فضل عبد الغني المُتوّج بالجائزة الفرنسية الألمانية يكشف حصاد حقوق الإنسان عام 2023
حاوره: محمد منصور
شكلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، منذ سنوات واحدة من أبرز وأهم المنظمات السورية التي عملت بجد ودأب، على توثيق الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها السوريون في ظل حكم نظام الأسد، والحرب التي شنها لمواجهة ثورتهم الشعبية الباحثة عن التغيير، فقد ساهمت في فضح جرائم نظام الأسد وحلفائه، وكان حضورها في المنابر والمؤتمرات الدولية صوت السوريين الذي يواجه كذب النظام، ويدحض افتراءاته.
ويأتي حصول الشبكة على الجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان مؤخراً، مناسبة لهذا الحوار مع مديرها فضل عبد الغني، الذي أردناه كذلك مراجعة لحصاد العام 2023 في مجال حقوق الإنسان، وأسوأ القرارات والانتهاكات التي شهدها العام المنصرم، دون أن نغفل الرؤية العامة للعام 2024 وأمنياته.
وهنا النص الكامل للحوار.
س: حدثنا بداية عن الجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان التي حصلتم عليها في الحادي عشر من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، ما أهمية هذه الجائزة على صعيد الجوائز المختصة بنشاط منظمات حقوق الإنسان؟
– هي جائزة مهمة؛ لأنها من دولتين تحكمهما أنظمة ديمقراطية. أهميتها من وجهة نظري أنها تعيد تسليط الأضواء على سورية، بعدما خطفت الأضواء منها، نحاول أن نستثمرها في التذكير، بما يجري في سورية، نحن كمجتمع مدني، أي إنجازات نحققها كمؤسسات أو كأفراد، هي ليست شخصية نحن لسنا سياسيين، وما عندنا أحزاب، ولن نشتغل في السياسة، نحاول أن نسخرها لخدمة المجتمع، هذا هو مفهوم المجتمع المدني، وللقضية التي خرجنا من رحمها، ولكي نخدم القضية أكثر، وإن كان هناك بعد شخصي فهي نوع من التكريم بالنسبة لي، كوني خلال ثلاثة عشر عاماً كنت أعمل بشكل يومي وهذا مرهق جداً. هي تأتي في هذا الإطار… نوع من التكريم المعنوي، وأساساً أنا لا أعرف أنني رُشحت لها قبل الفوز بها.
س: لماذا توصف هذه الجوائز، من قبل الكثير من الأنظمة بأنها مسيسة، وهي تُعطى للمنظمات التي تنفذ أجندات الغرب؟!
– ليس كل الجوائز هكذا، وأساساً هي لها معايير محددة لا تمنح هكذا جزافاً، وهي حرصاً على مصداقيتها من المهم أن تمنح لأشخاص حقيقيين وجديين، وإلا فقدت قيمتها، ولهذا لا أعتقد أن للبعد السياسي أي قيمة.
س: أنت بالنسبة لك… ماذا تعنى هذه الجائزة؟
– على الصعيد الشخصي المباركات التي أتتني من السوريين تعادل بالنسبة لي قيمة الجائزة، حجم هائل من الناس التي علقت وباركت، وأرسلت رسائل خاصة وشخصية، وكتبت تعليقات مميزة، بالرغم من أنها جاءت في وقت الحرب على غزة التي تستأثر باهتمام الجميع. هذه المحبة، وهذا التقدير هو دافع كي نستمر، فنحن نحتاج لدافع معنوي، عملنا مرهق وشاق.. نحن نستمع إلى معاناة الناس، نوثق ما يحدث، نتابع ونحلل هذه البيانات؛ حتى نستطيع أن نُبقي سورية ضمن دائرة الاهتمام الإعلامي، ودائرة الاهتمام السياسي، وبالحقيقة سورية مليئة بالانتهاكات والأمور التي تستحق أن تُطرح وتتابع. وفي هذا السياق الجائزة مهمة ولها رمزية، ومن حصلوا عليها عبر السنوات الماضية، أشخاص لهم مكانتهم المهمة وتضحياتهم المشهودة، وهذا دليل إضافي على أهميتها، لكن الميزة الأساسية بالنسبة لي أنها أتت، بسبب خدمتنا لبلدنا وخدمتنا للسوريين، مع أننا في عملنا هذا لا نلتفت للجوائز. حصلنا عليها أهلاً وسهلاً، لم نحصل، فنحن بوجودها أو عدمه نعمل، وسنستمر في عملنا، “ما فرقت يعني”.
س: إذا أردت أن تهدي هذه الجائزة معنوياً، فلمن تهديها؟
– أهديها لفريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ولكل من عمل معنا منذ 2011 حتى الآن، طبعاً منهم من مازال مستمراً، ومنهم من انقطع، ومنهم من استجدت ظروف في حياته، وحصل على حق اللجوء وصار في أوروبا، ولكن بالنتيجة هذا جهد تراكمي في الحقيقة.
أيضاً أهدي الجائزة أولاً وأخيراً للضحايا الذين وثقنا معاناتهم وهؤلاء بالملايين، فكلنا ضحايا نظام الأسد، وباقي أطراف النزاع، فأنا أهدي الجائزة لهاتين الفئتين.
س: إذا أردنا أن نتحدث عن حصاد العام 2023 في مجال حقوق الإنسان.. كيف يمكن إجمال الصورة العامة باختصار؟
– الموضوع ليس أرقاماً فقط، إن عدد الانتهاكات مثلاً في 2023 كان أقل مثلاً من عام 2018، أو 2019… لا. القصة ليست هكذا هذه حالة تراكمية، ومعاناة الضحايا مازالت مستمرة، وتتفاقم عاماً بعد عام، وخصوصاً أنه لا توجد محاسبة لأي طرف من الأطراف التي ترتكب هذه الانتهاكات. لكن ما يميز عام 2023 الزلزال الذي وقع، والانتهاكات التي تعرض لها ضحايا الزلزال، لم تتم الاستجابة لهم بالشكل المطلوب، وتأخرت المساعدات، بل تاجر النظام بمعاناتهم واستغلها.
أيضاً استمرار عمليات القصف الروسي، واستهداف مراكز حيوية من قبل الروس، لإرسال رسالة بأنهم مازالوا موجودين في سورية، ومازالت لهم بصمة بقتل السوريين.
وما يميز هذا العام إلغاء نظام الأسد لمحكمة الميدان العسكرية، ونحن أصدرنا تقريراً موسعاً من ثمانين صفحة، تحدثنا فيه عن هذا الإلغاء، لأننا منذ مدة طويلة، ونحن نعمل على هذه المحكمة التي تصدر أحكاماً جائرة للغاية.
طبعاً نظام الأسد مازال هو المتصدر الأول، والمرتكب الأبرز لانتهاكات حقوق الإنسان في سورية، سواء بشكل تراكمي عبر السنوات الطويلة، أو من ناحية مسؤوليته كإحدى سلطات الأمر الواقع في سورية، ودوره في عرقلة الحل السياسي في سورية. مختلف أنواع الانتهاكات مازالت مستمرة، وأضيف إليها حصيلة جديدة.. التعذيب الوحشي مستمر، الاختفاء القسري، وحالات الاعتقال التي تتحول لاختفاء قسري مستمرة، التشريد القسري ازداد، سواء بسبب هجمات الروس أو بسبب الزلزال، وهناك حالات تشريد للسوريين من النظام، بسبب الأوضاع الاقتصادية الكارثية، سواء إلى شمال غرب سورية، أو بحثاً عن اللجوء في أوروبا.
س: ما هو أسوأ انتهاك حدث في مجال حقوق الإنسان سورياً؟!
– أسوأ انتهاك حصل في سوريا هو القتل، استمرار القتل. أسوأ شيء إزهاق أرواح البشر، وخصوصاً أولئك الذين ماتوا تحت التعذيب، مازالت أعدادهم عالية، ومازالت سورية هي الأسوأ في العالم في هذا المجال، إذا أخذنا فترة عقد كامل أو (13) عاماً… إلى جانب الاختفاء القسري الذي يشكل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، وما يستتبع ذلك من عمليات ابتزاز للأسر لمعرفة مصير معتقليهم.
س: ما هو أسوأ انتهاك حدث في مجال حقوق الإنسان عربياً؟!
– للأسف مازالت عمليات الاعتقالات التعسفية قائمة، وتجري في معظم البلدان العربية، وهي غالباً ما تترافق مع عمليات التعذيب. هذا برأيي أسوأ انتهاك لحقوق الإنسان عربياً؛ لأنه يجر خلفه سلسلة من الانتهاكات الأخرى.
س: ما هو أسوأ انتهاك حدث في مجال حقوق الإنسان عالمياً؟!
– أسوأ انتهاك على مستوى العالم هو التضييق على حريات الرأي والتعبير، وهذا ما يؤثر على نشاط حركات المعارضة في العديد من بلدان العالم، أرى أن هذا من الانتهاكات الكارثية على مستوى العالم، وهذا ما يمنع الناس من إبداء الرأي.. هذا يمنع قيام أي حركة معارضة يمكن أن تدافع عن حقوق الناس ضد انتهاكات السلطات.
س: ما هو أسوأ قرار اتخذ ضد حقوق الإنسان عام 2023 سواء على الصعيد السوري، أو العربي، أو العالمي؟
– أسوأ انتهاك على الصعيد السوري هو عدم حماية المدنيين السوريين، من قبل المجتمع الدولي. بقاء نظام الأسد هو أكبر انتهاك بحق السوريين، لأنه يفتح المجال أمام مختلف الانتهاكات بحقهم.
عربياً مازال غياب المظلة الحقوقية العربية… عدم وجودها هو أكبر انتهاك لحقوق المواطن العربي. مثلاً هناك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تقوم بدور فاعل، وشخصياً شهدت محاولة لتأسيس محكمة عربية لحقوق الإنسان، وشخصياً حضرت الجلسة الثانية لنقاشات تأسيسها، لكن الأمر كان صادماً، لم يكن هناك أي استقلالية في فكرة تأسيسها. كان الطرح أن تقوم الحكومات العربية بتأسيسها، من خلال الجامعة العربية.. طبعاً هذا الأمر يحولها إلى نوع من القضاء الذي لا يحمي الحريات ولا الحقوق.
أما على الصعيد العالمي، فأسوأ انتهاك هو غياب الإلزامية في تطبيق قوانين حماية حقوق الإنسان، وتطبيق نصوص المعاهدات والقرارات التي تصدر عن الجمعية العامة، أو حتى من مجلس الأمن أحياناً.. وهذه نقطة الضعف في القانون الدولي، تسبب انتهاكات عالمية لحقوق الإنسان، وتسهم في ضياعها، وتجعل الناس لا تؤمن بالقانون الدولي. القانون الدولي برأيي نصوصه جيدة، وهو يفضح ويدين، ولكن لا توجد قوة تدعم تطبيقه، وهذا برأيي انتهاك بحد ذاته، لأنه يتم برضا دول كبرى وفاعلة.
س: من هي المؤسسة، أو المجموعة، أو الهيئة السورية التي قدمت الكثير لحقوق الإنسان عام 2023؟
أنا أرى أن هناك عدداً من المنظمات التي عملت بشكل ممتاز خلال العام المنصرم، في مقدمتها المنظمات الطبية التي بذلت جهوداً أسطورية، وعملت ضمن أجواء صعبة ومعقدة للغاية، مثل سامز، وأوسوم، وسيما. أيضاً هناك المؤسسات الإغاثية التي عملت على بناء قاعدة مؤسساتية، وقامت بخدمات جبارة، وأبرزها منظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء)، وفريق ملهم التطوعي.
س: ما مستقبل تعايش ثقافة حقوق الإنسان، مع بروز الخطاب العنصري، وصعود اليمين المتطرف في أوروبا؟
هناك تهديد كبير لثقافة حقوق الإنسان بالفعل، من خلال هذا الخطاب العنصري المتطرف، لكن ربما ما يطمئن أن أغلب الدول الغربية المتقدمة هناك استقرار راسخ للقوانين فيها، يمنع من أن يتحول هذا الخطاب العنصري إلى سياسة ثابتة ترسم مسارات هذه البلدان ككل، وإن كان هذا لم يحل دون إيجاد هوامش لتلاعبات سياسية، وبروباغندا إعلامية تسهم في تعزيز هذه التوجهات العنصرية في الشارع، ورأينا خلال العام 2023 ما حدث في هولندا في الانتخابات الأخيرة على سبيل المثال، وبالتالي قد تصل إلى قمة السلطة شخصيات متطرفة، لكن القانون يحد من جنوح وغلو اليمين المتطرف، كما رأينا في إيطاليا أيضاً. طبعاً هناك حالة من القلق تستوجب التصدي للعنصرية، من خلال خطاب موازٍ يعزز احترام القانون، وثقافة حقوق الإنسان التي لا تميز بين البشر على أساس عرقي أو جغرافي، ويبرز تداعيات وخطورة هذا الخطاب العنصري على باقي دول العالم.
س: كيف تتصور حال حقوق الإنسان في العام 2024؟
رغم أنني لست من المتشائمين الذين يحبون الخطاب التشاؤمي الذي يذهب إلى الأقصى والأسوأ، في رسم صورة المشهد، إلا أن حالة حقوق الإنسان عام 2024 في سورية لن تكون وردية أبداً، خاصة في غياب أي أفق لتحقيق حل سياسي، ورحيل سلطات الأمر الواقع، وفي مقدمتها رحيل الأسد. بدون ذلك، ودون تغيير النظام، وتغيير باقي قوى الأمر الواقع المسيطرة، لا أرى أن هناك تغييراً للأحسن أبداً.
ويمكن القول: إن وضع الانتهاكات سيستمر عام 2024، وفي بعض الجوانب سيكون أسوأ، وبشكل خاص انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ نتيجة حالة انعدام فرص العمل، وهذا ما يؤدي إلى انتشار المزيد من الفقر، ويولد مشاكل اجتماعية كبيرة جداً. أيضاً فقدان فرص التعليم، ونشوء جيل أمي لا يعرف أن يقرأ ويكتب. هذا انتهاك جسيم لحقه في المعرفة. هذا سيتفاقم أكثر من أمور أخرى.
أما التمنيات، فأنا أتمنى في 2024 أن يعود الاهتمام الدولي بالقضية السورية، وأن يتم إيجاد حل لهذا النزاع الذي استغرق 13 سنة، وولد هذه الكارثة الإنسانية التي خلفت ملايين المشردين، ومئات آلاف القتلى والمختفين قسرياً. أتمنى أن يوجد حل، ونبدأ نلملم جراحنا، ونبدأ في مشوار التحسن أو التعافي، لكن قبل ذلك سنمر بمرحلة من الفوضى، نتيجة وجود قوى وميلشيات كثيرة خارج إطار الدولة.
في سورية مازال الطريق أمامنا طويلاً جداً، ونحن بحاجة لنفس طويل، وبحاجة أن ندرب حالنا كي نستمر؛ لأن هذه بلدنا، وهي بحاجة لنا.
تعليق واحد