الرأي العام

نوافذ الإثنين | كيف تفيد الوطن؟!

ميخائيل سعد

بعد مرور خمسة وعشرين عاما على هذه الواقعة لا أزال أذكر جيدا لقائي ”الإجباري“ مع “علي إسماعيل“، رئيس فرع حمص للمخابرات العسكرية بعد إطلاق سراحي من سجن فرع فلسطين السيء السمعة، وقبل هربي إلى كندا، عندما قال لي: انقلع لعند الرائد… وحاول أن تفيد هذا الوطن قليلا. وعندما سألت الرائد: كيف أستطيع أن أفيد الوطن؟

قال: أن تكتب تقارير بأعدائه الذين يمرون على مكتبتك.

منذ عدة أسابيع كنت في جلسة اجتماعية عند أحد المعارف في ماردين، عندما سألني الشخص الملتحي الذي يجلس بجواري: منذ متى أنت خارج سورية: دققت النظر في وجهه في محاولة بتقدير عمره وقلت: أعتقد قبل ولادتك بقليل، أو بعد ولادتك مباشرة، فقد قدرت عمره بحدود الخامسة والثلاثين. اتسعت حدقتا عينيه وقال: يعني من ٣٤ عاما؟

قلت له مصححا: منذ ٣٥ عاما، يعني أن ”لجوئي“ أكبر من عمرك بعام. ماذا تفعل في الحياة أيها الشاب؟

قال: أنا متفرغ للثورة؟

قلت مبتسما: في ”فرع“ ماردين؟

أجاب دون أن يبتسم، يعني أنه لم يلاحظ السخرية في سؤالي: لا في سورية، فأنا قائد فصيل.

قررت أن انتبه لكلامي، فأنا أجلس بجوار ”عسكري“، ولا أعرف لماذا خطر ببالي عندها العقيد ”علي إسماعيل“، الذي كان ينتعل في قدميه ”صندلا ديريا“ عندما قادوني إلى مكتبه، وكان في مكتبه بعض ”وجهاء“ حمص، يستمتعون بالنظر إلى الصندل الصيفي، في الوقت الذي كان أحدهم يكيل المديح للصندل، معددا فوائده الصحية، والراحة التي يشعر بها منتعل هذا النوع من  الصنادل، وخاصة في الجو الحار، وكان العقيد يستمع بقرف واضح له، مع ابتسامة احتقار، دون أن يكلف نفسه النظر إلى السجين السياسي، الذي كان واقفا أمامه منذ دقائق. عندما قرر أن يتجاهل باقي ”مديح الوجيه“، نظر لي، وقال بقرف أكثر وضوحا من قرفه من ذلك الوجيه الإنتهازي: أنت ميخائيل سعد؟ كنت أتخيلك أطول وأكثر وسامة، في أي فرع كنت كنت؟

قلت له، وأنا أحاول رسم ابتسامة على وجهي، كنوع من المجاملة، تشبه إلى حد ما مديح الصندل: في فرع فلسطين.

قال باستهجان: وتعرف أين كنت أيضا؟!

قلت له: شيء طبيعي، فقد أمضيت في ذلك الفرع سبعة أشهر.

وقال قوله الشهير الذي سيصبح حكمة للأجيال القادمة: انقلع لعند الرائد… وحاول أن تفيد هذا الوطن قليلا.

قلت لجاري: كيف أستطيع خدمة ”الثورة“؟

عندها، وكأنه قد انتبه إلى نغمة السخرية، قال: أن تزورنا في المناطق المحررة!

عندما خرجنا من بيت الصديق، لفتت انتباهي الجيب الرباعي التي صعد بها ”القائد“، ثم تبعته المرافقة، عندها خفت فعلا، وقررت أن أفعل شيئا مفيدا للوطن!

ماردين في ٢٢-١-٢٠٢٤

زر الذهاب إلى الأعلى