطية مع مقارنات خرقاء مع دول ومجتمعات أخرى.
الدولة كما هي مؤسسات ووطن/أرض هي الناس بعلاقة جدلية متبادلة بين الثلاث، وهي التعبير المؤسساتي الواضح للمرحلة الانتقالية المفصلية الأخطر بين الحاضر والمستقبل وكان من المفترض أن تكون أولى مهامها الدراسات الشاملة الاقتصادية والاجتماعية وتجهيز قواعد بيانات واضحة كانت سوريا تفتقدها عن عمد تحقيقاً لمآرب الفساد السياسي والأمني، أما تحقيق البناء الرقمي الدقيق للبنى الاجتماعية والاقتصادية فهو ليسهّل على صانعي القرار اتخاذه بصيغة دقيقة مع هامش بسيط للخطأ وإمكانية تصحيحه، وما نلاحظه بعد التحرير التُخمة في استخدام الأرقام واختلافها بين المصادر أو مكان وجهة الاستخدام. ليس القصد هنا أن نجّمد نشاط المؤسسات ريثما نستدرك ما فاتنا بل على العكس هو سيرٌ في خطوط متوازية متوازنة وهادئة باتجاه أولويات أولها لقمة الناس وعيشهم بكرامة.
حذار…!
المشاهد التي تستعاد عشناها مرّات ومرارات وفي جميع الساحات.. حذار أن يفضحنا جهلنا وخوفنا والنزوات، فالغد والمستقبل حينها فكرة ماضية، والنتيجة أقل شرفاً من الأسباب، ويفقد سديمنا ” تعبنا “، زواياه حين يكون عقلنا صورة، مجرد صورة، لما يحدث، ومحاولة إدراك لما لم يحدث….. الشجاعة أن نغزّ أصابعنا في جروحنا وإن اختلفت الساحات والرايات.