حلب على مُفترق طرق وحسينيات
العربي القديم – علاء طرقجي
في حلب، وأعتقد في أغلب محافظات ومدن سوريا، كانت هنالك عادة جميلة لدى السوريين أنهم يقومون بتحفيظ أبنائهم بعض سور القرآن الكريم القصيرة، قبل أن يبلغ الطفل السن الذي يذهب فيه إلى المدرسة، وطبعاً هذه العادة مبنية على أساس طبيعة المجتمع السوري المتدين وسطياً، وأن الطفل يجب أن يتعرف على أمور دينه تدريجياً، بما يتناسب مع كل مرحلة عمرية.
بالطبع فرحة الأهل لم تكن توصف، عندما كان الطفل يقرأ سورة الكوثر، أو سورة الإخلاص، أمام الضيوف، ويعتبرون أن هذه اللحظة هي بداية الإنجازات التي يأملون أن يحققها أطفالهم في مسيرة حياتهم.
وهنا يجدر بي الإشارة والتأكيد على وسطية، واعتدال المجتمع السوري، حيث إن الأهل ذاتهم يفرحون بعدها، عندما يستجيب الابن لطلب أبيه المتمثل بالمقولة الشهيرة: ″ورجيه حمامتك لعمّو″.
لماذا كتبت هذه المقدمة؟ لأني ببساطة من يومين، وأنا أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي مرّ أمامي فيديو لـ “يوتيوبر” في مدينة حلب، يجري مقابلات مع عدد من الشباب والفتيات، ممن هم في سن المراهقة، وكان يوجه لهم سؤالاً في الدين، ولغرابة السؤال اعتقدت في البداية، أنه عبارة عن مزحة، أو مثل فيديوهات المقالب الخرندعية التافهة المنتشرة في الفترة الأخيرة، على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي بالمناسبة أجد أن أغلبها مستوحىً من مقالب غوار، التي لم تكن تُضحك إلا المخرج والريجيسير عبد الله حصوة.
السؤال الذي كان يوجهه اليوتيوبر للشباب والفتيات هو: ما اسم النبي أو الرسول الذي جاء بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟!
لم يكن شكل الشاب الذي يسأل، أو طريقة سؤاله توحي بأن السؤال مزحة، وأن مقطع الفيديو عبارة عن مقلب، فقد كان شكله وطريقة طرحه للسؤال جدية جداً! للحظات أصابتني الدهشة من سؤاله، وقلت لنفسي: هل يعقل أن يسأل أحد هكذا سؤال؟ هل من المعقول أن يتوقع هذا الشاب إجابات تحتوي على أسماء أنبياء، ورسل جدد، وأن الأديان قد حصل لها عملية upgrade لا أحد يعلمها إلا هو؟ وهل يعتقد أنه يسأل هذا السؤال في موسكو، أو زيورخ؟ إنها حلب يا نضري أمّ المعارف والأدب!
بعد أن سمعت السؤال بثوانٍ اختفت حالة الدهشة لدي؛ لأني أصبت بدهشة أكبر، عندما بدأت أسمع إجابات الشباب والفتيات على سؤاله.
أحد الشباب أجاب إنه غير ملم بأمور الدين، شاب آخر أجاب إنهم لم يأخذوا هذه المعلومة بعد في المدرسة، فتاة أجابته مترددة، وهي تنطق الاسم، وقالت له داود. شاب آخر أجابه قائلاً: ألا يوجد خيارات؟ والكثير من الشباب والفتيات أجابوا عن سؤاله إنهم لا يعرفون الإجابة. بالطبع كان هنالك بعض الإجابات بأن سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، ولكنها كانت قليلة مقارنة بباقي الأجوبة.
بالتأكيد أصابتني حالة من الحزن، بعد أن شاهدت هذا الفيديو، ورأيت إلى أي حال من الجهل، والبعد عن الدين وصل إليها هؤلاء اليافعون الذين من المفترض أن يكونوا نواة مستقبل مدينتي حلب التي نالها ما نالها من نظام الأسد على أيام الأب والابن.
لكن حزني كان مضاعفاً؛ لأنه وفي الطرف المقابل لا يمر أسبوع إلا وأشاهد فيديو لحسينية شيعية في حلب، ولا يمر أسبوع إلا وأسمع عن تجار إيرانيين يقومون بشراء عقارات في عدد من أحياء مدينة حلب، ناهيك عن حملات التجنيد والتشييع للعديد من شباب المدينة وريفها، من قبل الميليشيات الإيرانية والميليشيات المحلية التابعة لها، والتي بدأت، بعد سقوط المناطق المحررة، بيد النظام السوري وحلفائه، ومستمرة إلى الآن.
قبل سقوط حلب بيد النظام السوري والميليشيات الإيرانية كنا نتحدث مع المؤيدين في مدينة حلب ونناقشهم، وخاصة الشخصيات المؤثرة منهم، من تجار، ورجال دين ومثقفين، محاولين أن نشرح لهم نوايا الميليشيات الإيرانية، تجاه المدينة، وإن هدفها ليس فقط عسكرياً، بل غاياتها مشروع ديني؛ لتشييع المدينة، وأننا لمسنا هذا الأمر نتيجة الاحتكاك بهم، من خلال المعارك العسكرية التي خاضتها فصائل المعارضة، ضد هذه الميليشيات، وإنه في حال عادت حلب إلى حضن النظام، كما يتمنون سوف يذهب تأييدهم له سدىً؛ لأنه لن يكون لهم، ولا له، ولا لجيشه أي قيمة، أو أي قرار يخص المدينة.
حتى إني كنت في جميع النقاشات أذكر لهم حادثة رواها لي أحد قيادات فصائل الجيش الحر في مدينة حلب، وهي أن النظام السوري قام باعتقال والدة زوجته ″حماته″، وهي امرأة كبيرة في السن ومريضة، اعتُقلت أثناء خروجها من المناطق المحررة (مناطق شرق حلب)؛ للعلاج في مستشفى بمناطق النظام (مناطق حلب الغربية)، قال لي إنه في البداية كان سعيداً؛ كونه ارتاح من حماته، إلا أنه وبعد نق ونكد متواصل، من قبل زوجته قرر أن يلجأ الى السماسرة، وهم أشخاص لديهم تواصل مع شخصيات من النظام السوري، يديرون عملية مفاوضات؛ من أجل إطلاق سراح الأسرى، إما مقابل المال، أو مقابل أسرى من النظام، لدى فصائل المعارضة، إلا أن النظام رفض إطلاق سراح حماته للقيادي، مقابل المال ورفض إطلاق سراحها، مقابل أسرى ضباط علويين، وبالنهاية قبل إطلاق سراحها مقابل جثتين لعنصرين من الميليشيات الإيرانية أحدهما إيراني، والآخر أفغاني.
في ذلك الوقت لم تلق أصواتنا في كشف نوايا إيران أي صدى، لدى جمهور المؤيدين في مدينة حلب، وكانوا دائماً يوجهون تهمة الطائفية لنا، وكأننا لم نتربَّ في مدينة واحدة، لم تكن الطائفية أبداً إحدى الأمور التي تربينا عليها.
أنا كحلبي لا أحب أن تُصبغ مدينتي برايات لبيك يا زينب، ولا أحب أن تجوب فيها قوافل اللطم، ولا أحب أن أسمع أحداً يشتم أبا بكر، وعمر، لكني أحب سيدنا علي، وأحب آل البيت، وأحب السيدة فاطمة، والسيدة زينب، وأحب الحسن، والحسين. كيف لا أحبهم، وقد تعلمت في حلب عشق آل البيت، وأنا أستمع لشيخنا حسن حفار، وهو يمدحهم ويقول:
“للنجف يا روح روحي بالمزايا الحسن
واستنجدي بالفتى الغالب لخصمو حسن
باب العلم والتقى عين السخاء وحسن
ذاك الرضيّ الذي في ذا الشرع أَمّنا
يا بن عم النبي في جيرتك إِمّنا
حنا بنو المصطفى والفاطمة أُمّنا
من نسل حيدر علي فرع الحسين وحسن”.