الرأي العام

تفاصيل سورية | ثم بدأت أستمع كلمات في السياسة

بقلم: غسان المفلح
هذه السنة الدراسية الغالية على قلبي لسببين الأول أنني حصلت على المرتبة الأولى في نهايتها. وكما قلت هي المرة الوحيدة خلال دراستي. الثاني أن استاذي في تلك السنة ذكرته في زاوية سابقة، بقي يزور والدي ويتابع دراستي حتى نهاية المرحلة الإعدادية.

في تلك السنة أيضا بدأت تظهر على علائم الولع في كرة القدم. كان يلعب في ملعبنا فريق اسمه فريق الوحدة على ما أذكر، هذا الفريق كان من ضمن لاعبيه الشاب رضوان سرور الذي صار مهاجما دوليا معروفا. مع كل هذا الولع في كرة القدم، تقدمت في الدراسة. تقريبا في كل امتحانات السنة الدراسية حصلت على العلامة التامة. لا أعرف من أين اتى كل هذا الاجتهاد- تحتاج ابتسامة هنا- أيضا أذكر أن هذا الأستاذ لم يضرب أحدا من طلابه كباقي الأساتذة. لديه دفتر تحضير أنيق جدا، وملفت للنظر بالنسبة لنا آنذاك. أيضا يهتم بأناقته كثيرا ونظافته ونظافة الصف والتلاميذ. صديقي محمد ابن صاحب سينما النجوم علمنا على نوع من الخلطة نلتهمها ببطء وهي عبارة عن خليط من ملح الليمون والكمون والنعنع اليابس الناعم. أيضا على ما أذكر. إنها سم حقيقي لجهة ملح الليمون، لكنها كانت بالنسبة لكثر من الشلة لذيذة. لماذا قلت سم حقيقي؟ لأن والدتي رحمها الله كانت تعاقبني كلما رأتها، تعاقبني بالكلام طبعا. لأن والدي رحمه الله كان يمنع عنها الضرب نهائيا فما بالكم “بالشحاطات وما أدراك ما الشحاطات” التي كان رفاقي يشتكون من استخدام أمهاتهم لها. ونعيّر بعضنا “فلان اليوم أكل كم شحاطة من أمه”. كان الأستاذ يساعدنا في ذلك دون دراية منه، عندما كان يسأل التلاميذ من منكم اليوم ضربته أمه؟
الإحساس بأنك متفوق في الصف الدراسي له طعم خاص حقا. حتى علاقة والديك بك تتغير نسبيا. بتصير محترم أكثر” هههه”. وخاصة قبل نهاية العام الدراسي أتى الأستاذ لبيتنا أول مرة، بعد أن طلب مني أن أقول لوالدي أنه سيأتي إلى البيت لفنجان قهوة. شعرت بالفخر أمام والدي وأنا أخبره بذلك، ورحب طبعا. عندما أتى قدمت له القهوة، والدي لا يحب القهوة أبدا ولا يشربها إلا محرجا. تماما كالثوم ممنوع منعا باتا دخول البيت. لهذا أنا وأخوتي أعتقد لم نتعرف على الثوم إلا متأخرين. بعد أن قدمت القهوة أردت الخروج لكن والدي طلب مني البقاء. سمعت حديثا في البداية عني وعن اجتهادي في الصف. ثم بدأت أستمع لكلمات في السياسة دون أن أعرف منها شيئا تقريبا. أصابني الملل لكنها فرجت بعد أن طلب الأستاذ المغادرة. ودعه والدي بحفاوة كما استقبله. كان الأستاذ حريصا ألا يعرف أحد بزيارته لبيتنا، لكن على من؟  فضحت الدنيا بتلك الزيارة. بعدها تكررت وبت أهرب منها أحيانا لأن كرة القدم أهم. أعود معفرا بالغبار لأن الملعب كان ترابا. رغم كل الوقت في اللعب إلا أننا كشلة لعيبة لم يحصل أيا منا على الحذاء الخاص بكرة القدم رغم المطالبة المستمرة من أهالينا. والدي لم يكن عنده مانع، لكن وزارة الداخلية -أمي- كانت ترفض لأنه غالٍ وسيتمزق بسرعة. هي معها حق كنا جمهورا في البيت. أخواتي وأخوتي. لمن ولمن ستشتري وهي المدبرة لراتب والدي فقط. مطلوب منها ألا تستدين. خاصة أنها تريد أن تبني ثلاث غرف إضافية لأن الغرفتين الموجودتين لم تعودا تكفيان لعائلة، ولأم قررت أن تنجب دزينة من الصبيان والبنات!

انتهى العام الدراسي، تسلمت الجلاء ومعه جائزة المرتبة الأولى كانت عبارة عن مقلمة، بالطبع وأنا انتظر نهاية المدرسة للسفر للقرية. والدتي لم تكن وزارة الداخلية فقط بل المالية والاقتصاد أيضا و” الشحتفة” كي تبنى غرفها الثلاث. لهذا عملت فسّاداً مرة (أي واشياً)، غضبت مني فقالت لي: “يلعن أبو يلي خلفوك” عندما أتى والدي من الوظيفة فَسَدتُ له مباشرة ابتسم: أمي اليوم سبتني. فقال لي بعدها: عيب.

زر الذهاب إلى الأعلى