كيف استيقظ العالم صبيحة هروب المخلوع…؟
الأقرب الى هذه النوعية من العناوين التي تشفي صدور قوم ثائرين عنوان "وول ستريت جورنال" الأميركية، وهو من ثلاث كلمات فقط: "سقوط جمهورية الحقد"
د. محيي الدين اللاذقاني – العربي القديم
للحيطان آذان وللعالم عيون، الأولى ولدت من الخوف في أزمنة الدول الاستبدادية، والثانية، وليدة العالم المتحضر، حين صار فيه صحافة، ووكالات أنباء، ووسائل إعلام لا تدع خبراً، أو مناسبة تفوتك حتى وإن كنت نائماً، والمشكلة أن معظم الأحداث المثيرة تحدث آخر الليل، والناس نيام بعد الثانية فجراً، وهذا هو التوقيت نفسه الذي هرب فيه المخلوع من سوريا، لكن صحف المنطقة، وقنواتها لم تعلن الخبر إلا بعد الخامسة فجراً، حين بدأت وكالات الأنباء، ووسائل الإعلام تتداول ذلك المصطلح الذي انتظره السوريون نصف قرن ونيف. فقد سقط الأسد، هرب الأسد، انهزم الأسد، ولم يكن في شوارع دمشق ناشطٌ يصرخ جذلاً: “الأسد هررررب”، كما قيل في تونس، يوم هرب بن علي، لكن كان في شوارع دمشق، قبل أن تبدأ عيون العالم ببث الخبر دبابات ثوار سوريا الأحرار، التي صنعت معجزة القرن؛ لذا جاء عنوان صحيفة القبس الكويتية هو الأكثر دقة، وصدقاً في الصحافة العربية، إذ لخصت الحدث بأربع كلمات موحيات: “الثورة انتصرت… وسقط الأسد”، ومثلها فعلت جريدة الجريدة: شمس الحرية تشرق على سوريا،
وأمام هكذا “مانشيت” يتعاطف مع السوريين، وثورتهم، كان هناك عناوين صحف حاقدة على ثورة السوريين، تجنبت أن تذكر السقوط، لكنها لا تستطيع أن تخفي الحدث/ المعجزة، مهما ناورت؛ لذا جاء عنوان صحيفة الحزب الإيراني في لبنان “الأخبار” على الشكل التالي: “سوريا الجديدة.. تحدي الوحدة”، وكأن الجماعة المحروقة قلوبهم من انتصارنا يتنبؤون من خلال عناوينهم بالتقسيم الذي كانوا يخوفوننا به طيلة أعوام.
وقريباً من هذا التوجه جاء “مانشيت” جريدة “العرب” التي تمولها الإمارات، فالصحيفة لم تستطع أن تتجنب كلمة السقوط، لكنها جملتها بأن أخفت الفرحة تضامناً مع الممول الخاسر، بسقوط حليفه الذي حاول المستحيل أن يعومه، وإعادته الى الجامعة العربية بالرشاوى، ولتتحايل الصحيفة على إحراجها، أصابت العالم كله بالصدمة، لتبرر العنوان مع أن العالم لم يكن مصدوماً، فقالت: “العالم تحت صدمة سقوط نظام الأسد”.
نعم، العالم لم يصدمه الحدث، بل كان يتوقعه، وقد فرحت صحف عالمية كبرى بذلك السقوط المدوي لنظام، لم يخلف غير السجون والمقابر الجماعية، بل إن بعضها بدا شامتاً شماتة خفية، مثل صحيفة “وول ستريت جورنال”، التي تساءلت على صدر صفحاتها الأولى: كيف سقط حكم، دام أربعة وخمسين عاماً في أحد عشر يوماً…؟ ومثلها جاء توجه مجلة “الايكونوميست” البريطانية، التي صاغت عنوانها التالي الذي كُتب بفرح، وشماتة ظاهرة: “سوريا الجديدة قد تنجح، وقد تفشل، لكن هذا لا يمنعنا من الاحتفال بسقوط بشار الأسد ..”، وقريبا منه الغارديان التي جاء عنوانها شماتة بمن يسمون أنفسهم حماة الديار: “جيش من قش قصة سقوط بشار الأسد”.
ومن عناوين الصحف العالمية التي تشفي الغليل صبيحة هروب الفاسد، الجبان، المخلوع عنوان جريدة “الباييس” الإسبانية التي قالت بوضوح وبالخط العريض: “انتهت ديكتاتورية عائلة الأسد المتعطشة للدماء ..”، ولعل الأقرب الى هذه النوعية من العناوين التي تشفي صدور قوم ثائرين عنوان قصير في “وول ستريت جورنال” الأميركية، قرأته بتلذذ عشرات المرات، وهو من ثلاث كلمات فقط: “سقوط جمهورية الحقد”.
ولا أكتمكم، إن من عناوين الصحف العالمية التي كنت أستعيدها جذلاً، وبحالة من التشفي ببشار الكيماوي وحلفائه الإيرانيين عنوان “صاندي تايمز” البريطانية: “إيران خسرت الأسد، ومعه خمسون مليار دولار”، وما بدا كخسائر لإيران والملالي سجلته الصحيفة الاقتصادية “فايننشال تايمز”، كمكاسب للمخلوع الجبان، فقد تحدثت في تقرير مطول، كيف كان بشار الكيماوي ينقل أطناناً من العملات الورقية من فئة مائة دولار، وخمسمائة يورو في رحلات منتظمة إلى موسكو، والسؤال الآن ماذا سيفعل هذا اللص هو، وزوجته سيدة سوريا الأخيرة بهذه الأموال..؟ وليس هناك من سيواصل قبوله لاجئاً، ينتظر الجميع محاكمته، بعد اكتشاف عشرات المقابر الجماعية من صنعه، وهذا ما يفسر تكرار عبارة وكالات الأنباء التالية التي نشرتها كل صحف العالم: “الأسد دفن مائة ألف سوري في حفرة واحدة “، ولعل هذا النوع من العناوين، هو الذي دفع صحيفة “ايفيننغ ستاندرد” اللندنية أن تعنون أولى صفحاتها بالتالي: روسيا ستسلم الأسد بالنهاية، نعم ستسلمه مهما قاومت، ولكن بعد أن تسلبه المليارات التي سرقها من الشعب السوري، ليعطيها لشريكه المجرم الروسي الذي ساعده، هو وإيران على تدمير سوريا.
_________________________________________
من مقالات العدد الثامن عشر من (العربي القديم) عدد الاحتفال بالنصر، الخاص بشهداء ثورة القرن – كانون الأول/ ديسمبر 2024