العربي الآن

إدلب.. فرصة أبو محمد الجولاني الأخيرة

رزق العبي – العربي القديم

تأخرت في الكتابة عن احتجاجات السوريين في إدلب ضد هيئة تحرير الشام، المستمرة منذ فترة، والتي تطورت إلى اعتقالات وتطويق أمني لبعض المناطق وملاحقة وانتهاكات مختلفة تُنفِّذها “الهيئة” في سلوك ليس مُستغرباً على الإطلاق، بل إنه تأكيد المؤكد الذي يردده الكثير من السوريين حول هيئة تحرير الشام وتصرُّفاتها، التي تتقاطع مع ممارسات نظام الأسد في كثير من الأوقات، والتي تخدم النظام أيضاً.

هيئة تحرير الشام التي غيّرت جلدها منذ سنوات عدة مرات، من ذراع للقاعدة بمسمى جبهة النصرة، إلى إعلان الانفكاك عن القاعدة، إلى هيئة تحرير الشام، بالإضافة إلى تغييرات شكلية، تشمل تقصير عناصرها وقادتها ذقونهم وألبستهم الرسمية، اقتداءً بأبو محمد الجولاني الذي تحوّل فجأة إلى “جنتل” يرتدي الجينز وينافس بشار الأسد في تسويق نفسه للسوريين، من الخروج إلى الشوارع انتقالاً إلى اللقاءات التي يُغرقها بالفلسفات البشارية..

بالعودة إلى المظاهرات، والتي لا يختلف أحد حول مشروعيتها كحق أساسي لأي شعب في العالم، لتحقيق مطالبه، لكنني _ وقد لا يُعجب الكثير من السوريين في إدلب هذا الكلام _ أجد أن تعطى هيئة تحرير الشام فرصة محددة بزمان واضح لتنفيذ المطالب المشروعة التي يطالب بها المتظاهرون، وعدم تسعير الشارع أكثر، لما قد يدفع تلك الهيئة لاستخدام العنف الحقيقي، الذي أراه قد يتطور إلى استخدام المدفعية والأسلحة الثقيلة الأخرى، وربما قد نجد قرى تُقصف في حال اقترب أحد من كرسي أبو محمد الجولاني، الذي يرى في إدلب حصالة المال والنفوذ. وبالتالي من الصعب جدّاً أن يتنازل هذا الرجل.

الرجل الذي يسيطر على إدلب بقرار دولي _ كما أعتقد _ والذي ترى فيها الدول الكائن الأنسب للسيطرة ولو حاليا على هذه الكتلة البشرية المسحوقة في إدلب منذ سنوات.

الدعوة للتهدئة ليست تأييداً للجولاني، فأنا أكثر السوريين عداء لهذا التنظيم بسبب أفكاره وسياسته، ولكن كرمى لحياة ملايين السوريين، أرى أنه من الضروري إعطاء فرصة لتصحيح المسار مؤقتاً لأن الدول في الوقت الحالي راضية كل الرضا عن أبو محمد الجولاني، وقد انتخمت وهي تسوِّق له عبر الإعلام، وهي أيضاً ستغض الطرف عنه في حال قرر فتح معركة حقيقية ضد السوريين الراغبين بتغييره وجماعته، مثلما سكتت وتسكت عن بشار الأسد.

الفاتورة التي دفعناها منذ ٢٠١١ باهظة والخسائر كبيرة وثقيلة جداً لذلك علينا أن نضبط المطالب، وأن يتم تشكيل وفد رسمي متفق عليه يقابل الهيئة ويتفقون على تنفيذ تلك المطالب بزمن محدد.. وفي وقت التنفيذ يتم العمل على التهدئة الحقيقية.. وبعدها لكل حادث حديث.

وعلينا ألا نغطي الشمس بغربال، فبمقارنة بسيطة لعمل الحكومات التي تشتغل على الأرض السورية مجتمعةً لوجدنا أن حكومة الإنقاذ بالرغم من سياستها فهي أفضل الموجود، سواء في مناطق سيطرة بشار الأسد أو حكومة ريف ريف حلب المتهالكة التي تفوح منها رائحة الفساد، وكذلك بقية الحكومات..

وأيضاً القضاء في مناطق السيطرة المختلفة في سوريا، نجد حقيقةً أن القضاء في إدلب من أفضل السلطات القضائية في سوريا من حيث ردّ المظالم وتنفيذ الأحكام. وهذا بشهادة السوريين هناك.

لا شكّ أن إدلب بيضة القبان في أي بحث حول المسألة السوريّة، سواء سياسياً أو عسكريا أو اقتصادياً وحتى شعبياً حيث يجتمع فيها سوريون من كل المحافظات السورية، ولأجل ذلك علينا أن نضبط كل تصرف من شأنه أن يُبقي عليها حاضرة ولها وزنها.. وقد تتحول إلى البيضة والقبان معاً.

زر الذهاب إلى الأعلى