أرشيف المجلة الشهرية

حموي يا مشمش... والانتقام من ذكر حماة!

العربي القديم – محمد منصور

رغم أنها ارتكبوا فيها مجزرة، لم يُرتكب مثلها في الوحشية في تاريخ سورية، بل والشرق الأوسط كلّه، كما يقول مقال مترجم عن قناة روسية، نُشر في هذا العدد، فإنهم فوق هذه المجزرة التي لم تشعرهم للحظة بتأنيب الضمير، قرروا أن يمحوا اسم حماة، من على خارطة الفن والدراما، بل والغناء، فمُنع بثّ أغنية المطرب الحموي نجيب السرّاج “حماة التي في خاطري”، التي كان يعتز بها أيما اعتزاز؛ لأنها تتحدث عن بلد الأبطال!

لن أنسى ما حييت ما حدث معي في عام 2001، وكنت أعدّ للتلفزيون السوري ندوة نقدية عن مسلسل اسمه (الخيزران)، من إنتاج التلفزيون نفسه، يتحدث في جانب من جوانبه عن الوحدة بين مصر وسورية، وقد طلبت من مخرج المسلسل محمد بدرخان، أن يعطيني أشرطة المسلسل (فيديو)؛ لأشاهده كاملاً في البيت، حتى تكون محاكمتي النقدية للعمل دقيقة ومكتملة. وفي إحدى الحلقات كان المخرج قد استخدم أغنية المطربة صباح (حموي يا مشمش)، فكتبت تقريراً نقدياً بعنوان: (كيف ناقش الخيزران قضية الوحدة)؛ لعرضه في الندوة أقول فيه عن هذه الأغنية:

“هذه إحدى الأغنيات الشعبية الشهيرة، التي تتحدث عن عيد الوحدة بين مصر وسوريا، والتي قُدمت في مسلسل  الخيزران”،

لكنني عندما ذهبت إلى التلفزيون لمونتاج التقرير، وقد سجلت رقم الحلقة التي استخدمت فيها هذه الأغنية، لم أجد أثراً لها، فاتصلت بالمخرج ظاناً أنني أخطأت في رقم الحلقة، فأخبرني أن رقابة المشاهدة في التلفزيون السوري، قد طلبت منه استبدال الأغنية، ذلك أن في التلفزيون رقابتين: الأولى تراقب النص وتجيزه، أو تمنعه، والثانية تراقب المسلسل بعد تصويره، حتى لو كان من إنتاج التلفزيون، ثم قال لي المخرج مهوّناً الموضوع، عندما لاحظ صمتي ووجومي: “ما بحبوا ذكر حماة بتعرف!”.

لم أكن أعرف أن الحقد الطائفي على حماة قد بلغ هذا الحد… حتى عندما كان أحد أصدقائي المتنفذين في التلفزيون يقول لي ممازحاً: “شو القصة نص رفقاتك حموية؟”، لم أكن أعرف أن هذا قد يُسجّل في ملفي الأمني الحافل بطبيعة الحال، ولهذا في الذكرى الثلاثين لمجزرة حماة عام 2012، اندفعت في فورة حماسي في كتابة وإخراج الأفلام الوثائقية في قناة  (أورينت)؛ لأنجز أول فيلم وثائقي عن المجزرة، بعد اندلاع الثورة يعنوان (ذاكرة الرماد)، تألّق في قراءة تعليقه بنبرة تراجيدية مذهلة الصديق عامر الرجوب، بعد أن قصدت عمّان؛ لأسجل شهادات مع عائلات حموية عاشت أهوال المجزرة، كما اندفعت منذ أشهر بالإعداد لهذا العدد الخاص من (العربي القديم)، ونبش مقالاته القديمة، والتواصل مع الأصدقاء والكتّاب، وخصوصاً من الجيل الحموي الشاب الذي تعرفت به، أثناء سنوات الثورة والاغتراب، لكتابة مقالاتهم الحديثة؛ ليكون تحية لحماة التي هُمشت، وظُلمت، وتم الانتقام منها ماضياً وحاضراً، فجاء هذا العدد محاولة أولى للقول: نعم، نفخر نحن السوريين بالانتساب لحماة التاريخ، والشرف والرجولة، مثلما يفخر بها أهلها الطيبون… نفخر بالحديث عن تاريخها، وعن ماضيها وحاضرها، عن أعلامها ورجالها، عن أحزانها ومسرّاتها، لنقول لحماة: شكراً لأنك جزء من سورية.

_____________________________________________

 من مقالات العدد الثامن من مجلة (العربي القديم) شباط/ فبراير 2024

زر الذهاب إلى الأعلى