حدث في سورية: رجل الأعمال يرفض طلباً لرئيس الجمهورية!
في عام 2007 نشر الصحافي السوري البارز غسان الإمام، الذي رحل عن عالمنا في منفاه الباريسي عام 2018، مقالاً مطولاً روى فيه أبرز الأخطاء الطباعية التي وقع فيها خلال عمله الطويل في الصحافة السورية منذ خمسينيات القرن العشرين، وحتى انقلاب البعث عام 1963، والتي تسببت بكوارث وأحياناً أثارت دعاوى قضائية. وكان من أبرز القصص التي رواها في مقاله الشيق، تلك التي كان شاهداً عليها، بل هو شخصياً طرفاً فيها؛ لأن القصة وصلت إلى رئيس الجمهورية، وكان رئيس الجمهورية آنذاك هو شكري القوتلي، وعلى الأرجح وقعت هذه الحادثة خلاف فترة رئاسته الثانية بين عامي (1954- 1958). يقول غسان الإمام:
خبر إفلاس رجل أعمال كبير
لو درست الحقوق والقانون لما ارتكبت خطأ نشر خبر عن «إفلاس» رجل أعمال كبير. كنت في بداية عملي في الصحافة. كنت أحسب أن الصحفي وليس القاضي هو الذي يصدر الحكم بالإفلاس. كانت سورية في تلك الأيام البعيدة دولة فيها قانون وأنظمة وقضاء نزيه.
أقام الرجل المتضرر دعوى على الصحيفة اليومية التي أحررها. بعد أيام، رأيت المدير المسؤول يدخل السجن بحكم قضائي. ومن سوء الحظ أن المدير المسؤول كان صاحب الجريدة نفسه”.
مشهد لا أنساه
ويتابع الصحفي غسان الإمام رواية ما حدث بعد دخول صاحب الجريدة التي يعمل فيها إلى السجن بسببه، فيقول:
“سأذكر ما حييت مشهدا لا أنساه. كنت أقف على مقربة من الرئيس شكري القوتلي في حفل رسمي عام. فجأة رأيت الرئيس الراحل يستدير ويدعو بصوته الجهوري رجل الأعمال صاحب الدعوى القضائية الذي كان حاضراً الحفل: «تعال يا فلان، لماذا لا تسقط حقك عن فلان؟ أليس من المعيب أن يظل صحافي في عهدي خلف القضبان؟». لو أن رئيساً في هذه الأيام دعا رجل أعمال متضرراً لإسقاط دعواه في مثل هذه الحال، فهل يجرؤ على الرفض؟
اقترب الرجل من الرئيس، وقال له بصلافة العجرفة: «سيدي الرئيس، لو أن فلاناً ذبح أولادي الثلاثة على ركبتي، لما ألحق بي الضرر الذي ألحقه الخبر. لقد تضررت سمعتي ومكانة أعمالي الممتدة من هونكونغ وعدن الى لندن».
سكت الرئيس الطيب. لم يضع رجل الأعمال في السجن. لم يهدده. لم يصادر تجارته. فقد كانت سورية آنذاك دولة القانون والحقوق والاحترام. ترك الرئيس القوتلي بحكمته وصبره للوساطات الحميدة أن تتابع القضية، الى أن خجل رجل الأعمال وأسقط حقه ودعواه”.