الرأي العام

المصباح | الانهيار من الخوف

همام البني – العربي القديم

يحق لجامعة كولومبيا وباقي الجامعات الملتحقة بحراكها الفخر.الوقوف لجانب أربعين ألف ضحية وبلد محتل، مسألة بديهية، ليس مكانا للتفاخر، على الأقل لمن ما زال يؤمن بإنسانية الجنس البشري، المؤسسات العريقة تلك صُمم تاريخها على منتج إنساني اهدته للبشرية، نتاجها الوحيد، الإنسان، في تجلياته العظمى، القدرة على التفكير وتحدي الواقع، التفكير كمفهوم نظري، التحدي كمحرك، ونحن بماهيتنا البشرية، كنموذج.

يُعظم البشر، واهمين، قدرتهم على التماهي، لعبة التخفي خلف السلطة، المنصب، المال، الأيديولوجيات والنظريات، لعبة مورست بمهارة منذ نشأة الإنسان العاقل، أتقن البشر مهارة الوهم منذ أزلهم، فاتهم، دائما الجزء الأهم،  صورتهم عن ذواتهم، لم تكن حقيقتهم، الحقيقة فيما لم يسمعوا ويشاهدا، وقف ستالين قبل وفاته بأربع أشهر أمام الجماهير الغفيرة قائلا:” ماذا كان بإمكانكم أن تفعلوا بدوني ؟!”، صفقت الجماهير، وهتفت بحياته، عندما مات بقي ملقى على الأرض ليوم كامل لأن أحدًا لم يكن يجرؤ على الدخول إليه دون إذنه.

بعدها بأعوام طويلة ضحك العالم، بمافيهم الروس، في فيلم سينمائي ساخر حمل اسم “موت ستالين” The Death of Stalin، الشخصيات حول الزعيم السوفيتي كانت هزلية، اختارها بنفسه، برغماتية سخيفة، مهزوزة، مخابراتية. يحول الزمن الدكتاتوريات إلى نكتة، يُنهي حفلاتهم التنكرية مع بلادهم ومؤسساتهم، المُعقّد هنا، قِناعَك الشخصي الذي وضعته بيدك، لما يجري حولك، سيصبح حقيقتك، أنت، ما رضيته لنفسك.

يضحك دكتاتوريو العالم، اليوم، ملء أفواههم، صمتَ القبور في شعوبهم، حين يصنع شباب، الأمم الحيّة، الغد، هذا صوتنا الذي لن تسكته رئيسة جامعة، ستتقاعد بصفتها، رئيسة الجامعة التي اعتقلت طلابها، سيبقى صوتنا يحرك نشرات الأخبار ويدفع الاستقالات والاحتجاجات التي لابد منها.

طلابهم، نخبهم ومثقفيهم، يؤمنون فعلا بافكارهم، يدفعون ثمنها، تُعتقل استاذة الفلسفة، نويل ماكافي، مؤلفة كتاب “الخوف من الانهيار: التحليل النفسي والسياسة”، بتضامنها مع القضايا الإنسانية، ماكافي التي استخدمت نظرية التحليل النفسي لاستكشاف المخاوف الكامنة وراء الأزمات والطرق التي يمكن أن تساعد بها الممارسات الديمقراطية في العمل من خلال الصراعات السياسية التي تبدو مستعصية على الحل، كتبت، ماكافي، عن كيفية العمل من خلال القلق، الغموض، الهشاشة والخسارة من أجل خلق سياسة أكثر ديمقراطية، جمعت الفيلسوفة الشجاعة، بين نظرية التحليل النفسي والممارسة الديمقراطية الملموسة، كانت نفسها، المثال، الكتب ليست للقراءة فقط. تخوض مؤسساتهم ونخبهم، الحروب خوفا من الانهيار، في الأثناء، انظروا إلى أنفسكم ، انظروا حولكم، ها نحن، ننهار خوفاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى