حسني البورظان ومقاله الذي لم يكتمل!
بقلم: عبد الرحمن عمرين
إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، يجب أن نعرف ماذا في البرازيل!
هذه الجملة التي نعرفها جميعًا قالها حسني البورظان (الفنان الراحل نهاد قلعي)، عندما كان يحاول تأليف مقال، وغوار الطوشة (دريد لحام) يشوش عليه ليمنعه من إنجاز عمله ونجح بذلك! على بساطة العبارة، لكنها تفسر الأسباب غير المباشرة لوقائع غيرت مجرى حياتنا! يعني يمكننا القول: إذا أردنا أن نعرف ماذا في دمشق، يجب أن نعرف ماذا في طهران، أو موسكو، أو واشنطن! لأنه “لا أحد يقدح من رأسه” كما يقال في أوطاننا العزيزة! لكنني أعتقد أنها عبارة تعكس النبوغ السياسي الساخر الذي تمتع به قلعي فسبق أبناء جيله.
في برنامج (سهرة مع فنان) سنة 1978، قال قلعي: “شخصية حسني البورظان تشبهني تماماً في حياتي العادية، لكنني أقل جدية بالواقع”، وهو كذلك فعلاً، فالأفكار والنصوص والحوارات التي كتبها ومثلها، لا تأتي سوى من شخص مبدع ومثقف، لديه قدرة عالية على ابتكار المواقف الطريفة والمضحكة. حتى بعد الاعتداء التشبيحي عليه بأحد مطاعم دمشق، والأذى الجسدي والنفسي الذي تسبب برحيله لاحقاً، بقي عطاء قلعي مستمراً، وإن بوتيرة أقل، وأبدع في سلسلة رسوم كرتونية للأطفال عبر مجلة (سامر) اللبنانية، حملت توقيع “عمو حسني”.
ما يدمي القلب أن فناناً كالراحل نهاد قلعي في بلاد طبيعية تحترم مثقفيها وفنانيها، كان ليبقى ذكره مخلداً ألف عام، بنصب تذكارية وصالات مسرحية تحمل اسمه، أو على الأقل قاعة بالمعهد العالي للتمثيل، لكنه كغيره من مشاهير سوريا ومفكريها الذين حاربهم نظام الاستبداد، وعمل على طمس وجودهم واستبدالهم بأرغوزات وعاهات فنية، تطوش وتزعق وتُطّبل للمقاومة والممانعة الصورية وحملات الصدور العارية!
ختاماً وخلال بحثي في يوتيوب على إحدى حلقات مسلسل صح النوم، وتحديدًا الحلقة التي ترد فيها عبارة (إذا أردنا أن نعرف..)، قرأت بالتعليقات أسفل الفيديو: (إذا أردنا أن نعرف ماذا في حفرة التضامن، علينا أن نعرف ماذا في سجن صيدنايا)!
_________________________________________
من مقالات العدد الرابع من صحيفة (العربي القديم) تشرين الأول/ أكتوبر 2023