العربي الآن

هل الفيدرالية واللامركزية ضرورة أم ترف سياسي؟ 

هل هي نابعة من حاجة حقيقية، أم أنها مجرد محاولات لاستيراد نماذج سياسية دون فهم آثارها؟

أنس غنام – العربي القديم

في ظل النقاشات الدائرة حول أنظمة الحكم، يُصرّ البعض على طرح الفيدرالية أو اللامركزية كحلول سحرية لكل المشكلات السياسية والإدارية، حتى في دول صغيرة ذات بنية إدارية قابلة للإصلاح دون الحاجة إلى تغييرات جذرية في نظام الحكم مثل سوريا. لكن هل هذه الدعوات تستند إلى منطق واقعي، أم أنها مجرد ترف سياسي يخفي وراءه أهدافًا أخرى؟ 

استنساخ غير مدروس

تاريخياً، نشأت الفيدرالية والكونفدرالية في دول ذات مساحات شاسعة أو تنوع ديموغرافي معقد، ما جعل توزيع الصلاحيات بين الأقاليم ضرورة للحفاظ على وحدة الدولة. لكن في دولة صغيرة ذات بنية اجتماعية متماسكة وإدارة مركزية فعالة مثل سوريا، تبدو هذه الطروحات مجرد استنساخ غير مدروس لنماذج سياسية لا تتناسب مع الواقع المحلي. فالفيدرالية قد تؤدي عملياً إلى تفكيك الدولة إلى كيانات شبه مستقلة، مما يفتح الباب أمام تضارب الصلاحيات والتنافس على الموارد، وقد يخلق بيئة صراع بدلاً من تعزيز كفاءة الإدارة. أما اللامركزية، رغم فائدتها في بعض الجوانب الإدارية، إلا أنها ليست بالضرورة الحل الأمثل، خصوصاً إذا كان بالإمكان تحسين كفاءة النظام المركزي ليؤدي وظائفه بفعالية. فلماذا إذن يُفتح الباب أمام تعقيد إداري قد يضعف الدولة بدلاً من تقويتها؟ 

السؤال الأهم: ما الدافع الحقيقي وراء هذه المطالب؟

 هل هي نابعة من حاجة حقيقية، أم أنها مجرد محاولات لاستيراد نماذج سياسية دون فهم آثارها؟ ففي دول مثل العراق، تسببت الفيدرالية في صراعات مستمرة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، ليس فقط حول الصلاحيات وتوزيع الثروات، بل أيضاً على النفوذ السياسي، مما أضعف الدولة بدلاً من تعزيز استقرارها. أما في لبنان، فقد أدى ضعف الدولة المركزية وتوزيع النفوذ على أسس طائفية إلى شلل المؤسسات وجَعْلِها رهينة لزعامات محلية متناحرة، في نموذج لا يرتبط باللامركزية بشكل مباشر، بل يعكس إشكالية أعمق في آلية توزيع السلطة. فهل من الحكمة تكرار هذه التجارب في دول لم تواجه أصلاً المشكلات التي دفعت لاعتمادها في أماكن أخرى؟

إن المطالبة بأنظمة فيدرالية أو كونفدرالية في دول لا تحتاجها ليست سوى تقليد أعمى لنماذج لا تناسب السياقات المحلية. وبدلاً من الانشغال بتفكيك الدولة إلى وحدات أصغر، ينبغي التركيز على تطوير الإدارة المركزية وتحسين الأداء الحكومي. فالدولة القوية ليست تلك التي توزع سلطاتها بلا ضرورة، بل التي تحقق العدالة والكفاءة ضمن إطار مركزي متماسك يحفظ استقرارها ويعزز قوة مؤسساتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى