تحريم الزواج من خارج الطائفة لدى الدروز... هل يصمد أمام المتغيرات؟!
بقلم: إيمان أبو عساف
عندما نتناول قضايا الأقليات، سنُصْدَمُ حتماً بخطوط حمراء، تخص المقدس في الثقافة والتاريخ والعقيدة والهوية. وعندما أريد أن أقارب كل ذلك، تصيبني خشية تناول أي موضوع بنفس وسائل مجتمعي.
لقد أُغرق كل منا بالذاكرة الجمعية الموغلة عمقاً واتساعاً، ولما كان مجتمع ما يعرف بالموحدين الدروز مجتمعاً يحمل تأثيرات المذهب أو الدين، كان من الصعوبة بمكان أن ألج قضايا في غاية الحساسية، وخاصة تلك المتعلقة بالمرأة؛ لأن المرأة في مجتمع تغرقه الهيمنة الذكورية هي قضايا محرمة!
وكثيراً ما كنت أُسأل عبر مشاركاتي في نشاطي المدني والحقوقي، وفي عملي، عن أسباب وموانع انغلاق الطائفة، حول زواج نساء المذهب الممنوع خارج الطائفة، وكنت مرتبكة جداً في الإجابة حتى لا أضع نفسي موضع إشكال.
وعلى مر الوقت، ومع قيام الثورة، عرفت حالات زواج عديدة من خارج الطائفة. قوبل بعضها بالرفض الشديد، ووصلت أحياناً إلى درجة القتل، وفي حالات أخرى كان أقل ردود الفعل الرفض والنكران.
ويمضي الحدث السوري بكل مفاعيله، ليغير مسارات المجتمع، ويضع الجميع أمام أسئلة تخص الانتماء والهوية والعقيدة وما شابه، وهنا ندرك أن الثورة ليست فقط ضد النظام السياسي، وإنما بصورة يظهر فيها تآزر تمضي نحو إنجاز مفاهيم وقيم جديدة.
وفي سؤالي الذي توجهت به مرة إلى عدد من شيوخ الهيئة الروحية في جبل العرب، كانت الإجابة حتى بين أعضائها تتراوح، بين جواب توفيقي ومهادن، وبين رفض كلي.
ولما سألت عن النص الديني الذي نستند إليه في ذلك، أجابني شيخ أتحفظ على اسمه بطلب منه: لا نص دينياً يحرم زواج نساء الدروز الموحدين الإسلام من الطائفة الكبرى. ولقد حدث عبر التاريخ، ولشخصيات روحية مؤثرة الزواج من خارج الطائفة من الجنسين. والوضع مع المتغيرات التي كابدتها الأقلية الدرزية أخذ صورة التحريم من الخروج، عبر التواتر والعادة، وليس عبر السند الشرعي.
بعضهم أجابني من الهيئة الروحية: إن أمر التحريم يأتي من كون الدروز يحافظون على كرامة المرأة، ويعتبرون الزواج المتعدد (تعدد الزوجات)، إهانة لكرامتها الإنسانية، والذي لا يحقق عدالة، والشاهد الآية الكريمة التي تقول: ” مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة”، ثم “ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم” (النساء:129). هذه إجابة قاطعة وحاسمة برأيهم على أن العدالة صفة مطلقة لله، وبعض المشايخ قاربوا المسألة، من خلال تسهيلات في المصاريف المادية، برعاية هيئات اجتماعية تقوم هي بالطقوس والمراسم، وتلغي المهور.
ويبدو أن هذا الحل جزئي جداً لمسألة كبرى تهدد فعلاً تماسك المجتمع، وأحد شيوخ العقل قال، وهو صاحب مكانة روحية مميزة، قال لي: إنه من المؤكد أن الحياة مثل نهر، متغيرة، وما كان محرماً ستجعله المتغيرات المتسارعة موضوعاً بالمتناول. والمتغيرات لا تؤتي أكلها بسرعة، لكنها كفيلة بإنجاز مرحلة مختلفة على جميع الصعد.
ويبدو أن ما حكم نساء جبل العرب بشكل عام هو لحظات تأسيس المذهب التاريخية، والمشاريع السياسية، وطبيعة طموحات مؤسسيها، لكن المهم هنا أن المرأة في جبل العرب متحفظة جداً، إذا كانت من طبقة العقّال بتشديد القاف، ولكن المرأة التي تنضوي تحت مسمى طبقة الجهّال (بتشديد الجيم) نسبياً كانت حرة في أن تكون ضمن ظروف خاصة اجتماعية، سيدة مجتمعها، وصاحبة قرار، ورأينا هذا الأمر تاريخياً، عندما كان الرجال يرتحلون إلى المهجر أو الحروب.
والمرأة الدرزية بلحظة تاريخية معينة قاومت الترسيخ القسري الذي مارسه النظام علينا كطائفة، والتحقت بالثورة منذ البداية، رغم أن الإعلام لم يظهر ذلك لغاية ما، ودخلت مدججة بكل مشروعية الثورة تعي أن قضيتها تمس كل المجتمع السوري.
وعندما يحشد النظام ضد الطائفة سراً ليغلق عليها ويغيبها، ويستعملها كوسيلة لشرعنه أفعال القتل والتهجير، والتدمير الأخلاقي والقيمي والنفسي، ها هي اليوم تدخل بعدد يوازي أكثر من نصف الرجال في الحراك المستمر منذ أكثر من شهرين، وتهتف مسقطة النظام القاتل لشعبه، وتعيد قصص التاريخ عبر الأهازيج، لتؤكد هويتها الوطنية، وتستشعر كلما هتفت: “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد” دفء الانتماء، وروح الأصالة والثقافة. وللتو بدأت تعي حريتها تعبيراً، وتلفت الانتباه إلى أن مجتمعنا بكليته مأزوم ومستعبد، وأن المجتمع الحر لا ينتج إلا أفعالاً حرة وفكراً حراً.